الاحتلال يبتز تجار غزة بإتاوات ضخمة لإدخال سلع شحيحة
Arab
12 hours ago
share

باتت الحياة في قطاع غزة رهينة ابتزاز إسرائيلي، إذ عمد الاحتلال إلى فرض إتاوات ضخمة على شاحنات سلع يسمح بمرورها لبعض التجار مقابل مبالغ تصل إلى 500 ألف شيكل (150 ألف دولار) للشاحنة الواحدة، في الوقت الذي ينتهج فيه سياسة التفريق في وصول السلع عبر منعها عن مناطق الشمال وتقليصها للجنوب، وسط ممارسات التجويع التي ينتهجها ضد سكان القطاع.

ويكتوي الغزيون بالأسعار المرتفعة، رغم ما يُتداول من أجواء تفاؤلية بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، وتعليق المواطنين آمالاً كبيرة بانخفاض الأسعار وتوفر السلع خلال الأيام القليلة المقبلة. ففي شمال قطاع غزة، لا تسمح إسرائيل بإدخال أي شاحنات مساعدات، أما في الجنوب ورغم استمرار دخول بعض المساعدات فإن الكميات لا تزيد على 3% من الاحتياج الفعلي، خصوصاً بعد توقف قوافل المساعدات الأميركية العاملة في منطقة "نتساريم" منذ أيام، واقتصار توزيعها حالياً على نقاط محدودة في رفح.

قفزات كبيرة في الأسعار

ويصف البائع في سوق الشيخ رضوان بمدينة غزة، محمود جودة، مشهد الأسواق بأنه أقرب للموت البطيء، قائلاً: "الكميات المعروضة شحيحة جداً والأسعار قفزت بشكل غير معقول. كنا ننتظر أن تنخفض الأسعار مع الحديث عن وقف إطلاق نار، لكن الواقع أن كل شيء ازداد سوءاً".

وأضاف لـ"العربي الجديد": "الطحين ارتفع من 25 إلى 60 شيكلاً في ثلاثة أيام فقط، بنسبة 140%، أما السكر فزاد من 260 إلى 320 شيكلاً خلال المدة نفسها، والارتفاعات طاولت أغلبية السلع الشحيحة الموجودة في الأسواق من زيت نباتي وخضروات وغيرها". (الدولار = 3.3 شواكل).

ولعل المثير للقلق أكثر أن هذه الارتفاعات لا تقاس فقط بالنسبة إلى الزيادة اليومية، بل مقارنة بما كانت عليه الأسعار قبل الحرب، نجد أن سعر الطحين قفز بنسبة تفوق 1900%، والسكر بأكثر من 10000%، وهو ما يشير إلى انهيار تام في دورة السوق. ويزيد من تعقيد الوضع أن الاحتلال يسمح أحياناً بإدخال شاحنات تجارية محدودة عبر التنسيقات الخاصة، ولكن بأسعار باهظة يدفعها التجار للجانب الإسرائيلي تصل إلى نصف مليون شيكل وأكثر للشاحنة الواحدة، ما يجعل أسعار السلع عند وصولها إلى السوق مرتفعة بشكل فاحش لا يمكن للغزيين شراؤها.

اقتصاد فوضوي

وأكد المختص في الشأن الاقتصادي، محمد بربخ، أن أكثر من 95% من سكان غزة باتوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية مصدراً وحيداً للعيش في ظل الحرب على غزة، ومع توقفها منذ مارس/ آذار دخل الناس في حالة جوع ممنهجة.

وقال بربخ في حديث لـ"العربي الجديد": "الاحتلال طبّق سياسة ممنهجة تتمثل بمنع فرص العمل، ودمر الاقتصاد، ثم أوقف المساعدات، ليدخل الغزيون في حالة جوع، وقبل فرض الحصار والتجويع، ما سمحت إسرائيل بإدخاله من السلع لا يتجاوز 15% من المعتاد قبل الحرب". وأوضح أن هذه الكميات المحدودة خلقت حالة تشوه اقتصادي في الأسواق، "فالأسعار ترتفع بشكل هستيري في اليوم نفسه أحياناً، دون وجود منطق لهذه الارتفاعات التي تتضاعف دون مبرر واضح".

وأضاف: "انعدام الاستقرار في السوق نتيجة هذه السياسات جعل السكان يعيشون في ظل اقتصاد فوضوي، حيث لا توجد أي قدرة على التنبؤ بالأسعار أو توفير احتياجات أساسية، ولو لأيام قليلة"، مشيراً إلى أن هذا الواقع أدى إلى شلل شبه تام في الحركة التجارية، ليس فقط على مستوى المستهلك، بل حتى على مستوى الموردين والتجار الصغار.

وتابع بربخ: "حتى التجار الذين يدفعون أموالاً باهظة مقابل التنسيقات لم يعودوا قادرين على تأمين البضائع أو تسعيرها بشكل طبيعي، لأن تكلفة إدخالها أصبحت أعلى من قدرة السوق على الاستيعاب"، لافتاً إلى أن ما يحصل تحطيم متعمد لأي محاولة لإنعاش الاقتصاد المحلي وإبقاء السكان في حالة عجز مستمرة عن تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم اليومية، فيما وصف المختص في الشأن الاقتصادي عماد لبد، الوضع في أسواق غزة بأنه "كارثة إنسانية بتخطيط اقتصادي عسكري"، قائلاً إن الاحتلال دمر مقومات الحياة كافة، وألغى عملياً أي إمكانية لتوليد الدخل والحصول على أجر، لترتفع البطالة من 45% إلى 83%، بينما نسبة الفقر تجاوزت 93%، وهناك بوادر لأن ترتفع قريباً لتشكل كل سكان غزة".

وقال لبد في حديث لـ"العربي الجديد" إن الاحتلال لا يمنع إدخال السلع فقط، بل يمنع أيضاً تدفق النقد والدعم الخارجي للمؤسسات الإنسانية والقطاع الخاص، ما عطل حركة الاقتصاد بالكامل، مؤكداً أن التنسيقات التجارية ما هي إلا وسيلة احتكارية بيد الاحتلال لنهب أموال التجار وفرض تسعير خارجي قسري ورفع الأسعار بشكل إضافي. وأضاف: "إجبار التجار على دفع أكثر من نصف مليون شيكل لإدخال شاحنة واحدة، يعني أن المنتجات ستصل إلى المواطن بأسعار لا يمكن للعائلات تحمّلها، خصوصاً أن أكثر من 80% من هذه العائلات فقدت مصادر دخلها كلياً".

وحذّر لبد من أن السوق المحلي في غزة أصبح رهينة لما يُسمى بـ"مزاج التنسيق الإسرائيلي"، حيث لا توجد أي قواعد واضحة أو جدول زمني لدخول البضائع، وهو ما يجعل أي خطة اقتصادية مستحيلة، حتى على المستوى الإغاثي. وختم حديثه: "كل هذا جزء من حرب اقتصادية مفتوحة هدفها كسر إرادة الناس، لا فقط تجويعهم، ولذلك المطلوب اليوم ليس فقط إدخال المساعدات، بل فرض رقابة دولية على تدفقها، ومنع الاحتلال من التحكم بأبسط متطلبات الحياة في غزة".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows