الأكاديميون الأميركيون يبحثون عن ملاذ في أوروبا
Arab
15 hours ago
share

في تحوّل تاريخي في المشهد الأكاديمي العالمي، يتزايد عدد الباحثين والأكاديميين الأميركيين الذين يفكّرون جدياً في مغادرة بلادهم، وسط ضغوط متصاعدة على حرية البحث العلمي وتمويله، في ظلّ سياسات إدارة دونالد ترامب التي أعادت رسم قواعد اللعبة الأكاديمية في الولايات المتحدة، فاستجابت جامعات أوروبا بدورها عبر إطلاق برامج خاصّة لاستقبال الباحثين الطالبين ملاذاً أكاديمياً آمناً.

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، شنّت إدارته حملة صارمة أثرت مباشرة على البيئة الأكاديمية في الولايات المتحدة، تمثلت في تجميد وتقليص موازنات البحث العلمي، رغم أن الإنفاق الفيدرالي على البحث والتطوير بقي مرتفعاً (نحو 150 مليار دولار سنوياً)، إلّا أن توزيع هذه الأموال شهد تحولات أدت إلى سحب مليارين إلى ثلاثة مليارات دولار من برامج إضافية، وكذلك تقييد السياسات المرتبطة بالتنوع والمساواة والشمول (DEI)، إذ أعلن ترامب نهاية "طغيان" هذه السياسات التي كانت من ركائز الجامعات الأميركية، وتدخل الحكومة في محتوى البحث العلمي، مستهدفة مواضيع مثل التغيّر المناخي وغيرها من القضايا، ما أدى إلى زيادة الرقابة الذاتية بين الباحثين، فضلاً عن تسريحات جماعية وإلغاء منح وتمويل، شملت وكالات بحثية فيدرالية وقطاعات جامعية مختلفة، مع إلغاء تأشيرات وإقامات لأكاديميين بسبب آرائهم أو أبحاثهم، ما تسبب في حالة من الذعر وعدم الاستقرار.

في هذا السياق، قال أستاذ التاريخ في جامعة جنوب كاليفورنيا، نيثان بيرل-روسنثال، لموقع توفيما الإخباري، أول من أمس الجمعة: "كل قادة الجامعات في الولايات المتحدة بالكاد يجرؤون على التعبير عن آرائهم بحرية. الأجواء مليئة بالخوف والرقابة"، كما أضافت أستاذة مساعدة، طلبت عدم الكشف عن هويتها: "لا أشعر الآن بحرية إجراء أبحاثي أو التدريس في الولايات المتحدة، وأنا أخفي عن جهة عملي نيتي للانتقال إلى الخارج".

رقابة على الكلمات والمواضيع البحثية

بحسب مقابلات مع باحثين أميركيين، فإن الرقابة وصلت إلى حد منع استخدام كلمات معينة في طلبات التمويل، منها: "التنوع"، و"النساء"، و"مجتمع الميم عين". وقالت عالمة الأحياء التطورية كارول لي، لصحيفة ذا غارديان البريطانية الأسبوع الماضي: "هناك الكثير من الرقابة الآن، إنها أمور جنونية". وأضاف جيمس، وهو باحث في علوم المناخ: "الأجواء في الولايات المتحدة أصبحت معادية للعلماء، وهو تيار صغير لكنه مؤثر جداً". هذه الضغوط دفعت الأكاديميين إلى الانعزال والتردد في الحديث العلني، خاصّة مع تقارير عن إلغاء تأشيرات وملاحقة أصحاب المواقف المعارضة.

الاستجابة الأوروبية

في مواجهة هذه الأزمة، بادرت جامعات أوروبية إلى إطلاق برامج لدعم الباحثين الأميركيين والباحثين المهدّدين، ومن أبرز هذه المبادرات برنامج "مكان آمن للعلوم" في جامعة إكس-مرسيليا (جنوب فرنسا)، الذي استقبل أكثر من 298 طلباً، مؤهل منها 242، من باحثين من جامعات رائدة مثل هارفارد وييل وكولومبيا وستانفورد. هذا البرنامج يمنح تمويلاً لمدة ثلاث سنوات لنحو 20 باحثاً في مجالات متعدّدة تشمل علوم الأحياء، والأوبئة، وعلوم المناخ، كما أطلقت منح أخرى في بلجيكا والنرويج وهولندا، إذ تقدم جامعة بروكسل الحرة زمالات تصل إلى ثلاثة ملايين دولار لعدد من الباحثين، بينما خصّصت النرويج صندوقاً بعشرة ملايين دولار لدعم الأكاديميين الأميركيين، وتقترح هولندا صرف 30 مليون دولار لجذب العلماء من مختلف الدول.
وبرزت دعوات لإنشاء صفة "لاجئ علمي"، إذ دعا الرئيس الفرنسي السابق والنائب الاشتراكي الحالي، فرانسوا هولاند، إلى الاعتراف بالأكاديميين المهدّدين بوصفهم لاجئين، مقترحاً مشروع قانون يمنحهم حماية فرعية تسمح لهم بالاستفادة من إجراءات تسهيلية لتسريع قبولهم وتأمين بيئة بحثية حرة، وذلك في مقال مشترك كتبه مع رئيس جامعة إكس-مارسيليا، إيريك بيرتون، في صحيفة ليبراسيون، وقال هولاند: "يجب أن نعيد فرنسا إلى قيم التنوير التي استقبلت الباحثين المضطهدين من كل أنحاء العالم. هذه مسؤولية علينا اليوم في وجه تصاعد السياسات السلطوية".

الأكاديميون وتحديات الانتقال والاندماج

مع أن أوروبا تفتح أبوابها، يواجه الأكاديميون المهاجرون تحديات كبيرة منها انخفاض الرواتب مقارنة بالولايات المتحدة، إذ قد يصل الأجر في فرنسا إلى نصف أو ثلث ما كان يتقاضاه الباحث في وطنه، والاعتماد على الدعم الحكومي لتكاليف المعيشة والرعاية الصحية والتعليم، التي تُعتبر أقل تكلفة في أوروبا، والقلق حول استقرار الأسرة وفرص عمل الزوج/الزوجة والتعليم للأطفال، ما يضيف ضغطاً نفسياً على الباحثين وأسرهم. وقالت عالمة العلوم السياسية ريتشيل بيتي ريدل، التي انتقلت من "كورنيل" إلى "ساينس بو" في فرنسا: "العمل البحثي في الولايات المتحدة أصبح معقداً بسبب القيود والتدخلات، وهذا ينعكس على قراراتنا حول ما يمكن نشره أو مناقشته علناً"، في حديثها لصحيفة وول ستريت جورنال.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows