
في ظل استمرار الضغوط الاقتصادية الناتجة عن السياسات النقدية المشددة، أعلنت هيئة التنظيم والرقابة المصرفية في تركيا عن تسهيلات جديدة تهدف إلى التخفيف من العبء المالي على المواطنين، ولا سيما ذوي الدخل المنخفض الذين يعتمدون بشكل كبير على الإنفاق عبر بطاقات الائتمان. تأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه البلاد مستويات تضخم مرتفعة وتذبذبًا في قيمة الليرة التركية، ما ينعكس مباشرة على معيشة المواطنين.
وقالت الهيئة، في بيان صدر في وقت متأخر من مساء الجمعة، إن المواطنين الذين يواجهون صعوبات في سداد ديون بطاقات الائتمان أو قروض المستهلك بات بإمكانهم الاستفادة من خيار إعادة هيكلة الديون لمدة تصل إلى 48 شهرًا. ونقلت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء أن هذه الخطوة تهدف إلى التخفيف من آثار التشديد النقدي على الأسر المثقلة بالديون، خاصة بعد الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة.
ووفقًا لوكالة "أسوشييتد برس"، فإن هذه الإجراءات تشمل المواطنين الذين لم يتمكنوا من دفع الأقساط الدورية المستحقة على بطاقاتهم الائتمانية، أو الذين عجزوا عن سداد أصل الدين أو الفوائد. كما أوضح البيان أن حتى الأفراد الذين سبق لهم الاستفادة من إعادة هيكلة الديون سيكونون مؤهلين للاستفادة مجددًا من هذه الخطوة. وحدد البنك المركزي التركي سقفًا للفائدة على عمليات إعادة هيكلة بطاقات الائتمان، بحيث لا تتجاوز 3.11% شهريًا، وذلك وفقًا لقرار رسمي مرفق بالبيان.
سياسة نقدية مشددة في مواجهة التضخم
تأتي هذه الإجراءات في إطار استجابة السلطات التركية للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والتي تصاعدت منذ إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان في يونيو/حزيران 2023. ففي محاولة للسيطرة على التضخم المتفشي، اعتمد البنك المركزي التركي سياسة نقدية صارمة، قام بموجبها برفع سعر الفائدة الأساسي إلى 50% في بداية عام 2024، قبل أن يخفضها لاحقًا إلى 42.5% في مارس/آذار من العام نفسه.
إلا أن تلك السياسة لم تخلُ من التحديات، إذ عادت السلطات النقدية لترفع معدل الفائدة إلى 46% بعد أن شهدت الليرة التركية تراجعًا كبيرًا على خلفية توقيف عمدة إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الأبرز لأردوغان، وهو ما أثار قلق الأسواق والمستثمرين، وفقاً لـ"أسوشييتد برس".
تواجه تركيا منذ سنوات تحديات اقتصادية متراكمة تتراوح بين تدهور قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب أزمات في ميزان المدفوعات وزيادة الاعتماد على التمويل الاستهلاكي. وتفاقمت هذه التحديات بشكل ملحوظ بعد سلسلة من الكوارث الطبيعية والسياسية، أبرزها الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير/شباط 2023، بالإضافة إلى التوترات السياسية الداخلية والخارجية. وتُعد إعادة هيكلة ديون بطاقات الائتمان محاولة لتقليل الضغوط على المستهلكين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية. غير أن المراقبين يرون أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، تبقى مسكنًا مؤقتًا ما لم ترافقها إصلاحات اقتصادية شاملة تعالج جذور الأزمة.
في ظل تزايد الضغوط المعيشية على شريحة واسعة من المواطنين الأتراك، تبرز خطوة هيئة التنظيم والرقابة المصرفية كمحاولة لامتصاص آثار السياسات النقدية الصارمة. إلا أن فاعلية هذه الخطوة ستظل مرهونة بقدرة الحكومة على الموازنة بين استقرار الأسعار وضمان النمو الاقتصادي، دون تحميل كاهل المواطنين مزيدًا من الأعباء. فالمعركة ضد التضخم في تركيا لا تزال طويلة، وتتطلب حلولًا هيكلية تتجاوز المسكنات الظرفية.

Related News


