مزارع شبعا... شهادات لبنانية وسورية
Arab
1 day ago
share

من المفارقات التاريخية المفتوحة على إجابات لصيقة بهُويّة مزارع شبعا المحتلة، ما يقوله رئيس الحكومة اللبنانية سامي الصلح (1890 ـ 1968) في مذكّراته عام 1960، إذ يتهم قوات الأمن السورية بأنها عمدت في 1957 إلى "إكراه أهالي مزارع شبعا على اعتناق الجنسية السورية". ولم يُعرف عن الصلح انحيازه إلى المقاومة الشعبية اللبنانية، التي نشبت بعد أشهر من شهادته، وانتهجت خطاً موالياً للرئيس المصري جمال عبد الناصر، وواجهت نظيره اللبناني كميل شمعون عام 1958. والصلح في تلك الدوامة اللبنانية كان يرأس الحكومة، أي إنه كان شمعوني الهوى إن استُحضرت التوصيفات السياسية لتلك المرحلة. ومع ذلك، لم ينزع العباءة اللبنانية عن مزارع شبعا.

وعلى ما يظهر، لم تكن الهُويَّة اللبنانية للمزارع آنذاك مثار جدال في بيروت، وهذا ما يؤكّده الصلح في كتابه "لبنان العبث السياسي والمصير المجهول" بقوله "استمرّ تدهور العلاقات اللبنانية السورية بين عامي 1956 و1958، ونتج عن ذلك بعض المشاكل الحدودية، عندما أقدمت السلطات السورية على إقامة مخفر للدرك في مزارع شبعا كما أفادت المراجع الأمنية اللبنانية، وقد أُنذر سكّان مزارع شبعا من قبل السلطات السورية بوجوب تقديم بيانات عائلية تتضمن قبولهم الهوية السورية بدلاً من اللبنانية، واتصلتُ بالسفير المصري في دمشق محمود رياض، وشرحتُ له ما يتعرّض له المواطنون اللبنانيون، وأعلمتُه أن ذلك محاولة اقتطاع الأراضي وضمها مع سكّانها". تلك شهادة أُولى لرئيس حكومة لبنانية محفوظة في لوحة التاريخ، قبل احتلال مزارع شبعا على مراحل، ابتداءً من 1967 وإلى منتصف الثمانينيّات. والشهادة الثانية لرئيس حكومة آخر هو رشيد كرامي (1921ـ 1987) في صحيفة السفير اللبنانية (22/12/1984) بعد استقباله وفداً من بلدة شبعا، وقال: "إسرائيل ستعترف بحقّنا مهما راوغت، وستجلو عن أرض لبنان قاطبةً وستعود مزارع شبعا لأهلها، وسيكون لقاؤنا عندكم في يوم التحرير". والشهادة الثالثة لرئيس الحكومة سليم الحصّ (1929ـ 2024) أوردتها "السفير" (13/5/2000) وفيها "وجّه رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الدكتور سليم الحصّ مذكرةً الى أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان تتعلق بحقوق لبنان في مزارع شبعا، واعتبر أن الانسحاب الإسرائيلي منها جزء لا يتجزأ من تنفيذ القرار 425، وخلاف ذلك يكون الانسحاب غير كامل وتنطبق عليه صفة إعادة الانتشار مع ما يترتب عليه من نتائج". وبعد عشرة أيام، نقلت وكالة الأنباء الكويتية تصريحاً للحصّ أن "مزارع شبعا لبنانية ولن نتخلّى عنها وسنتابع المطالبة بها وبجلاء القوات الإسرائيلية منها وعودتها إلى حضن السيادة اللبنانية".

وفي حوار مع صحيفة الراية القطرية (14/5/2006) يقول الحصّ: "وزير الخارجية السورية فاروق الشرع اعترف بلبنانية مزارع شبعا، والرئيس بشار الأسد قال إن مزارع شبعا ليست سورية، بالإضافة إلى هذه الاعترافات، كل مالكي مزارع شبعا لبنانيون، والأراضي مسجلة في السجل العقاري في مدينة صيدا، وبالتالي ليس هناك أي إشكال حول لبنانية هذه الأراضي". وفي شهادة له، أعادت الوكالة الوطنية اللبنانية نشرها (1/2/2024) يقول الرئيس اللبناني الأسبق، ميشال سليمان، إن البيان الختامي للقمة اللبنانية ـ السورية، في 13 و14 أغسطس/ آب 2008، دعا إلى "انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا اللبنانية وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من الغجر كما تقضي قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة". وأمّا الشهادة العائدة لنائب الرئيس السوري ووزير خارجيته، فاروق الشرع، مكتوبة نصّاً في مذكّراته "الرواية المفقودة" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2015)، وفيها يُفصح أن سليم الحصّ اتصل به "مستفسراً عن تبعية مزارع شبعا. أخبرتُ الحصّ أنني أبلغت تيري رود لارسن (مبعوث الأمم المتحدة إلى لبنان) بوضوح أن مزارع شبعا لبنانية". وفي لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المصرية (6/6/2000) "أكّد فاروق الشرع أن مزارع شبعا أراض لبنانية، نحن على المسار السوري نطالب بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة حتى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، ولبنان يطالب بالانسحاب إلى حدود 1923، ولا خلط بينهما".

اكتفى نظام الأسد بتأكيده لبنانية مزارع شبعا من دون إمضاء مطلوب قانوناً في الأمم المتحدة

في 12 مايو/ أيار 2006 نشرت الصحف اللبنانية بياناً موقّعاً بإمضاء عشرات المثقّفين السوريين واللبنانيين عُرف بـ"إعلان بيروت دمشق/ إعلان دمشق بيروت"، وفيه: "نعلن تمسّكنا بحق سورية في استعادة كامل أراضيها المحتلة في الجولان واستعادة لبنان أرضه التي لا تزال محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بكلّ الوسائل المتاحة بعد الإعلان الرسمي السوري عن لبنانيتها تحت مظلة الشرعية الدولية".

ولعلّ السؤال الناتج من مجمل هذه الشهادات يتطلّب إجابةً من دمشق الجديدة بشأن الهُويَّة اللبنانية لمزارع شبعا، وإذا كان النظام السابق قد اكتفى بمواقف تؤكّد لبنانية المزارع من دون الذهاب إلى تذييلها بالإمضاء المطلوب لتأخذ طريقها القانونية إلى هيئة الأمم المتحدة، ممّا جعل مواقفه تلك "نصف اعتراف"، فدمشق الجديدة، وكما ينقل زوّارها اللبنانيون، لا تقول أكثر من انعدام الفوارق بين لبنان وسورية.

وعلى ما يقال في بيروت، إن إيقاف عجلة الحسم السوري بمصير المزارع، وإدامتها معلّقةً بين نعم ولا، كأنه مؤشّر إلى مسعى لمراكمة قاعدة ملفّات، تجمعها دمشق ملفّاً تلو ملفّ، لتطرحها على طاولة المفاوضات مع بيروت، حين يأتي أوان المفاوضات، وإذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فما الذي يمنع دمشق الجديدة من أن تصدح بالقرار المبيّن وتقول بلبنانية المزارع، على الأقلّ كما قال معارضو النظام السابق في "إعلان بيروت دمشق/ إعلان دمشق بيروت"؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows