
لطالما ارتبطت تجارة الذهب في الأسواق السورية بتداول العملات، حيث شكّلت محالّ الصياغة نقاطاً نشطة، ليس فقط لبيع الحُلي، بل أيضاً لتبادل النقد الأجنبي بشكل غير رسمي. هذا التداخل المهني، ورغم كونه واقعاً متجذّراً، بات يشكّل مصدر قلق اقتصادي ورقابي، ما دفع الجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة لفصل المهن وتنظيم آلياتها. وفي هذا السياق، أصدرت وزارة الاقتصاد والهيئة العامة لإدارة المعادن الثمينة، وبناءً على توجيهات مصرف سورية المركزي، تعميماً يمنع مزاولة مهنة الصرافة داخل محالّ الذهب بشكل قاطع، مشددةً على أن نشاط الصرافة يقتصر حصرياً على الشركات المرخّصة من قبل المصرف.
كما شدد التعميم على منع ازدواجية العمل بين مهنتَي الصياغة والصرافة، حتى في حال وجود ترخيص، معتبراً أن الفصل بين المهن خطوة تهدف إلى تنظيم النشاطات التجارية والحد من التجاوزات التي قد تضرّ باستقرار السوق المحلية. وأكدت الجهات الرسمية أن أي مخالفة للتعميم ستعرّض صاحبها للمساءلة القانونية، داعيةً العاملين في القطاعين إلى الالتزام الكامل بالتعليمات.
أثار القرار الجديد تبايناً واضحاً في أوساط الصاغة، حيث انقسمت الآراء بين مؤيد يرى فيه حمايةً للمهنة، ومعارض يخشى تداعياته الاقتصادية، ومحايد يدعو للتكيّف مع التعليمات المستجدة. في السياق، يرى بسام داود، صائغ من دمشق، في القرار خطوة تنظيمية ضرورية، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن الصياغة والصرافة مهنتان مختلفتان، والتداخل بينهما يُفسد السوق ويفتح المجال للتجاوزات التي تسيء إلى سمعة الحرفة.
في المقابل، عبّر جورج العبود، صائغ آخر، عن تحفّظه معتبراً أن القرار سيفاقم الأعباء على أصحاب المحال، إذ أصبح بيع العملات مصدرًا مساعدًا للدخل، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة. أما عيسى إبراهيم، عضو في جمعية الصاغة بدمشق، فتبنّى موقفًا مهنيًا معتدلاً، مشيرًا إلى أن القرار ليس جديدًا في جوهره، لكنه يُنفّذ اليوم بصرامة أكبر، ما يستدعي من الصاغة إعادة تنظيم أعمالهم وفق التعليمات الرسمية.
رغم تعقيدات المشهد الاقتصادي، يواصل قطاع الصياغة في دمشق إثبات حضوره القوي. وتشير بيانات الجمعية الحرفية إلى أن العاصمة تحتضن أكثر من 3 آلاف حرفي، بينهم نحو 1500 منتسب رسمياً، إضافةً إلى 300 ورشة صياغة نشطة. وتتوزع حركة البيع اليومية بحسب المواسم، حيث تُسجّل مبيعات تتراوح بين ثلاثة إلى ستة كيلوغرامات من الذهب المشغول يومياً، وقد ترتفع إلى 13 كيلوغراماً في المناسبات الكبرى. كما تُباع يومياً نحو 400 ليرة ذهبية سورية و100 أونصة ذهبية سورية، ما يعكس استقرار الطلب النسبي على المعدن الأصفر.
تقلبات دولية وراء ارتفاع الأسعار
من جانبه، قال رئيس جمعية الصاغة في دمشق محمود النمر، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن أحد أسباب ارتفاع أسعار الذهب يعود إلى فرض الولايات المتحدة الأميركية رسوماً جمركية على عدد من الدول، ما دفع البنوك الكبرى والشركات العالمية إلى شراء كميات ضخمة من الذهب في خطوة احتياطية في مواجهة ما وصفه بالسياسات الأميركية المتهورة إلى حد كبير.
وأضاف النمر أن السوق السورية تشهد إقبالًا متزايدًا على الشراء، بلغت نسبته نحو 70% مقابل 30% للمبيع، مرجحًا حدوث تراجع طفيف في الأسعار على المدى القصير بسبب عمليات جني أرباح، مع توقّع استمرار الاتجاه التصاعدي على المدى البعيد. كما أكد أن الهدف من القرار الرسمي الأخير هو حماية السوق من الفوضى والتجاوزات، بعد أن رُصدت حالات عديدة من التعامل غير القانوني بالنقد الأجنبي داخل محالّ الذهب، ما يشكّل خرقًا للقوانين ويعرّض السوق لتقلبات غير محسوبة.
مخاوف من سوق موازية
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي محمد الجمعة أن قرار فصل مهنتَي الصياغة والصرافة يحمل جوانب تنظيمية مهمة، لكنه قد يُنتج آثاراً غير مباشرة، لا سيما في غياب البدائل. وقال لـ"العربي الجديد" إن الفصل مطلوب لضبط السوق ومنع التداولات غير الرسمية، خاصة أن الذهب يُستخدم أحيانًا غطاءً لتحويلات نقدية غير قانونية. وأضاف أن حرمان الصاغة من مصدر دخل إضافي، في ظل غياب مراكز خدمات مالية منظمة، قد يدفع بعضهم إلى اللجوء لأساليب غير قانونية، ما يُنذر بنشوء سوق سوداء جديدة. ولذلك، فإن نجاح القرار مرهون بوجود حلول عملية، مثل مراكز مالية مرخصة داخل الأسواق، تسمح للصاغة بالتعاون مع شركات صرافة مرخصة دون خرق للقوانين.

Related News




