الحرب السودانية بين الأمل والسلام
Arab
1 day ago
share

بدأت الأخبار في السودان، فجر الأحد 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تتسرّب عن حدثٍ مهم. كانت البلاد محتقنة عقب انقلاب المجلس العسكري على الحكومة المدنية الانتقالية، تمور الشوارع بالمتظاهرين، وتطلق قوات الأمن و"الدعم السريع" الرصاص عليهم أمام كاميرات الإعلام. العالم يمارس ضغوطاً، ويرفض المجتمع الدولي الاعتراف بالانقلاب العسكري.

رفع الشارع الغاضب "لاءات ثلاثاً"، مستوحاة من لاءات مؤتمر الخرطوم 1967: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل. رفع الشارع شعار "لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية". وجد الشارع الغاضب من الشراكة المدنية العسكرية فرصته لرفض ما وافق عليه السياسيون من قبل، بعد أن ظهر أن المجلس العسكري لا يمكن الثقة به، والعودة إلى شراكة جديدة معه لم تعد مقبولة. لكن فجر ذلك الأحد فاجأ رئيس الوزراء (وقتها)، المعتقل عبد الله حمدوك، الجميع بقبول العمل مع المجلس العسكري والعودة إلى رئاسة الوزراء بعد توقيع اتفاق جديد.

كان الاتفاق يعطي السلطة كلّها للمجلس العسكري، ويحوّل رئيس الوزراء، صاحب الصلاحيات شبه المطلقة في الوثيقة الدستورية، إلى موظّف تنفيذي كبير لدى الجيش. لكن حمدوك حاول التبشير بهذا الاتفاق بشكل عاطفي، فأجاب (لمّا سُئل عن بنود الاتفاق التي تميل لصالح العسكر): فلندع الكلام المكتوب، لنعمل سوياً بنيّاتٍ صافية. كانت محاولة فاشلة من الرجل، هوت بشعبيته إلى الأرض. ومن رفعوا صوره معتقلاً، انقلبوا عليه شاتمين، إذ شعروا بالخذلان.

لم تستمر تجربة اتفاق المجلس العسكري - حمدوك طويلاً. في بداية يناير/ كانون الثاني 2022 تقدّم عبد الله حمدوك باستقالته وغادر البلاد. لم يفشل الاتفاق لرفض الشارع وقوى الحرية والتغيير له فحسب، فكان الاتفاق المرفوض داخلياً مقبولاً لدى المجتمع الدولي، والوسطاء، وحتى بعثة الأمم المتحدة في السودان رحّب رئيسها فولكر بيرتس بالاتفاق، لكن تضافرت على الاتفاق عوامل الرفض الشعبي، ورفض القوى السياسية، وتعثّر تنفيذ بنده الأهم؛ فقد قبل حمدوك بفضّ الشراكة مع "الحرّية والتغيير"، مقابل شراكة جديدة يقودها هو، في حكومة له الحقّ المطلق في اختيار أفرادها، من دون أن يكون ملزماً بترشيحات "الحرية والتغيير". لكن ما وقف أمامه كان رفض حركات دارفور المسلحة، الموقعة على اتفاق سلام جوبا، لتحصل على 25% من حقائب مجلس الوزراء. رفضت الحركات التنازل عن وزاراتها، رغم دعمها الانقلاب، لكنّها أرادت فقط التخلص من "الحرّية والتغيير"، وقال متحدّثهم بصراحة أن فضّ الشراكة مع "الحرية والتغيير" هيّن، لكن الإخلال بحصصهم في السلطة يعني الحرب. أصبح موقف الحركات هو القشّة التي قصمت ظهر الاتفاق، فاستقال حمدوك بعد أن خسر رصيده الشعبي، وذهب المجلس العسكري يبحث عن مرشّح آخر يقبل بالوظيفة التنفيذية وفق صلاحياتها المحدودة. كان رئيس الوزراء السوداني الحالي كامل الطيب إدريس أحد المرشّحين والراغبين، لكن الرفض الشعبي والدولي لانقلاب 25 أكتوبر 2021 لم يسمح بهذا. ثمّ غيرت حرب 15 إبريل/ نيسان 2023 كلّ شيء.

ورغم أن المجلس العسكري عيّن فجأة رئيساً مكلّفاً للوزراء، في 30 إبريل 2025، فإنه لم يؤدّ القسم، ولم يظهر أو يمارس عمله، حتى أعلن المجلس العسكري بعد شهر اختيار كامل إدريس بديلاً لرئيس الوزراء الذي لم يره أحد. أطلق إدريس على حكومته اسم "حكومة الأمل"، بينما يتحرّك في هامش أقل من الذي حاول أن يتحرّك فيه حمدوك في نوفمبر 2021. وبشكل علني، أُجبر على قبول وزراء لم يخترهم، لكنّه لم يفقد "الأمل". ويقود حكومة في وقت حرب، ليس لديها سلطان على الجيش، ولا تملك أن تقرّر في شأن الحرب شيئاً. لكنّه لا يفقد "الأمل".

وفي الجانب الآخر، أطلق تحالف الدعم السريع على حكومته المرتقبة اسم "حكومة السلام"، سلام يريق دماء السودانيين في الجنينة والفاشر وود النورة وغيرها. سلام يستبيح المدن والقرى، ويحوّل عاصمة ضخمة إلى أطلالٍ ومدينة أشباح. سلام يُبشّر به بالاغتصاب الممنهج، والتعذيب، والسرقة.

يحاول تحالف الدعم السريع أن يحاكي تحالف المجلس العسكري، فيغسل يديه من الدماء بتوجيه التهم نحو مجرم آخر. وخلف أسماء لا تحمل من معانيها شيئاً، يتفكّك السودان، ويعاني السودانيون، بين حكومة للأمل وحكومة للسلام، في واقع لا أمل فيه، ولا يبدو السلام قريباً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows