لا تطبيع أبداً ولا سلام سورياً مع الاحتلال
Arab
1 day ago
share

زُرعت الدولة الصهيونية بفعل تدخّل إمبريالي بريطاني، ودعمٍ كامل من الدول الغربية، وورثت الولايات المتحدة دعمها، حينما أصبحت مهيمنة عالمياً. لم يتغيّر الأمر منذ الحرب العالمية الثانية. مشكلة هذه الدولة أنها لا ترى نفسها دولةً طبيعيةً، كما كل دول المنطقة العربية أو إيران أو تركيا. ولأنها كذلك، لم تضع لنفسها حدوداً، فهي شُكّلت من هجرات صهيونية من الغرب أساساً إلى أرض فلسطين والدول المحيطة بفلسطين، وهذا بالضبط ما يمنعها من أن تكون دولةً طبيعيةً، ويمنع شعوب المنطقة من رؤيتها كذلك. إذاً، لا يمكن لشعوب المنطقة، وضمناً السوريين، التطبيع معها، وهذا لا ينفي وجود مجموعات، سورية كذلك، لكنّها تظلّ فئات معزولة.

التطبيع يعني إقامة علاقات اقتصادية وثقافية وسياحية وتعليمية، كما بين أيّ دولة طبيعية وأخرى، وكما هو متوافر في علاقات الدول عالمياً، فهل يمكن للسوريين إقامة تلك العلاقات مع هذه الدولة؟ إذاً هناك، أسباب كثيرة تمنع التطبيع، وليست أسباباً أخلاقية أو دينية. وبالتالي، كلّ حديث عن إمكانية التطبيع بين الشعب السوري ودولة الاحتلال معدوم الموضوع، ومعدوم الإمكانية، وما قد يجري من توافقات أو حتى اتفاقات سلام، سيكون أمراً خاصاً بإدارة دمشق، التي تتحفّظ في الحديث عن الأمر بالقول إنه "سابق لأوانه"، بينما هي إدارة انتقالية، وهشّة، يفرض عليها الاستعانة بالشعب، وطرح أيّ مشاريع تُعرض عليها بخصوص العلاقة مع هذه الدولة، وهي مشاريع استسلامية بالكامل. سيؤمن طرح هذه القضية للشعب وعبر الإعلام لإدارة قوة، وقدرة على المواجهة والرفض، وسيسمح لها بوضع شروطٍ للسلام، تبدأ باستعادة الجولان، وإيقاف أشكال التعدّيات على السوريين كافّة، التي كانت حرباً ضدّ سورية، طاولت بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تدميراً كاملاً للبنية العسكرية، فتقدّمت إسرائيل في مناطق واسعة في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا (قرابة 600 كيلو متر مربّع) واستَحدثت فيها تسعَ قواعد عسكرية، ودمّرت أكثر من 15 منزلاً، وطردت سكّان عديد من القرى، وجرّفت بساتين كثيرة، واعتقلت وقتلت من سكّان تلك المناطق، ولم تتوقّف عن اختراق الأجواء السورية، وفعلت ذلك في أثناء حربها ضدّ إيران، ومستمرّة في التدخّل الجوي، وتحاول فرض منطقة أمنية في جنوب دمشق، وخالية من السلاح.

وعلى خلاف الاتصالات غير المباشرة التي أعلنها الرئيس أحمد الشرع في لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ما كرون، تذهب تقارير إلى أن هناك لقاءات مباشرة، وأن هناك إمكانية للقاء بين نتنياهو والشرع مع ترامب في سبتمبر/ أيلول المقبل في واشنطن، وسيكون موضوع اللقاء التطبيع. وهناك مشاريع تُتداول عن صفقات سلام بين الدولَتين، تتضمّن تخلياً عن الجولان للدولة الصهيونية، وأفضلها تؤكّد العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك لعام 1974، واتفاق جديد، يسمّى عدم الاعتداء، ويعالج قضايا أمنية مستجدّة. يُشاع كلّ هذا الحديث فيما لم تُعلِن الرئاسة استراتيجيةً واضحة تجاه هذه القضية، وتتعامل بشأنها بكثير من البراغماتية، وهذا ما يثير انطباعات سلبية عن موقف الإدارة في دمشق من قضية السلام، والخشية أن تكون المعادلة هي السلام مقابل الاحتفاظ بالسلطة، كما سياسة حافظ الأسد، ولكن هذه المرّة، ترفض دولة الاحتلال تأجيل الإعلان عن اتفاقية سلام لا تبدأ بالتخلّي عن الجولان، بينما كانت توافق على ذلك مع الأسد.

كلّ حديث عن إمكانية التطبيع بين الشعب السوري ودولة الاحتلال معدوم الموضوع، ومعدوم الإمكانية

ينتقد السوريون البحث الدؤوب للسلطة عن الشرعية من الخارج، فانفتاحها تغيب عنه سياسات دولتية محدّدة، وطغيانٌ لمصالح الخارج في هذه العلاقة. كان ترامب واضحاً عند رفع العقوبات؛ يقع على إدارة دمشق السير باتجاه الاتفاقيات الإبراهيمية، وإقامة السلام مع الدولة الصهيونية. مشكلة السوريين في أن سلطة دمشق أعلنت مراراً أنها لا تريد حرباً مع أيّ دولة، تقول هذا رغم ما تقوم به الدولة الصهيونية في سورية، وتعتبر مواقف كهذه خاطئةً طالما تمارس الدولة الأخرى العداء. عكس هذا الطغيان، تتشدّد الإدارة في علاقتها مع الشعب السوري، وتفرض سياسات كاملة على الدولة والمجتمع، متوخّيةً فرض سلطة أحادية وفردية. وبالتالي، تتجاهل الشرعية الداخلية بالكامل، وترفض إشراك الشعب بدءاً من رفض انتخاب مجلس محلّي مستقل إلى تعيين أعضاء مجلس الشعب كافة، في الأشهر المقبلة.

تستغلّ الإدارة الأميركية والصهيونية أوضاع السوريين، وعدم وجود دول فاعلة في الوضع السوري. تتحرّك دول الخليج أو تركيا أو روسيا، وفقاً لسياسة الإدارة الأميركية، والمقصد أن حصصهم مضمونة في سورية، بالتناغم والتوافق معها، وبالتالي لن يكون لها موقفٌ جادٌّ من اتفاقيةٍ للسلام لا تحقّق مصلحة السوريين، وهناك تقارير تذكر أن سورية ولبنان أصبحتا في طور التوقيع على الاتفاقية، بينما ستتأخّر السعودية فيه، غير أن لا شيء مؤكدا أو محسوماً.

ترفض دولة الاحتلال تأجيل الإعلان عن اتفاقية سلام لا تبدأ بالتخلّي عن الجولان، بينما كانت توافق على ذلك مع الأسد

ما الموقف من اتفاقية السلام الممكنة؟ ألا يجب أن يكون للسوريين موقف من ذلك؟... أولاً، التطبيع مع دولة الاحتلال مرفوض. وثانياً، وبخصوص اتفاقية للسلام، يجب أن تكون مشروطةً باستعادة هضبة الجولان المحتلة، وبغياب إمكانية ذلك، ونظراً إلى تمسّك دولة الاحتلال فيه واعتراف ترامب لهم بملكيته في 2019، فإن الممكن الوحيد أمام سلطة دمشق هو التفاوض على العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك 1974 (وهذا ثالثاً). هل بمقدور سلطة دمشق رفض الضغوط الأميركية، سيّما أن الإدارة الأميركية ما تنفكّ تؤكّد ضرورة الوصول إلى اتفاقية سلام أو الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، التي هي أكثر من اتفاقية سلام، هي بجوهرها تطبيع؟ والأسوأ القراءة التي تؤكّد أن رفع العقوبات عن سورية وعن هيئة تحرير الشام مرتبط بالتطبيع.

هناك شبه انغلاق أمام إدارة الرئيس أحمد الشرع بالمناورة تجاه الضغوط الأميركية أو الصهيونية، والمشكلة أن هذه الإدارة تستبعد دور الشعب من المشاركة في السياسة أو في الموقف من الدولة الصهيونية، وهنا خطأها الكبير. ويمكن كسر هذا الانغلاق، باشراك الشعب بالتعبير عن رأيه، ورفضه أيّ اتفاقات لا تنطلق من استعادة الجولان، وحقّ الفلسطينيين بتشكيل دولتهم، وبالتالي، الشعب السوري فقط من يستطيع رفع الضغوط عن إدارة دمشق في هذه القضية الإشكالية. تخطئ الإدارة كثيراً إذا ذهبت نحو صفقة تتعلّق بالسلام أو الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية التطبيعية متجاهلةً حقّ السوريين في جولانهم، وفي رفضهم التطبيع مع دولة غير طبيعية، وتُعرّف نفسها دولةً لليهود فقط. فهل تنفتح إدارة الشرع على إشراك الشعب في النهوض بدولته، وإنقاذ نفسها من توقيعٍ قد ينهيها؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows