
تجمّع العشرات من السوريين، يوم الجمعة، أمام مبنى سينما الكندي في حي الصالحية وسط العاصمة دمشق احتجاجاً على القرار الصادر عن وزارة الأوقاف السورية بفسخ عقد إشغال العقار وتحويله إلى مركز ثقافي. ورفع المحتجون لافتات تندد بالإجراء معتبرين أن الخطوة تُعد "إجهازاً على ما تبقى من الفضاءات الثقافية في دمشق"، وتغوّلاً على المشهد الثقافي لصالح مشاريع إدارية لا تراعي خصوصية المكان ورمزيته.
إشكاليات قانونية وحقوقية
من جانبه، علّق سامر ضيعي، مدير رابطة المحامين السوريين الأحرار، على القرار في حديث لـ"العربي الجديد"، بالقول: "بالنظر إلى ما ورد في كتاب وزارة الأوقاف بخصوص فسخ عقد سينما الكندي وإمهال المستأجرين سبعة أيام فقط لإخلاء العقار وتسليمه، بحجة أن بدل الإيجار السنوي لا يتجاوز 30 دولاراً، فإن هذا القرار يُثير العديد من الإشكاليات القانونية والحقوقية، ويطرح تساؤلات مشروعة حول مدى قانونيته وسلامته الإجرائية".
وأوضح أن العلاقة التعاقدية لا تُقاس فقط بقيمة الإيجار السنوي، بل هناك ما يُعرف في الأعراف السورية بـ"الفروغ"، وهو مبلغ كبير يُدفع من قبل المستأجر في بداية العلاقة التعاقدية لقاء حق إشغال دائم أو طويل الأمد، ما يمنحه مركزاً قانونياً أقوى من مجرد مستأجر بأجرة شهرية. وأضاف: "في هذه الحالة، لا يُعتد فقط بقيمة الإيجار، بل يُعتد بما استُثمر في العقار من وقت ومال وسمعة تجارية، وما استقر عليه من أعراف قانونية واجتماعية تحمي حقوق المنتفعين".
كما اعتبر أن قرار وزارة الأوقاف فسخ العقد من طرف واحد وفرض الإخلاء خلال مهلة سبعة أيام دون صدور حكم قضائي يُعد مخالفة صريحة للقانون السوري، وخصوصاً قانون الإيجارات رقم 20 لعام 2015، الذي ينص صراحة على أن إنهاء العلاقة الإيجارية لا يتم إلا بموجب دعوى قضائية وبعد تحقق شروط قانونية واضحة مثل الهدم أو الضرورة الشخصية أو مخالفة العقد. وأكد أن استخدام الضابطة العدلية للإخلاء الفوري دون المرور بالقضاء يُعد تعديًا على السلطة القضائية، وخرقاً لمبدأ سيادة القانون.
وأضاف: "إعادة النظر في عقارات الأوقاف مسألة مشروعة ومطلوبة، لكن يجب أن تتم وفق القانون والعدالة وحقوق الطرفين. لا يجوز استخدام الوقف ذريعة للإلغاء الفوري لعقود قائمة منذ عقود، خصوصاً إذا كانت تتضمن فروغًا أو استثماراً طويل الأمد". وأشار إلى أن تحويل العقار إلى مركز ثقافي "لا يمنح الإدارة الحق في نزع يد المستأجر دون تعويض عادل وبإجراءات قضائية"، مستنداً إلى المادة 15 من الدستور السوري التي تنص على أن نزع الملكية أو الانتفاع لا يتم إلا للمنفعة العامة وبمقابل عادل، ولا يشمل الفسخ الإداري المجرد أو الطرد دون سند قضائي.
وختم ضيعي تصريحه بالقول: "إن احترام العقود والحقوق المكتسبة هو حجر الأساس لأي بيئة استثمارية مستقرة، وأي انتهاك لهذا المبدأ، حتى وإن تم باسم (المنفعة العامة)، يُهدد الثقة المتبقية بالمؤسسات، ويُحوّل الدولة إلى خصم لا شريك في التنمية". وأكد أن للورثة أو القائمين على العقار الحق في الطعن أمام القضاء الإداري، والمطالبة بوقف تنفيذ القرار بل وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية إن نُفذ القرار خارج إطار القانون.
وتُعد سينما الكندي إحدى أعرق الصالات السينمائية في دمشق، وتقع في حي الصالحية الحيوي وسط العاصمة السورية، على العقار رقم /2285/ وفق المخطط التنظيمي للمنطقة. أنشئت في خمسينيات القرن الماضي، وكانت تُعرف سابقاً باسم "سينما أدونيس"، قبل أن يُغيَّر اسمها إلى "الكندي" تيمناً بالفيلسوف العربي يعقوب بن إسحاق الكندي، في إشارة إلى ارتباط المكان بالثقافة والمعرفة.
وشهدت السينما فترات نشاط فني وثقافي لافت، وكانت من أبرز دور العرض التي احتضنت الأفلام السورية والعربية، كما استخدمت أيضاً لعرض أفلام مهرجانات السينما العالمية التي كانت تُنظمها المؤسسة العامة للسينما في سورية. وتُعرف سينما الكندي بجمهورها النوعي المهتم بالشأن الثقافي والفني، وغالباً ما ارتبطت بعروض السينما النوعية وغير التجارية، ما منحها هوية مميزة داخل المشهد الثقافي الدمشقي.
وتضم السينما قاعة عرض رئيسية مزوّدة بشاشة كبيرة وأنظمة صوت مناسبة، وتتسع لعدة مئات من المشاهدين. كما تحتوي على مقاعد موزعة بين الطابق الأرضي والبلكون، بالإضافة إلى مرافق خدمية ملحقة مثل استراحة ومكتب إداري، وقد خضعت خلال السنوات الماضية لبعض أعمال الصيانة والتحديث.
وكانت وزارة الأوقاف السورية أصدرت، يوم الخميس الماضي، قراراً بفسخ عقد إشغال سينما الكندي مطالبة الورثة والقائمين على العقار بإخلائه خلال سبعة أيام فقط من تاريخ التبليغ، تحت طائلة تنفيذ الإخلاء عن طريق الضابطة العدلية. وجاء في نص القرار الذي يحمل الرقم (2922) /12: "يفسخ عقد سينما الكندي الواقعة على العقار الموصوف بالمحضر رقم 2285 منطقة صالحية جادة، وببدل 30 دولاراً أميركياً سنوياً لمساحة تتجاوز 700 متر مربع. وستقوم مديرية أوقاف دمشق بإعادة تأهيل العقار المذكور أعلاه ليكون مركزاً ثقافياً يشع منه نور المعرفة والعلم على شباب سورية. لذا يطلب إليكم إخلاء العقار وتسليمه خلال (سبعة أيام) من تاريخ تبلغكم هذا الكتاب، وإلا سنضطر لاستخدام الضابطة العدلية للإخلاء الفوري".

Related News

