عانى السوريون، خلال السنوات الماضية، من سلسلة كوارث طبيعية أو مفتعلة متلاحقة: من الزلازل، إلى موجات الجفاف، إلى القصف والتهجير والإذلال، داخل البلاد وخارجها، لكنهم ظفروا أخيرًا بما سعوا من أجله، وتحول كثير من تلك المشاهد المؤلمة إلى ذكريات أو قصص تُروى اليوم.
وهذه الأيام، تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي مختلف التكهنات والاتهامات فيما يخص الحرائق في سوريا. وتتعدد الروايات والقصص، فمنها ما يشير بإصبع الاتهام إلى الفلول ومن لف لفيفهم لأغراض التشويش الإعلامي على ما يمكن وصفه بالتقدم الملحوظ في البلاد، وذلك عشية إطلاق الهوية البصرية لسوريا. ومنهم من يعزوها إلى عوامل طبيعية هيجتها حرارة الصيف.
قريبًا من هذا المشهد، تظهر صور أخرى يُقال إنها لحرائق اندلعت في بعض الجزر النهرية بمحافظة دير الزور. ورغم أن الضرر البيئي في هذه الجزر يُعد محدودًا نسبيًّا نظرًا لقصر دورة حياة محاصيلها مقارنة بالأشجار، فإن توقيت هذه الحرائق وتزامنها مع أحداث مشابهة في مناطق أخرى، يثير الشكوك ويمنح الانطباع بأنها رسائل عبثية تستهدف التشويش على حياة السوريين والنيل من آمالهم التي بدأت تتشكل مجددًا. ورغم أن هذه الكوارث تلقى كالمعتاد استجابة تضامنية محلية، لكن الحرائق المستعرة دفعت دول الجوار للشروع بالمساعدة لإخماد النيران التي أكلت الأخضر واليابس، بكل ما يحمله هذا التعبير من معنى.
ولا تخلو الذاكرة من مشاهد مماثلة، عام 2019 وما قبله من مواسم، حين أكلت الحرائق كثيرًا من محاصيل القمح قبيل حصادها، تحديدًا في أراضي المحافظات الشرقية والجزيرة السورية، وقتها كان أكثر ما يُشاع أنها محاولات النظام البائد تجويع السكان هناك والتضييق عليهم. وذلك لم يكن مستغربًا لأنه يتزامن مع أسلوب التهميش الذي لاقته تلك المحافظات على مختلف المستويات ومنها الجانب البيئي، الأمر الذي جعلها إلى اليوم هشة حتى أمام أبسط المشكلات البيئية مثل موجات الجفاف صيفًا، أو هجمات الصقيع شتاءً التي تحرق الزرع.
تتباين الأزمات على اختلاف أسبابها بين ما هو مفتعل وما هو طبيعي، لكن يبقى الجانب المضيء في المشهد السوري هو وحدة الشعب وتضامن الجميع في تجسيد حقيقي لقيم التكافل والمروءة، ورفضهم العبث والخراب أينما حل.
إن الثمن الذي دفعه السوريون كان باهظًا جدًّا والوعي بهذا الأمر كفيل بتوحيدهم وجمعهم على اختلافهم. فهذا التضامن الشعبي يعيد التذكير بأن ما يجمع السوريين أكبر بكثير مما قد يحاول تفريقهم، وأن هذه الحرائق رغم صعوبتها، ستمر كما مر غيرها، ولن يتبقى في الذاكرة إلا ذكرها.
Related News

