رحيل صاحب "صندوق العجب" الفلسطيني عادل الترتير
Arab
3 days ago
share

توفي الفنان المسرحي والحكواتي الفلسطيني عادل الترتير عن عمر 74 عاماً، الخميس، في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، تاركاً خلفه إرثاً مسرحياً وحكائياً يمتد لأكثر من نصف قرن. وأعلنت عائلة الترتير عن وفاته مؤكدة أن جثمانه سيشيّع ظهر الخميس من الجامع العمري في البلدة القديمة من مدينة رام الله وصولاً إلى مقبرة رام الله الجديدة.

وُلد عادل الترتير في قرية رافات بين القدس ورام الله في 14 أغسطس/ آب 1951 لعائلة هجرت قسراً من مدينة اللد خلال النكبة عام 1948 واستقرت في رام الله، بحسب المتحف الفلسطيني. ويُعد الراحل أحد رواد ومؤسسي الحركة المسرحية الفلسطينية المعاصرة، فهو الفنان المسرحي والحكواتي وصاحب "صندوق العجب" الذي لا يزال حتى اللحظة رمزاً للمسرح الشعبي الفلسطيني.

منذ مطلع السبعينيات وحتى قبل رحيله، ظل الترتير وفيّاً لفكرة أن يكون المسرح مساحةً للجدل والنقد والانتصار لقضايا الناس البسطاء والمنحازين دوماً للحرية والكرامة. في عام 1971، ساهم الفنان الراحل في تأسيس فرقة "بلالين"، ثم أسّس في عام 1975 فرقة "صندوق العجب" لتكون أولَ تجربة مسرحية فلسطينية متفرغة ومحترفة، رفعت شعار "حياتنا المسرح والمسرح حياتنا".

ومن أبرز أعمال عادل الترتير مسرحية المونودراما "راس روس" التي قدمها عام 1980، وتعتبر أوّل مونودراما فلسطينية متكاملة، تولى فيها الترتير بنفسه الكتابة والتصميم والتمثيل والإخراج، ليجسد شخوصها على الخشبة وحيداً، حاملاً في صوته وأدائه كل أوجاع الناس وآمالهم.

تزخر مجموعة الترتير الأرشيفية بمئات الصور وعشرات الوثائق التي تحتفظ بها عائلته والمهتمون بمسيرته، وتشمل صوراً عائلية وأخرى توثق العمل مع فرقتي "بلالين" و"صندوق العجب"، إلى جانب دفاتر ملاحظاته وقصاصات الصحف التي تحدثت عن عروضه، وملصقات إعلانات مسرحياته مثل "سلسلة حكايات أبو العجب" وغيرها من الأعمال التي استمرت عقوداً تجوب مسارح فلسطين وتصل إلى دول عربية أخرى.

واجه عادل الترتير الكثير من التحديات، خاصةً على الصعيد المالي، لكنه ظل مصرّاً على الاستمرار في تجربته برفقة زملائه فرانسوا أبو سالم ومصطفى الكرد وأنيس البرغوثي، إذ قدّموا معاً أوّل إنتاج للفرقة بعنوان "لما انجنينا" متعاونين في كل التفاصيل من الكتابة إلى التمثيل والإنتاج. بعد ذلك، واصل الترتير مع أنيس البرغوثي إنتاج أعمال مسرحية جديدة مثل "تغريبة سعيد بن فضل الله"، ثم عاد لينتج منفرداً مونودراما "راس روس" التي شكّلت علامة فارقة في تاريخه وفي تاريخ المسرح الفلسطيني.

إثر هذه المرحلة المفصلية، أنتج عادل الترتير وفرقته أعمالاً لافتة مثل "من يعلق الجرس"، "الحقيقة"، "الأعمى والأطرش" و"القبعة والنبي"، حيث استلهم نصوص الشهيد الكاتب غسان كنفاني. ورغم الرمزية العالية لبعض الأعمال، اضطر المخرج لإنتاجها مونودراما ليتجاوز محدودية الإمكانيات.

لاحقاً، في أوائل التسعينيات، ومع التغييرات السياسية والاجتماعية التي شهدتها فلسطين، أعاد الترتير ابتكار أدواته، واسترجع الشكل التراثي القديم لصندوق العجب، وأرفقه بشخصية الحكواتي أبو العجب، ليخلق شكلاً مسرحياً جديداً يجمع بين الحكاية الشعبية والعرض المسرحي الجاد، مانحاً خشبة المسرح روحاً قريبة من الناس.

وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية واصل عادل الترتير مع زملائه وتلامذته التجريب والتطوير في هذا الشكل المسرحي، حتى أصبحت لصندوق العجب اليوم أكثر من عشرة أشكال وأصناف فنية، جابت فلسطين كلها وخرجت لتحمل الحكاية الفلسطينية إلى فضاءات عربية أوسع.

آمن عادل الترتير حتى النهاية بأن المسرح ليس مجرد خشبة وعرض، بل مساحة دائمة للجدل والحوار، ومنصة للانحياز التام لقضايا المضطهدين والمهمشين، وبوصلة للتحرر والانعتاق من كل أشكال القهر وعنواناً للأمل. اليوم يودع الفلسطينيون في رام الله فناناً سيبقى حياً في ذاكرة الأجيال المقبلة من خلال إرثه الذي تختزنه خشبات المسارح وحكايات أبو العجب.

وسيظل صوت عادل الترتير حاضراً في كل قاعة مسرح تفتح أبوابها لأصوات الناس وحكاياتهم، وسيظل صندوق العجب مفتوحاً، يحرس الحكاية من النسيان، ويؤكد أن المسرح الفلسطيني، مهما تعثّر، لا يسدل الستارة على حكاية لم تُكمل بعد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows