
يوافق اليوم الذكرى الثامنة لإعلان القوات العراقية مدعومة بالتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة استعادة السيطرة على كامل مدينة الموصل من مسلحي تنظيم داعش، بعد مواجهات عنيفة استمرت تسعة أشهر، من 17/ أكتوبر/ تشرين الأول 2016 إلى 10 يوليو/تموز 2017. ومازال أهالي مدينة الموصل، البالغ عدد سكانها قرابة مليونين ونصف مليون نسمة، يستذكرون المآسي التي شهدوها والخراب الواسع الذي حل بالمدينة.
وعلى الرغم من خلاص السكان من سطوة تنظيم "داعش"، إلا أن منغصات ما بعد ذلك لم تقل قسوة ومأساوية عما قبلها، فآثار الدمار يمكن ملاحظتها في أغلب مناطق الموصل وأزقتها ولاسيما المنطقة القديمة، كما أن المدينة التي تعد ثاني أكبر مدن العراق، ما أن خرجت من سيطرة داعش حتى دخلت تحت سيطرة الفصائل المسلحة. وتشير التقارير والإحصاءات غير الرسمية إلى أن الموصل خسرت خلال حقبة تنظيم داعش والعمليات العسكرية نحو 40 ألف مدني، قضوا جراء القصف الجوي الذي نفذته طائرات التحالف الدولي وقصف القوات العراقية، فضلاً عن الذين قضوا بيد التنظيم
شهادات على نكبة الموصل
وقال سعد الحمداني من مدينة الموصل والذي فقد 11 شخصاً من عائلته، جراء ضربة للتحالف الدولي استهدفت منزلهم في منطقة موصل الجديدة في الجانب الأيمن للمدينة، لـ "العربي الجديد" إن "ذكرى تحرير الموصل تحولت إلى ذكرى أليمة لا يمكن فراقها، وتحولت إلى غصة بعد أن كان الجميع ينتظر الخلاص من هيمنة داعش"، موضحاً أنه فقد اثنين من أشقائه مع جميع أفراد عائلتيهما خلال ضربة جوية نُفذت يوم الـ 17 من آذار 2017 على منازل في منطقة موصل الجديدة.
وأضاف الحمداني أن "القصف طاول العديد من المنازل في وقت متقارب وعلى مدار يومين، ما خلف أكثر من 500 قتيل من المدنيين"، مشيراً إلى أن عائلة واحدة تسكن في أحد الأزقة وتمتلك أكثر من دار تعرضت جميعها للقصف ما تسبب بمقتل 156 شخصاً من العائلة، كما أشار إلى أن عائلة أخرى كان أفرادها مجتمعين في منزل واحد في ذات الحي تعرضوا لقصف أيضاً ما تسبب بمقتل 28 شخصاً، ونوه إلى أن القصف الذي تعرض له كان بواسطة الطائرات الأميركية لأنهم عثروا خلال انتشال الجثث من تحت الأنقاض على بقايا الصواريخ المستخدمة مكتوبا عليها اسم الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المدينة القديمة، حيث آثار الدمار قائمة إلى اليوم، يقول الحاج ليث هاشم أحد سكان منطقة الكوازين إن "غالبية السكان في المنطقة لم يخرجوا أحياء بعد المعركة"، وأوضح في حديثه مع "العربي الجديد" أن "القصف العنيف أدى لتدمير المنازل والمباني في المدينة القديمة ومقتل أصحابها بداخلها". ويؤكد هاشم أن المنطقة القديمة ما تزال تضم كميات من المخلفات الحربية التي يُعثر عليها بشكل شبه يومي، كما أن الجثث ما تزال تحت أنقاض بعض المباني، موضحاً أن فرق الدفاع المدني "ما تزال تنتشل هذه بقايا الهياكل العظمية لتلك الجثث بين الحين والآخر"، وانتقد بشدة تأخر الإعمار في المدينة القديمة وعدم صرف مبالغ التعويضات للمتضررين، الأمر الذي تسبب ببقاء الأبنية المدمرة على وضعها دون إعمار.
تحرك حكومي بطيء
من جانبه، يرى الناشط في مجال منظمات المجتمع المدني ماهر العبيدي أن المشاهد في المنطقة القديمة للموصل لا توحي بأن المعركة انتهت منذ ثماني سنوات وإنما قبل أيام قليلة. وقال العبيدي في حديث مع "العربي الجديد" إن "عدم إعمار المدينة القديمة طيلة الفترة الماضية يعد أمراً معيباً للسلطات المحلية والمركزية"، مبيناً أن أغلب ما حصل من إعمار وإعادة للخدمات نفذته المنظمات الدولية لا الحكومة العراقية.
وأوضح العبيدي أن تأخر ملف التعويضات للأهالي المتضررين فاقم من مشكلة السكان في الموصل، إذ إن بعض الأهالي تدمرت منازلهم وهم الآن يستأجرون منازل أخرى على أمل صرف التعويضات لهم لتمكينهم من إعمار دورهم المدمرة، ونوه إلى أن الذين لديهم القدرة المادية على إعادة إعمار دورهم "لا يقدمون على ذلك بسبب وجود الجثث والمخلفات الحربية تحت أنقاض المباني القريبة من دورهم".
ويقر عضو مجلس محافظة نينوى محمد هريس بوجود تأخير واضح في ملف إعمار المدينة القديمة خلال السنوات الماضية، وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الموصل، لاسيما المدينة القديمة، تعرضت للدمار بنسب كبيرة جداً، وأن الإعمار فيها كان متوقفاً خاصة في السنوات الخمسة الأولى التي أعقبت التحرير"، وأشار إلى أن السلطات الحكومية المحلية والمركزية تحركت مؤخراً وشرعت بحملة واسعة لإعمار المدينة وإعادة الحياة لها، من خلال جملة من المشاريع التي تستهدف مختلف القطاعات ومنها القطاع الصحي والتعلمي والخدمي، إلى جانب دعم ملف التعويضات للمتضررين جراء الحرب. وأوضح هريس أن الموصل تواجه جملة من التحديات، أبرزها مواصلة ملف الإعمار وإنهاء مشكلة النزوح، الذي تحول إلى مشكلة معقدة بسبب مصالح بعض الجهات المتنفذة التي تمنع عودة النازحين إلى مناطقهم.
من "داعش" إلى الفصائل
ويؤكد مدير مركز رصد للدراسات محمد غصوب أن الموصل بعد تحريرها من قبضة داعش تحولت إلى منطقة نفوذ وهيمنة للفصائل المسلحة والأحزاب التي تدعم تلك الفصائل. وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الفرق الواضح ما قبل تحرير الموصل وبعدها هو تحسن أداء الأجهزة الأمنية الرسمية من الجيش والشرطة وبعض الحشود"، إضافة إلى انخفاض عدد "عمليات القتل والاغتيال والتفجيرات التي كانت تُنفذ قبل العام 2014 ويقف خلفها تنظيم داعش وقبله القاعدة"، وأضاف أن "الفرق الآخر الواضح هو تحسن العلاقة بين المواطنين وأجهزة الأمن، بعد أن كانت قبل العام 2014 معدومة بسبب التعامل الطائفي لبعض القادة العسكريين مع أهالي الموصل".
وأشار غصوب إلى أن نينوى بعد التحرير فقدت بوصلتها السياسية، وخضعت لنفوذ الفصائل المسلحة والقوى السياسية التي تدعم تلك الفصائل، وسط عجز كامل من الحكومة الاتحادية على إنهاء هذا النفوذ، وبين أن الدلائل على هيمنة ونفوذ تلك الفصائل كثيرة ومنها منعها البناء على أراضي المواطنين في محيط الموصل، ومنع تنفيذ مشروع حكومي لتوسعة المدينة باتجاه الشرق بسبب رفض أحد الفصائل المسلحة "لواء الشبك"، وكذلك عودة ظاهرة الابتزاز التي تمارسها تلك الفصائل بحق أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين والصناعيين وغيرهم، فضلاً عن أنشطة المكاتب الاقتصادية للفصائل.
وتنتشر داخل المدينة وضواحيها عدد من الفصائل المسلحة على هيئة مكاتب ومقرات وثكنات، أبرزها "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"الإمام علي" و"بابليون" و"حشد الشبك" و"سيد الشهداء"، إلى جانب فصائل مسلحة أصغر نفوذاً منها، وطالبت قوى سياسية عراقية مختلفة بأوقات سابقة من الحكومة إخراجها وترك الملف الأمني للمدينة بيد القوات النظامية.
ملفات عالقة
يحدد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، محمود عزو، مجموعة من الملفات العالقة التي ما تزال تواجه الموصل رغم مرور ثماني سنوات على استعادة السيطرة عليها، وقال في حديث مع "العربي الجديد" إن "الملفات العالقة تتمثل في الكشف عن مصير المختفين قسراً والمفقودين وتصفية إرث النزاعات، التي ترتبت نتيجة هجوم داعش على مناطق الأقليات ما ترك أثراً عميقاً لم يعالج لهذا اليوم ولاسيما في قضاء سنجار، والأمر الآخر هو حسم تعويض المتضررين إذ لم يتم صرف نصف مبالغ التعويضات لغاية الآن".
وعلى المستوى السياسي يشير عزو إلى وجود اشتباكات سياسية وتحول نينوى إلى أرض مفتوحة لمختلف القوى وهذا "لا يعكس طبيعة نينوى بل يعكس طبيعة الصراعات بين قوى المركز والإقليم والقوى السنية والشيعية التي باتت تنعكس في نينوى"، كما أكد أن ملف الفساد الحكومي فاقم من أزمة نينوى وتسببت بتأخر إعمارها، مبيناً أن "الفساد زاد من استنزاف موارد الإعمار، وباعتراف المسؤولين فإن هناك نسباً تدفع من أموال المقاولات للمسؤولين، فيما تواجه بعض الأعمال والمشاريع الاخفاق نتيجة بيع المقاولات لشركات لا تمتلك أدنى المؤهلات".

Related News


