صمت بغداد يغذي التأويلات بشأن هوية منفذي هجمات المسيّرات المجهولة
Arab
3 days ago
share

رغم مرور أكثر من أسبوعين على بدء أولى هجمات المسيّرات والصواريخ التي شهدها العراق في أواخر المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل وخلال الأيام الأولى التي أعقبت وقف إطلاق النار بين الطرفين (اندلعت الحرب بين 13 و24 يونيو/ حزيران الماضي)، وتعهد الحكومة العراقية بإعلان نتائج التحقيق والكشف عن هوية الجهات المتورطة في تلك الهجمات، لم تخرج بعد أي نتائج إلى العلن، ما فتح باب التكهنات والاتهامات واسعاً حيال الطرف الذي يقف خلف العمليات وهدفه منها.

هجمات المسيّرات والصواريخ

وفي فجر 23 يونيو الماضي، استهدفت طائرتان مسيّرتان موقعاً للجيش العراقي في معسكر التاجي، شمالي بغداد، أسفرتا عن تدمير رادار متطور فرنسي الصنع تابع للجيش العراقي، وإلحاق خسائر مادية بمعدات عسكرية عراقية أخرى. الحكومة العراقية أعلنت فتح تحقيق موسّع في الهجوم الذي تمّ تنفيذه بواسطة طائرات مسيّرة وُصفت بأنها "بسيطة الصنع"، في إشارة إلى أنها ذات تقنية غير متقدمة ولم تأت من خارج الحدود العراقية. أعقبت الهجوم بأيام قليلة سلسلة هجمات مماثلة استهدفت مطاري أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق)، وكركوك، وقاعدة بلد الجوية (محافظة صلاح الدين)، ومعسكر التاجي، شمالي بغداد، وقاعدة عين الأسد (الأنبار)، ومصفى بيجي النفطي (صلاح الدين)، ومنازل عدة في كركوك أخطأت الطائرات على ما يبدو هدفها وسقطت فيها، إلى جانب مدرسة داخل مخيم للنازحين في زاخو بضواحي دهوك (كردستان العراق).

تعهدت الحكومة بأن التحقيق يتم على مستوى عال من المسؤولية

هذه الهجمات التي أدّت إلى وقوع إصابات وخسائر مادية تمثلت بتضرر مدرج مطار كركوك واندلاع حرائق في الجزء الغربي منه، إلى جانب خسائر مختلفة بمعدات وممتلكات مواطنين، لم تكشف السلطات عن أي تفاصيل بشأنها حتى الآن، رغم تعهدها بأن التحقيق يتم على مستوى عال من المسؤولية.

من جهته، قال مسؤول عسكري عراقي لـ"العربي الجديد"، إن 11 هجوماً شهدتها المدن العراقية بواسطة طائرات مسيّرة مفخّخة وصواريخ كاتيوشا منذ 23 يونيو الماضي، استهدفت مواقع عسكرية ومدنية وأخرى نفطية. ولفت المسؤول إلى أن "التحقيقات الحالية انتهت إلى جملة من الحقائق، أبرزها أن كل الهجمات نفذت من داخل الأراضي العراقية ولم تأت من خارج الحدود، وأن المهاجمين يملكون قدرة على الاقتراب أو التنقل بين المواقع لتنفيذ العمليات بسهولة، ما يعني أنهم يملكون غطاءً لتنفيذ هذه الهجمات".

ورجّح المسؤول أن "تأخذ التحقيقات في هجمات المسيّرات ربما وقتاً آخر لحين الاكتمال، لكن الحكومة ليست بصدد عدم الإعلان عن النتائج، كما يتم الترويج له". غير أنه تحدث بوضوح عن أنه "لا مصلحة للفصائل بالهجمات أو ضرب الاستقرار الأمني خلال هذه الفترة الحرجة، كما أن المواقع المستهدفة لا تحوي أي مصالح أميركية أو أجنبية بالمطلق". ولم يستبعد وقوف "الاحتلال الإسرائيلي خلف تنفيذ هذه الهجمات لخلق أزمة داخل العراق، بما فيها الهجمات التي استهدفت مواقع في إقليم كردستان"، مضيفاً أنه "بعد تجربة الحرب الإيرانية وإطلاق المسيّرات من داخل إيران من قبل الموساد الإسرائيلي، لم يعد أي سيناريو مستبعداً، وحتى لو كان التنفيذ تمّ بطائرات وصواريخ بدائية، فهذا ليس دليلاً على براءة الاحتلال".

تحقيق بلا نتائج... وإسرائيل متهمة

وتواصلت "العربي الجديد" مع مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي علاوي البنداوي، الذي أوضح أن "الجهات الحكومية شكّلت لجان تحقيق أمنية وعسكرية لمعرفة الجهة التي تقف وراء هجمات المسيّرات وعمليات استهداف مدن عراقية مختلفة بالطيران المسيّر، لكن حتى الآن لم تكتمل نتائج التحقيقات، وهذه مدة طويلة طبعاً من دون إعلان أي شيء"، وفق رأيه. البنداوي اعتبر أن "التأخر في كشف نتائج التحقيق غير مقبول وهذا قد يُفسّر بأن الحكومة لا تستطيع كشف الجهة المتورطة أو أنها تخشى من تلك الجهات ولا تكشف عنها". ولفت إلى أن "البرلمان ومع أول جلساته (يوم الأحد المقبل)، سيعمل على استضافة الجهات الأمنية والعسكرية المختصة لمعرفة ما وصلت إليه التحقيقات"، مشدّداً على وجوب "الكشف عن النتائج"، ومحذراً من أن "ترك الموضوع بلا نتائج أمر خطير للغاية". 

مسؤول عسكري عراقي: حتى لو كان التنفيذ تمّ بطائرات وصواريخ بدائية، فهذا ليس دليلاً على براءة الاحتلال

من جهته، اعتبر الخبير في الشؤون العسكرية سيف رعد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سبب عدم كشف الحكومة عن الجهة التي تقف خلف هجمات المسيّرات والصواريخ، "يمنح تأكيداً آخر أن الحكومة تعرف تلك الجهة، لكنها تتجنب الكشف عنها، لأسباب داخلية وخارجية". وبرأيه، يجري "تسويف موضوع التحقيق وعدم إعلان أي نتائج حتى الساعة"، لافتاً إلى أن "التزام الحكومة بالصمت رغم تكرار تلك الهجمات خلال الأيام القليلة الماضية، يوضح قوة المعطيات القائلة بأن من يقف وراء الهجمات جهة معروفة من قبل الحكومة". وتابع: "لجنة التحقيق قد تضع الحكومة في موقف حرج، حيث إنه في حال الكشف عن أن إسرائيل هي الجهة المسؤولة، فقد يتطلب ذلك استجابة علنية أو عسكرية، وهو أمر قد لا تكون الحكومة مستعدة له سياسياً ولا عسكرياً، كما أن الفصائل المسلحة قد تعارض أي تحقيق يُظهر تورط الموساد الإسرائيلي دون أن يتبعه رد فعل قوي ضده".

في المقابل، اعتبر مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "رغم خطورة هجمات المسيّرات والصواريخ، إلا أن الدولة اختارت الصمت، ورغم الإعلان عن تشكيل لجان تحقيق، إلا أنها لم تتوصل حتى الآن إلى أي نتائج، وإذا ما توصلت، فلن يتم إعلانها بسبب انعدام الشفافية في القضايا الأمنية الحسّاسة، خصوصاً تلك التي ترتبط بالتنظيمات المتحالفة مع الحرس الثوري الإيراني"، وفق رأيه. وأضاف أن "الصمت لا يمكن تفسيره إلا بواحد من ثلاثة أسباب: الأول الخشية من إعلان النتائج لأنها قد تُحرج الدولة أمام الشارع أو تفجّر مواجهة مع أطراف خارجية أو فصائل داخلية، والثاني ضعف القرار الوطني، وفقدان الدولة للقدرة على حماية نفسها أو إعلان موقف مستقل، والثالث أن اللجنة لم تكن يوماً لجنة تحقيق فعلية، بل أداة لتأجيل الانفجار الشعبي، وتسويف القضية حتى تُنسى".

سيف رعد: في حال الكشف عن أن إسرائيل هي الجهة المسؤولة، فقد يتطلب ذلك استجابة علنية أو عسكرية

وجاءت تلك الهجمات والاتهامات بالتزامن مع وقف الحرب الإيرانية الإسرائيلية، في ظلّ ما واجه الحكومة العراقية من اختبار محرج، بسبب اختراق الطيران الإسرائيلي أجواء البلاد، وهو ما يكشف خللاً واضحاً بمنظومة الدفاع الجوي العراقية، وعدم جاهزيتها للتعامل مع أي تطورات أو تهديدات، بينما توجه أطراف سياسية وشعبية في البلاد انتقاداتها لضعف الإجراءات الحكومية في هذا الاتجاه. ووجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 24 يونيو الماضي، بتشكيل لجنة فنية واستخبارية عالية المستوى تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية المعنية كافة، للتحقيق في ملابسات الاعتداء على مقرات عسكرية في بغداد وذي قار وكشف الجهات المنفذة له ومتابعة نتائج التحقيق بشكل كامل، دون أن تعلن أي نتائج حتى الساعة. وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية حينها إن السوداني أمر بتشكيل اللجنة بعد "الاعتداء الغادر والجبان، بمجموعة من الطائرات الانتحارية المسيّرة الصغيرة، والذي استهدف عدداً من المواقع والقواعد العسكرية العراقية، وأدى إلى إحداث أضرار كبيرة بمنظومتي الرادار في معسكر التاجي، وقاعدة الإمام علي في محافظة ذي قار".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows