
بينما كانت منصّة نتفليكس تختتم عامها بجرعة من العنف والدهشة، عاد مسلسل "لعبة الحبار" (Squid Game) في موسمه الثاني ليتصدّر المشهد خلال عطلة أعياد الميلاد، مؤكّداً مكانته كأحد أكثر الأعمال مشاهدة وتصنيفاً. ينتهي هذا الموسم على إيقاع متوتر: محاولة تمرّد يقودها اللاعب جي هون (رقم 456) تنتهي بالفشل، وسقوط عدد من زملائه يرسّخ عبثية المقاومة داخل اللعبة. من هنا، ينطلق الموسم الثالث الذي يبدو وكأن كاتبه ومخرجه هوانغ دونغ هيوك قد صاغه مسبقاً كامتداد مباشر، قبل أن يُفصل العرض لأسباب تسويقية. هذا الفصل الزمني ينعكس على جودة السرد، فيظهر الجزء الثاني أقلّ تماسكاً، مقابل تركيز أوضح ومسار أكثر قتامة في الموسم الجديد، حيث ينزلق البطل تدريجياً نحو العدمية واليأس.
في هذا الموسم، المؤلف لا يضيّع الوقت في استرجاع ما فات، بل ينطلق مباشرة نحو تداعيات الثورة الفاشلة، وصولاً إلى المواجهة الحاسمة بين جي هون ومدير اللعبة المعروف بـ"فرونتمان" (Frontman). أمضى الأخير الموسم السابق متنكراً بين اللاعبين، مراقباً تحركات جي هون، بهدف تقويض أي محاولة جديدة للتمرّد وإقناع البقية بعبثية المقاومة.
تكشف الحلقات الستّ الأخيرة جوهر العمل: في ظل الظروف القاسية، يتحوّل اللاعبون إلى أدوات طيّعة في يد النظام. فبعد فشل محاولة الانقلاب، يُطرح التصويت مجدداً حول استمرار اللعب أو الانسحاب، وتختار الأغلبية مواصلة التحدي رغم كل مشاهد العنف، طمعاً في الجائزة الكبرى. هذه الاستجابة الجماعية تكشف أن منطق "الكلّ لنفسه" بات أقوى من أي دعوة للتضامن. يمضي جي هون هو الآخر في مسار أكثر سوداوية. لم يعد هدفه النجاة أو الانتصار، بل التكفير عن ذنبٍ يثقل ضميره. بينما يستمر "فرونتمان" في إثبات أن الفردية والتفكك هما أدواته الأساسية لإبقاء اللاعبين تحت السيطرة.
المسلسل لا يقدّم جديداً كلياً في نوعه. سبق أن تناولت أعمال مثل "ألعاب الجوع" و"الرجل الراكض" الفكرة نفسها: طبقة حاكمة تستخدم مسابقات دموية كوسيلة لضبط المجتمع، ومنح الناس وهم السيطرة على مصائرهم، بينما الحقيقة أنهم يُدفعون تدريجياً إلى مزيد من العنف والانقسام. جي هون حاول كسر هذه القاعدة في الموسم الثاني، لكنه اصطدم بجدار صلب من الأنانية واليأس. وفي الموسم الثالث، يواصل الانحدار في مواجهة جهاز يتحكم في كل شيء، ويحوّل الفقراء والمنكوبين إلى وسيلة تسلية للنخبة.
يستمر "لعبة الحبار" في تقديم نقد صريح للرأسمالية المتوحشة. الفكرة الأساسية لم تتغير: اللعبة نظام مصغّر للعالم الحقيقي، إذ يُعاقب التضامن، وتُكافأ الفردية. ويبدو أن المؤلف واعٍ لذلك، فيستمر في استعراض المواقف التي تؤكّد استحالة التغيير ضمن نظام قائم على استنزاف الإنسان حتى آخر لحظة.
ومن القضايا التي يلمّح إليها العمل، من دون أن يعالجها بتماسك، مسألة كراهية النساء في المجتمع الكوري. تظهر هذه الإشارة في الخلفية، لكنها تُقدَّم أحياناً ضمن قوالب نمطية، ما يجعل الطرح متردداً وغير مكتمل.
كذلك، بعض الشخصيات التي بدت واعدة في بداياتها تتكشّف سريعاً مع تقدّم الحلقات؛ القوي يتحوّل إلى جبان، والضعيف ينجرف وراء الخوف بدلاً من تجاوزه. يزداد هذا التبدل مع اشتداد وحشية التحديات الجديدة، فيفقد اللاعبون ما تبقى من إنسانيتهم، وعلى رأسهم جي هون، الذي يتحوّل إلى ظلّ لنفسه.
يأتي هذا الموسم بعد ستة أشهر فقط من عرض الموسم الثاني، ما يخلق حالة من التشبع وربما الإرهاق لدى الجمهور. رغم تقديم ألعاب جديدة أكثر فتكاً، تبقى البنية السردية مكررة، ولا يحمل الموسم مفاجآت جوهرية، بل يركّز على حلّ خيوط متبقية، كقضية الضابط المتخفي، والمنشقة الكورية الشمالية بين الحرّاس، والبحث عن "جزيرة اللعبة".
في النهاية، اختُصر كل هذا العالم سابقاً في تسع حلقات بالموسم الأول. حينها، كان عنصر المفاجأة كافياً لمنح "لعبة الحبار" جاذبيته. تمديد القصة إلى 13 حلقة إضافية يهدّد بفقدان هذا البريق، ويورّط المشاهد في نفس العدمية التي تغمر جي هون.
ربما يكون هذا التمديد نفسه تعبيراً عن منطق الرأسمالية الذي ينتقده المسلسل: الاستمرار في استنزاف النجاح إلى أقصى درجة. الأمر لا يتوقف هنا، إذ أثار ظهور النجمة كيت بلانشيت في نهاية الحلقة الأخيرة تكهنات حول إنتاج نسخة أميركية. وإلى أن تؤكَّد أو تُنفى هذه الشائعات، يبدو أن "لعبة الحبار" لم تصل إلى نهايتها بعد.

Related News


