من يُشعل النيران؟ ومن يستلم الرماد؟
Arab
4 days ago
share

في عام 1952، اشتعلت القاهرة. لم يكن مجرّد حريق، بل كان حرقًا للمرحلة الأخيرة من الاستعمار البريطاني، تمهيدًا لتسليم البلاد للعسكر. واليوم، تحترق مصر مجدّدًا. لكنها لا تحترق كمدينة، بل كدولة كاملة: اقتصادها، مصانعها، مؤسّساتها، وحتى أعصابها الرقمية.       

أخيرًا، اشتعل سنترال رمسيس، وهو أحد الأعمدة الحيوية لشبكات الاتصالات والإنترنت في قلب القاهرة. وفي بلد تُمسك فيه السلطة بخيط واحد يمتدّ من الإنترنت إلى البنوك، ومن الأمن السيبراني إلى الاتصالات والمراقبة، فإنّ اشتعال السنترال مرّتين في اليوم نفسه لا يمكن أن يكون حادثًا عاديًا، بل هو بمثابة "حرق مركز الأعصاب" في جسد العاصمة القديمة.     

في رمسيس، احترق عقل العاصمة التكنولوجي، وفي دمياط، احترق مصنع فوم وسط منطقة صناعية كاملة، وقبلهما كان هناك حريق محصول الكتان في أكبر حريقين شهدتهما محافظة الغربية. إذن، في كلّ مكان، تحترق الأسواق، وتُهدم آثار التاريخ تحت زعم "التطوير". وفي كل مكان، يحترق الجنيه، وتحترق الكرامة، وتحترق الدولة.  

في كل مكان، يحترق الجنيه، وتحترق الكرامة، وتحترق الدولة

الحرائق تتصاعد، كأنها رسائل مشفّرة بين أجنحة متصارعة على السلطة في حضرة نظام فقد السيطرة، أو ربما ثمة تمهيد لتسليم السيطرة لمُلّاك جُدد. فهل يسلّم العسكر اليوم الحكم للمحتل الاقتصادي؟ للشركات العابرة، للصناديق الخليجية، للاحتلال الإسرائيلي الذي يضع عينه على ثروات البلاد والمياه والموانئ؟  

نحن لا نعيش حريق نظام فقط، بل ربما احتراق وطن كامل، يُعاد تشكيله ليُدار كفرع من شركة، لا كدولة ذات سيادة. وسؤال اللحظة الآن: ليس من يُشعل النيران، بل من يستعدّ لاستلام الرماد. ولعل من أدرك جوهر هذا المصير مبكّرًا هو الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، حين قال: "سيتركون العاصمةَ القديمةَ لتحترق بأهلها وتندثر ظلمًا وفقرًا ومرضًا، وسيذهبون إلى عاصمتهم الجديدة حتى لا تتأذَّى أعينُهم بكل ذلك الدمار". لم يكن أحمد خالد توفيق يتنبّأ، بل كان يقرأ المستقبل بعين من يعرف أنّ النار لا تشتعل فقط في المباني، بل في القلوب المقهورة، وفي الدولة حين تتعفّن من الداخل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows