
في أحياء الموصل القديمة 450 كيلومترا شمالي بغداد، حيث الكثافة السكانية الأعلى، بدأ نواب في برلمان العراق تنفيذ جولات لهم بين الأهالي الذين يقولون إنهم يرونهم لأول مرة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الماضية. عودة زيارة نواب البرلمان الميدانية للمناطق يتعامل معها أهالي الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، على أنها استغلال وامتهان لعقولهم، بسبب اختفاء أثرهم من المدينة وباقي مدن محافظة نينوى طوال السنوات الأربع الماضية، وعودتهم قبيل الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وتستعد أكثر من عشر قوى سياسية عراقية لخوض الانتخابات في المدينة التي ما زالت آثار الحرب والتدمير بادية عليها رغم مرور أكثر من ثماني سنوات على انتهاء المعارك وطرد مسلحي تنظيم "داعش" منها، لكن لا برنامج مختلفا أو متميزا لأي من تلك القوى، حيث تعتمد على توزيع المساعدات ووعود بإعادة الإعمار ومنح الأهالي التعويضات والكشف عن مصير أبنائهم المغيبين، وبناء مستشفيات جديدة، لكن جميع تلك الوعود سبق أن أُطلقت بالدورتين الانتخابيتين الماضيتين، 2018 و2021. وخلال الأيام الماضية، تداول ناشطون صوراً للعديد من أعضاء البرلمان قال أحدهم إنهم "يظهرون لأول مرة"، فيما كتب آخر "كنّا قد نسينا وجوههم"، وانتقدوا غيابهم طيلة السنوات الماضية، وأكدوا أنهم مستغربون جرأة هؤلاء النواب على القدوم والتحدث بنفس الوعود وبنفس الأسلوب دون تبرير منهم عن سبب اختفائهم ومطالبتهم بانتخابهم مرة أخرى.
سعد عامر، مدير مؤسسة "الميثاق للتنمية والديمقراطية"، إحدى المنظمات الفاعلة في الموصل، يقول إن ظهور النواب مع اقتراب الانتخابات عام 2025 تسبب بموجة سخرية وتهكم مستحقة لدى فئات كبيرة من المجتمع العراقي. وقال عامر في حديث لـ "العربي الجديد" إن "الأمر لا يقتصر على الموصل، بل في كل مدن العراق تقريبا، وظهورهم في وقت الانتخابات يمثل إحدى سلبيات قانون الانتخابات القائم على الدوائر المتعددة، والذي تم اعتماده في انتخابات البرلمان عام 2021، وتتسبب بعزل الممثل عن جمهور معين في رقعة معينة دون بقية المحافظة".
وأوضح أن هؤلاء النواب الغائبين طيلة الفترة الماضية بدأوا بالظهور الإعلامي ومراجعة الدوائر الحكومية لمتابعة ملفات وقضايا مناطقهم فيها في محاولة لكسبهم انتخابيا". وشدد عامر على وجود العديد من الملاحظات على الدعاية الانتخابية المبكرة والتي لم تبدأ رسميا، إذ بدأت بضخ كبير للأموال من جهات سياسية ومسلحة من أجل العمل على شراء ذمم الناخبين واستغلال المحتاجين منهم، إضافة إلى استخدام الخدمات من أجل الكسب الانتخابي وهذا أمر يلغي دور الحكومات المحلية في واجبها في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين، ولفت إلى أن الملاحظ أيضا في التحضيرات للانتخابات المقبلة هو ظهور عدوى عدم التصويت من الناخبين إلا بمقابل مادي، وهو ما يدفع إلى التشكيك في نزاهة العملية الانتخابية ومصداقيتها.
مدير "المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية"، غازي فيصل، حذّر من تأثير المال السياسي على نتائج الانتخابات المقبلة. ويقول فيصل لـ"العربي الجديد": إن "المال السياسي يمكن أن يكون له دور خطر في تغير نتائج الانتخابات، وهذا المال يلعب حاليا دورا مهما في الاستحواذ على السلطة وعلى النفوذ وتغيير اتجاهات البنية، باعتبار أنه يضمن هيمنة الأحزاب التي تمتلك النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي".
أما الباحث في الشأن السياسي غانم العابد، فيرى أن التحضيرات الجارية حاليا للانتخابات ترتكز على التحشيد الطائفي والعشائري واستغلال موارد الدولة في كسب الأصوات ومثال ذلك استخدام الحشد الشعبي والعشائري في ملف الانتخابات. وقال العابد، في حديث لـ"العربي الجديد" إن "جميع بلدان العالم تعتمد الدعاية الانتخابية فيها على البرامج الانتخابية للمرشحين إلا في العراق فإنها تعتمد على الولائم والتقاط الصور واستحضار النخوة العشائرية ومحاولة استمالة الناخبين طائفيا وعشائريا بعيدا عن البرامج الانتخابية المعروفة، وهذا يؤكد أن المرشح في حال فوزه لا يكون ملتزم بأي تعهدات أمام جمهوره في تحقيق البرامج الانتخابية لأنها ليست موجودة من الأساس".
وأضاف العابد أنّ "الظهور المفاجئ لبعض النواب عبر الإعلام مع اقتراب الدعاية الانتخابية أمر طبيعي على اعتبار أن الآلية التي وصل بها النائب إلى البرلمان تكون إما عبر الفزعة العشائرية وهذا يظهر من خلال ترشيح العديد من أبناء زعماء القبائل للانتخابات، أو عبر شراء الأصوات التي وصلت لنحو 300 ألف دينار (ما يعادل 200 دولار أميركي) لكل صوت انتخابي، أو عبر استغلال الوظيفة كما في الحشد العشائري والشعبي الذي يرغم منتسبيه على جلب 15 بطاقة انتخابية لكل مقاتل وإلا يكون مصيره الطرد".
وتوقع العابد أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة، إن جرت في موعدها، متدنية وضعفية لأن الشارع العراقي سئم من شعارات الإصلاح والتغيير، لكنه أشار إلى تأثير المال السياسي والنفوذ الحكومي والمسلح سيدفع نحو مشاركة جزئية في الانتخابات، ورغم ذلك، توقع أن تكون نسبة المقاطعة فيها أكبر من نسبة المقاطعة في الانتخابات الماضية، لاسيما وأنّ التيار الصدري أعلن بشكل صريح عدم المشاركة فيها.

Related News

