
يكشف التحقيق عن تطبيق غير إنساني للسياسة البريطانية - الفرنسية بمنع قوارب المهاجرين من الانتقال عبر القناة الإنكليزية، إذ تستهدفهم قوات الشرطة ضرباً وتنكيلاً، ومن ثم تثقب زوارقهم متجاهلة نداءات استغاثاتهم من الغرق.
- في ليلةٍ باردة من مارس/ آذار 2024، تحوّلت أحلام العشريني السوري جمعة الحسن في الوصول لبريطانيا إلى كابوس مروّع، بعدما انتهت حياته غرقاً في مياه قناة "آ" قرب ساحل مدينة "غرافلين" الفرنسية، أثناء محاولته الفرار من الشرطة التي أوقفته قبل أن يصعد على متن القارب المطاطي.
لم تتوقف المأساة عند حدود ما سبق، ولكن تتعداه إلى ما تلاها من صمتٍ مريب وتقصيرٍ صادم يكشف عنه تحقيق لـ"العربي الجديد" وموقعه الشقيق باللغة الإنكليزية The NewArab وموقع التحقيقات الفرنسي Disclose، فبينما كان رفاق الحسن يصرخون طلباً للنجدة، وقفت قوات الشرطة متفرجةً على الشاطئ القريب، وحتى فرق الإطفاء، اكتفت بعملية بحثٍ هزيلة بعد فوات الأوان.
واليوم، بعد مرور عامٍ كامل، لا تزال التحقيقات القضائية تدور في حلقة مفرغة، تركّز على ملاحقة المهربين وتتجاهل السؤال الأكبر: لماذا تُرك جمعة ليواجه مصيره وحيداً؟ وكيف تغضّ الجهات الرسمية الطرف عن إهمال الشرطة وقصور خدمات الطوارئ؟
لماذا تركته الشرطة يغرق؟
حاول محمد الحسن؛ عمّ جمعة، المقيم في بريطانيا منذ 2016، الظهور ثابتاً أثناء لقائه أحد معدّي التحقيق، لكن الأسى والغضب تسلّلا إلى ملامحه حين قال: "لا أريد سوى فهم لماذا لم تساعد الشرطة ابن أخي؟"، فشهادات سبعة أشخاص حصل عليها معدّو التحقيق، بالإضافة إلى تسجيلات هاتفية من تلك الليلة، تُظهر تسبّب تصرفات الشرطة في الحادثة، بالإضافة إلى امتناعها وفرق الإطفاء عن المساعدة.
كان جُمعة في الخامسة عشرة من عمره عند اندلاع أولى الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، وبعد عامين، فر من مسقط رأسه، حلب، إثر فقدان أحد إخوته بسبب العنف، وانتقل للبنان للعمل، يقول عمه: "كل ما كان يريده هو مساعدة عائلته في سورية"، وفي 2023، غادر جُمعة لبنان للجزائر، ويروي عمّه: "كان شخصًا مبتهجًا، رغم أنه كان يقضي ساعات طويلة يتأمل الأفق وينظر للبحر، يفكر في كل الصعوبات التي واجهها في منفاه". هناك وفي فبراير/شباط 2024، دفع جُمعة 6 آلاف جنيه إسترليني (نحو 7600 دولار في ذلك الوقت) إلى مهرّب لقاء عبور البحر المتوسط والوصول للساحل الإسباني ومن ثم لفرنسا، يقول محمد: "من خلال مجيئه للمملكة المتحدة وانضمامه إليّ، كان جُمعة يأمل في استئناف دراسته"، ومنذ الإعلان عن وفاته، تعيش عائلته في حلب صدمة كبيرة.
توجه الحسن لمدينة كاليه Calais (293 كم شمال باريس) فور علمه باختفاء ابن أخيه، قدّم دعوى مدنية في فرنسا لكشف ملابسات الواقعة غير أنه لم تُفتح أي تحقيقات قضائية بشأن أداء الشرطة أثناء عملية الاعتراض، ولا في تقصير خدمات الإنقاذ، وتُظهر شهادات سبعة أشخاص حصل عليها معدو التحقيق، بالإضافة لتسجيلات هاتفية من تلك الليلة، أن تصرفات الشرطة تسببت في غرق جمعة في القناة وأن لا الشرطة ولا فرق الإطفاء قدّمت له أية مساعدة.
لم يكن أمامه خيار آخر
ليل الحادثة، تحديداً في العاشرة مساء، رصدت دورية شرطة قارباً مطاطياً بقناة "آ" بين بوربورغ وسانت-ماري-كيرك، يقل 30 شخصاً، بينهم السوري بلال (21 عاماً) المقيم حالياً في المملكة المتحدة، يقول بلال لـ"العربي الجديد" إنّ جمعة كان ينتظر القارب مع مجموعة مهاجرين على رصيف المرسى قرب شارع رو دو لا غير (Rue de la Gare) في غرافلين، ولدى دنو القارب ملأت سيارات الشرطة الشارع وأضاءت الضفة بالأضواء الزرقاء.
يروي بلال ومعه رفيقاه منير وناصر أن الضباط تدخلوا لمنع الركاب، العشرة بحسب تاكيد الشرطة، من الصعود للقارب، بينما تقول الشرطة: "بسبب عدائيتهم، اضطرننا لاستخدام الغاز المسيل للدموع عدة مرات"، رغم ذلك، تمكن بعضهم من ركوب القارب وآخرون قفزوا في الماء.
لكن العدائية لم تكن وحدها سبب خشونة تعامل الشرطة، إذ تأتي في سياق تطبيق استراتيجية "إيقاف القوارب" التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك (أكتوبر/ تشرين الأول 2022 - يوليو/ تموز 2024)، لاعتراض القوارب أثناء مغادرتها السواحل الفرنسية، وفي إطار اتفاقيات ثنائية، قدّمت بريطانيا مئات الملايين لدعم الرقابة الفرنسية، تُرجمت بتدخلات عنيفة في نقاط الانطلاق، وهو ما تؤكّده صور تُظهر ثقب الشرطة القوارب بالسكاكين، واستخدام كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع. وقد تطوّرت المواجهة في فبراير/ شباط 2025، بعدما أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو نيّته توسيع صلاحيات الشرطة العسكرية للصعود إلى القوارب ضمن 300 متر من الساحل.
تركز الشرطة على ضبط المهربين ضمن سياسة "إيقاف القوارب"
في تلك الليلة، استخدمت الشرطة العنف، إذ يقول منير إن الضباط طاردوا المهاجرين وضربوهم بالعصي، وكل من اقترب رُش بالغاز، وقد ركض جمعة هارباً، وحين انحنى تحت شجرة وجد الماء أمامه والشرطة خلفه، وبحسب ناصر لم يشأ جمعة القفز، لكن قرب الشرطة منعه من التراجع باتجاه الرصيف ومنعه الوحل من الصعود إلى القارب، ولما استدار محاولاً الرجوع إلى الرصيف رصدته الشرطة وسلّطت عليه ضوءاً ساطعاً "أحال الليل نهاراً"، كما يصف منير المشهد.
أمّا ناصر فيقول: "حين حاول جمعة الصعود مجدداً، رشته الشرطة بالغاز، فاضطر إلى الرجوع نحو الماء"، مضيفاً أن الشرطة لم تتوقف رغم إعطاء جمعة ظهره للقارب، وقد أكّد خمسة ركاب شعورهم بحرق في أعينهم وحناجرهم من جراء كثافة الغاز، ليقفز جمعة أخيراً في الماء بعدما أدرك ألا خيار له، يقول ناصر: "قفز في لحظة يأس"، بينما يؤكّد ستة من الشهود السبعة أنهم شاهدوه يغرق.
لا استجابة
فور رؤيتهم رفيقهم يغرق، نبّه المهاجرون عناصر الشرطة على ضفة القناة، ووفقاً لثلاثة شهود، صرخ أحد الركاب بالإنكليزية: "شاب ألقى بنفسه في الماء وغرق للتوّ". يتذكّر منير أن بعض الضباط سألوهم: "أين هو؟"، فيما يتابع القارب سيره دون تجاوب من الشرطة مع نداءات الاستغاثة. تابع ناصر: "كانوا يمشون على الضفة بشكل موازٍ للقارب، مركزين عليه ومتجاهلين الغريق".
بعد بضع دقائق، وصل القارب إلى مرسى Bassin Vauban، في مدينة غرافلين، وعلق في الوحل، قرر عدد من المهاجرين النزول منه، لكنهم لم يتمكنوا من التحرك بسبب الطين، وقد أقرت شرطة (Préfecture du Nord) بأنه، في لحظة النزول هذه، "اشتكى بعض المهاجرين من أن أحدهم سقط في المياه وغاص تحت السطح"، مؤكدة أنه "تم استدعاء خدمات الطوارئ وتدخلت على الفور".
نورس، سوري آخر وصل المملكة المتحدة كرر ما قاله منير ورفاقه، إذ يقول لـ"العربي الجديد" إنه كان ينتظر القارب على أرصفة مرسى Bassin Vauban مع مجموعة ثانية من المهاجرين، وعندما وصل "أخبرنا منير، عن غرق جُمعة، فتراجعت عن فكرة الصعود"، عاد نورس ليمشى في شارع Rue de la Gare المحاذي للنهر حتى بلغ الحديقة حيث حاول جمعة ركوب القارب، صادف العديد من سيارات الشرطة، وقال بحسرة: "لم يبد على أحد القلق، تحدثت مع رجال الشرطة بالإنكليزية والعربية، قلت لهم صديقي يموت هنا، وأشرت إلى القناة، لكن لم يتفاعل أحد".
ويفيد تقرير دائرة الإطفاء والإنقاذ الإقليمية بأنه في 11:19 مساءً أرسلت فرقة إطفاء مدعمة بغواصين وقارب ومعدات أخرى لانتشال مهاجرين عالقين في الوحل ركّزت عملها عند مرسى باسين فوبو (Bassin Vauban)، ورغم توسلات المهاجرين لم تعمل الفرقة عند الجزء العلوي من القناة حيث غرق جمعة، وبعد نحو ساعة أُهمل نداء آخر، أبلغ به بلال منظمة "يوتوبيا 56" (جمعية فرنسية لدعم النازحين والمشردين) التي تواصلت مع الإسعاف والإطفاء، لكن استجابة الأخيرين كانت ضعيفة كما تكشف تسجيلات المكالمات، وعندما كرّر متطوع يوتوبيا 56 التنبيه إلى احتمال غرق أحد المهاجرين، رد الإطفائي بالتشكيك في وجود "أشخاص يُقال إنهم موتى".
وتواصل "العربي الجديد" مع الشرطة ودائرة الإطفاء والإنقاذ الإقليمية، وواجهتهم بهذه الادعاءات المتعلقة بسوء تصرفهم في عملية الإنقاذ التي كان من الممكن أن تنقذ حياة جمعة الحسن، ولم تتلقَّ أي رد حتى وقت النشر.
تجريد ممنهج للمهاجرين من إنسانيتهم
يعكس الإهمال الذي أظهرته السلطات في مواجهة حالة طوارئ تهدد الحياة تجريد راسخ للمهاجرين من إنسانيتهم أصبح هو القاعدة على الساحل الشمالي الفرنسي، يتجلى ذلك في رفض خدمات الإيواء الطارئ استقبال المهاجرين، وفي الحافلات التي تتوقف دون السماح لهم بالصعود، وفي قرار بلدية كاليه بنثر مئات الصخور الكبيرة في وسط المدينة لردع وجودهم، علاوة على إصدارها لوائح تمنع المنظمات غير الحكومية من توزيع الطعام عليهم في الفترة من 2020 إلى 2022.
غرق 31 مهاجراً بعد تجاهل المركز الإقليمي للإنقاذ استغاثاتهم
ويعد حادث غرق سفينة تقل مهاجرين في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أبرز مثال على المعاملة المخزية التي يتلقاها المهاجرون فلساعات عدّة حاول الركاب الذين يعيشون حالة طوارئ تنبيه المركز الإقليمي للإنقاذ والمراقبة في غريس-نيز (CROSS) (المركز المسؤول عن مراقبة الساحل وإطلاق عمليات الإنقاذ) ومع ذلك، لم يرسل المركز أي سفن لمساعدة القارب، ما أدى لغرق 31 شخصًا.
وفي جلسات المحكمة، قال موظفو المركز إنهم لم يأخذوا هذه الاتصالات على محمل الجد، معتبرين أن المهاجرين "يتصلون ويبكون مدعين تعرضهم للخطر رغم أنه لا يوجد ما يخشونه"، وهو تصريح يعكس ردود فعل السلطات في ليلة غرق جُمعة.
في المقابل، أخبر الشهود "العربي الجديد" كيف أنهم فكروا في تعريض أنفسهم للخطر في محاولة لإنقاذ جمعة أو العثور عليه، يقول ناصر: "عندما رأيت جمعة يختفي في الماء، خلعت سترتي فورًا لأغوص، لكن منير، أمسك بي ومنعني من القفز في الماء حفاظًا على نفسي".
يضيف نورس، وهو سبّاح جيد، إنه لاحظ تقاعس الشرطة عندما وصل إلى المكان بعد ربع ساعة تقريبًا من سقوط جُمعة، فكّر هو الآخر في الدخول إلى الماء للبحث عنه، لكن بعض رجال الشرطة والمهاجرين الذين كانوا برفقته ثنوه عن ذلك.
وبعد منتصف الليل بقليل، أي بعد حوالي ساعة ونصف من غرق جُمعة، قال بلال: "وافق شرطيان فقط على مرافقتي بينما مشينا، لمدة نصف ساعة، المسافة بين رصيف Quai Vauban والرصيف الواقع في شارع Rue de la Gare وأضاف: "استخدموا كشافات يدهم لإضاءة النهر، لكننا لم نعثر على أي أثر لجُمعة بهذه الطريقة".
لا عملية بحث شاملة
حوالي الساعة 1:40 صباحًا، غادرت آخر فرق الإطفاء الموقع، وفقًا لتقرير دائرة الإطفاء والإنقاذ الإقليمية (حكومية) الذي جاء فيه: "تم تنفيذ مسح استطلاعي باستخدام الطائرة المسيرة فوق الهويس وميناء غرافلين وكذلك على طول القناة بأكملها، ولم يُرصد أي أشخاص في الماء".
وبحسب اتصال أجراه معدو التحقيق مع مركز شرطة دنكيرك (Dunkirk) في 8 مارس 2024، فقد تم تنبيه فرقة حوالي الساعة 11 مساءً بشأن "ما يُسمى بمهاجر سقط في الماء"، لكنهم كرروا ما تضمنه التقرير الذي زعم بأنه "لم يكن هناك أي رجل في الماء".
ونفى رجل إطفاء من غرافلين لمعدّي التحقيق وجود بحث دقيق عن جثة محتملة، وقال: "كان البحث ليستمر لو كنا متيقّنين من وجود شخص في الماء"، ولم يغير حالة التجاهل ورفض إجراء عملية بحث شاملة عن الجثة البلاغُ الذي قدّمه عم جمعة في 9 مارس/آذار، ولا إحالة القضية إلى النيابة العامة في دنكيرك بعد ثلاثة أيام، إثر ضغط مجموعة منظمات غير حكومية.
في المقابل تكيل السلطات بمكيال آخر حين تتعلّق الطوارئ بمواطن فرنسي، إذ بعد غرق جمعة بأيام، وفي قرية بيتغام (Pitgam) على بُعد عدة كيلومترات، أدى اختفاء مواطنه خمسينية لفتح تحقيق شامل، ونظّم الدرك عملية بحث لعدة أيام، وأُصدر نداء عامٌ للشهود، حتى ظهور الجثة بعد عشرة أيام.
اللوم على المهربين
بعد 16 يوماً من غرق جمعة عثر أحد المارة صدفةً على جثته طافية فوق مياه القناة. في اليوم نفسه، فتحت المدعية العامة في دنكيرك، شارلوت هويت، تحقيقاً في سبب الوفاة، موضحةً في رسالة إلكترونية أن هدفي التحقيق وهما "التحقق من هوية المتوفى، وتحديد ظروف الوفاة"، تحقق الأول سريعاً، إذ كان جمعة يحمل وثائقه، أما الثاني فتاه في مسار قضائي يلاحق المهربين دون كشف الحقيقة، ففي نوفمبر/تشرين الثاني أفاد مكتب هويت "العربي الجديد" بإحالة القضية إلى المحكمة الإقليمية (JIRS) في ليل، المختصة بالتحقيق في شبكات التهريب، وبأنها أُلحقت بملف ضخم يشمل نحو 20 شخصاً قيد التحقيق، فيما نفى أنطوان شودي محامي العائلة احتواء الملف على "أي شيء خاص" يحمّل الشرطة مسؤولية الوفاة.
يركز الملف على المتهمين بالعمل ضمن شبكة تهريب كبيرة من فرنسا لبريطانيا، وتستخدم الوفيات خلال محاولات العبور، كقضية جمعة، لزيادة الاتهامات، غير أن جلّ المتهمين من المهاجرين ويصفهم شودي بأنهم "أدّوا خدمات بسيطة مقابل تخفيض سعر الرحلة، كتحضير أو قيادة القارب أو توزيع سترات النجاة".
في المملكة المتحدة، حُكم على الشاب السنغالي إبراهيما باه، بالسجن تسع سنوات بتهمة القتل الخطأ في فبراير 2024، كانت جريمته قيادة قارب غرق في القناة الإنجليزية في ديسمبر/كانون الأول 2022، ما تسبب في غرق ما لا يقل عن أربعة أشخاص، وكان الشاب قد قبل الدور مقابل عبوره مجانا، لكنه غيّر رأيه عند ركوب القارب حينما فطن للخطر المحتمل إلا ان منظمي الرحلة هددوه على الشاطئ فتولى القيادة في النهاية.
تبدي شقيقته حساناتو ندمها على ما آل إليه حال إبراهيما لكنها تشعر بالألم لتسميته مهربا واعتباره مذنبا "بينما هو شخص غادر حالة فقر صعبة ليعتني بعائلته، معرّضًا حياته للخطر" متهمة "بعض الأشخاص ذوي النوايا السيئة بإجباره على قيادة القارب".
على الجانب الفرنسي، تسلك العدالة المسار نفسه، فالقارب الذي غرق في 12 أغسطس/آب 2023 ما أسفر عن ستة وفيات وفقدان اثنين، سائقه كان مهاجرًا أيضًا والآن ينتظر محاكمته في سجن قرب باريس منذ ما يقرب من عامين،
يوضح المدعي العام في سانت-أومر (261 كم شمال باريس) مهدي بن بوزيد أنّ قادة القوارب يعتبرون مسؤولين عن الغرق رغم كونهم غالباً مهاجرين يجنّدهم المهربون، وتُفتح تحقيقات عند وقوع ضحايا، لأنهم يتهمون بالقتل الخطأ أو تسهيل الدخول غير القانوني، لكن هذا يتعارض مع المادتين 5 و16 من بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة تهريب المهاجرين اللتين تحظران ملاحقة المهاجرين أنفسهم بقوانين مكافحة التهريب، بحسب ورقة إحاطة صادرة في يوليو 2022 عن شبكة المنظمات غير الحكومية PICUM (منصة أوروبية للتعاون الدولي بشأن المهاجرين غير النظاميين)، بعنوان "تهريب المهاجرين: لماذا نحتاج إلى تحول جذري؟".
في فرنسا، يدفع المهاجرون ثمن تشديد تشريعي، بذريعة مكافحة ما يُسمى "شبكات التهريب"، فبات قانون الهجرة الذي صدر في يناير/كانون الثاني 2024 يسمح لنظام العدالة بمعاقبة الأشخاص المتهمين بالتهريب بشكل أكثر صرامة، وأوضح أنطوان شودي: "في السابق، كان المتهمون بـ'مساعدة الدخول أو تسهيل الإقامة غير القانونية يواجهون لوائح جنحية تعالج الجرائم المتوسطة، ومن الآن فصاعدا يواجهون ظرفين مشددين، هما الجريمة المنظمة وتعريض أجنبي لخطر الموت أو الإصابة، جريمة يُعاقب عليها بالسجن 20 عامًا وغرامة 1.5 مليون يورو (حوالي 1.7 مليون دولار)".
وبحسب المحامي، فإن الإحالة من الإجراءات الجنحية إلى الجنائية يطيل بشكل كبير فترة الاحتجاز قبل المحاكمة المحتملة، رغم أن من يوصفهم القانون بمهربين هم مهاجرون قدموا خدمة لمرة واحدة فقط، واختتم شودي بالقول: "للأسف، نرى أنه في الواقع، قد تتفوق الرغبة في تشديد العقوبات على المتهمين، على تحديد الظروف الدقيقة لوفاة الأشخاص، وتهدئة المجتمع، وإظهار الحقيقة لأجل لمتوفين وأحبائهم.

Related News


