
قبل أكثر من عام، اكتشفت أجزاء من لوحة جدارية كانت مُخبأة تحت طبقات من ورق الجدران والجص والطلاء في قصر عائلة بول سيزان بالقرب من مسقط رأسه؛ مدينة إكس أون بروفانس جنوب شرقي فرنسا والذي سكنته لأربعة عقود، وفيها رسَم الفنان الفرنسي (1839 – 1907) صواري سفن تعلوها أعلام، وفي يمين اللوحة صف من المباني لتعنون لـ"مدخل الميناء"، ويعتقد أنها نفّذت عام 1864. اكتشاف أتى ضمن أعمال التجديد للبناء التي تواصلت حتى يونيو/ حزيران 2025 حيث أعلن عن استقباله للزوّار.
وبالتزامن مع الافتتاح التدريجي للمكان، أطلق متحف غرانيه في المدينة مساء الثامن والعشرين من الشهر الماضي معرضاً بعنوان "سيزان في جاس دو بوفان"، والذي يتواصل حتى الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. عنوان يشير إلى اسم القصر الذي بني على مساحة تزيد على 35 فداناً واشتراه والد الفنان الفرنسي عام 1859 وباعته العائلة سنة 1899.
وخلال العقود الأربعة، رسم سيزان فيه نحو مئة وثلاثين لوحة زيتية ومائية ولوحات جدارية يتضمّنها المعرض الاستعادي، الذي يكشف ارتباطه الوثيق بهذا المنزل كما تبيّنه الأعمال المعروضة التي تناولت أجزاء ومشاهد منه وكذلك الصور الفوتوغرافية التي التقطت آنذاك، والمواد الصحافية الأرشيفية التي تشير مضامينها إلى أن الفنان بدأ بالرسم مباشرة على جدران الصالون الكبير حين انتقل مع عائلته للإقامة في المنزل وهو في العشرين.
تضم احتفالية "سيزان 2025" أربعة معارض في مسقط رأسه
يشاهد الزائر لوحة "لاعبو الورق" التي رسمها سيزان في بداية تسعينيات القرن التاسع عشر كفاتحة لسلسلة لوحات بالألوان الزيتية كانت الأكثر شهرة بين أعماله حتى رحيله عام 1906. وفي هذه اللوحة، يظهر فلاحان من أكس أن بروفانس وهما يركّزان النظر في الأوراق التي رُميت على سطح الطاولة بينما أحدهما يدخّن غليونه. وأعاد الفنان رسم المشهد نفسه في خمسة أعمال بفوارق بسيطة وأحجام مختلفة.
وتُعرض أيضاً لوحة أقدم بعنوان "الفصول الأربعة: الربيع، الصيف، الخريف والشتاء" والتي نفّذت سنة 1960 بالزيت على قماش، حيث تقف امرأة بملابس أنيقة في أجواء ريفية تتكرّر في كل جزء من أجزائها الأربعة الذي يشير إلى أحد الفصول وفق ما شاهدها من قصر العائلة. إلى جانب لوحة "طبيعة صامتة مع الكرز والخوخ" والتي أكملها بحلول 1877 وتعكس براعة سيزان في خلق عمقٍ للعمل عبر استخدام اللون وتوزيع الضوء؛ الأسلوب الذي تأثر به عدد من الفنانين المجايلين وممن أتوا بعده، ويركّز فيه على واقعية المنظر محيّداً أية نزعة رومانسية أو رمزية.
أما لوحة "مدخل الميناء" فهي واحدة من عشر لوحات جدارية اكتشفت في المنزل، ويتوقّع أنها رسمت بين 1859 و1869، وتبرز تأثر سيزان بفنانين فرنسيين عاشوا خلال القرن السابع عشر والثامن عشر، ومنهم كلود رلورين وكلود جوزيف فيرنيه.
تُعرض أعمال فنية وصور فوتوغرافية ومواد صحافية أرشيفية
تعيد احتفالية "سيزان 2025" التي تشتمل على ثلاثة معارض أخرى تنظّمها المدينة إضافة إلى هذا المعرض الرئيسي، تثبيت سيرة الفنان الذي عُمّد "أباً" أو "مرجعاً أساسياً" للفن الحديث، بحسب بيكاسو وماتيس وهنري مور وآخرين. السيرة التي تجعل المكان الذي وُلد فيه سيزان وسكنه معظم فترات حياته فضاء رئيسياً في أغلب لوحاته أو تسرّبت مفردات كثير منه إليها.
وفي قصر جاس دو بوفان تحديداً، جهّز والده مرسماً له في غرفة واسعة بالطابق العلوي تطلّ نافذتها على أشجار وأراض وسماء شكّلت عالمه الفني، ومنها جبل سانت فيكتوار الذي رسمه عشرات المرات بقمته المسطحة التي تميل إلى الرمادي، منذ التحاقه بمدرسة الرسم الحر في مدينته عام 1857. وبعد سنوات ثلاث، بدأ سيزان مغامرة أكبر من خلال الرسم على جدران عدة في منزل عائلته، وكذلك رسم لوحاته التي تناولت الطبيعة في مدينته، والوجوه وأهمها بورتريهات لوالده لويس أوغست سيزان، وعدداً من أصدقائه، وبورتريهات الذاتية التي تصوّره في مسقط رأسه، وكذلك الطبيعة الصامتة (الميتة) وغيرها من المواضيع ملأ بها سيزان دفتره الذي لم يكن يفارق يده طوال حياته. الرسم تمرين حتى يرى جيداً، بحسب عبارته المتواترة.

Related News

