
استلهاماً من تراث طربي تصدرته أسماء مثل سيد درويش وزكريا أحمد وفيلمون وهبي، شقت فرقة "ياماس" طريقها في باريس، حيث يقيم أعضاء الفرقة: عازف العود أحمد بجاوي، وعازف الأكورديون فيكتور فورجيه، وعازف البزق وملحن الفرقة وكاتب أغانيها علي بيضون. ومنذ عام 2014، تقدم "ياماس" التراث الشعبي المشرقي والمتوسطي وفق رؤية عصرية، لتطبع تلك الصيغة أول ألبوم خاص للفرقة "باريز" (Bariz). وللحديث عنه وعن مسيرة "ياماس"، التقت "العربي الجديد" مؤسسها علي بيضون.
لسنوات طويلة ارتبطت الفرقة بالأغنية التراثية، ما الذي قدمته لها "ياماس"؟ وما هي ملامح الأغنية التراثية التي وقع عليها اختياركم؟
"ياماس" هي فرقة متوسطية تأسست عام 2014 لإحياء التراث المشرقي، ومن أجل هذا الغرض ضمت عدداً من الموسيقيين توزعوا بين لبنان وسورية واليونان وفلسطين وتونس، وتوجّه المُنتَج الفني للفرقة إلى إحياء الطرب الشعبي الخاص بدول حوض البحر المتوسط، إذ كنا من أوائل الفرق في باريس التي سعت إلى نشر تراث هذه البلدان وغيرها، مثل مصر وتركيا. في هذا الخصوص، قدمت "ياماس" الأغنية المقامية بإيقاعاتها الشعبية وبطريقة عصرية. كنا قد تأثرنا خلال ذلك بالطرب الشعبي المصري، كما قدمه سيد درويش والشيخ زكريا أحمد، كذلك بموسيقى الرحابنة، واعتنينا أيضاً بالموسيقي اليونانية (الريبيتكو) والتركية. كل هذا جاء في المرحلة الأولى، انتقلنا بعدها إلى إصدار الأغاني الخاصة بنا.
الجمهور الرئيسي للفرقة هو الجمهور الغربي، كيف تغلبتم على عدم استساغته لنغمة الربع تون التي تتميز بها الموسيقى العربية؟
متابعونا ليسوا من الجمهور الغربي فقط، لأن فرنسا تضم جاليات عربية ازداد تعدادها في السنوات العشر الأخيرة. وبالنسبة إلى الجمهور الفرنسي، فهو منفتح على مختلف أنواع الموسيقى، خاصة الطرب الشعبي بإيقاعاته الراقصة المطبوعة بالبهجة، إلى جانب ذلك؛ فإن جزءاً من الأغاني الشرقية التي قدمناها لم تحتو نغماتها على الربع تون.
ما الذي حرضكم على خطوة إصدار ألبوم خاص؟
منذ عام 2014، تلتزم الفرقة بتقديم الأغاني التراثية المشرقية والمتوسطية. ورغم أنني ألحن وأكتب الأغاني منذ زمن، لكن لم نُصدر أي أغنية خاصة بالفرقة حتى عام 2019، حين ارتأينا إطلاق أول أغانينا "آه يا حبيبي"، وهي من بين أغاني الألبوم الجديد، ولاقت وقتها قبولاً وإشادة، فلم تخرج بطبيعة الحال عن الإطار الذي اشتهرنا به، إذ اعتمدت على أسلوب الطرب الشعبي، وإن مزجت معه موسيقى الراب التي افتتحت بها الأغنية. أما الكلمات، فانصرفت إلى النقد الاجتماعي، وهذا نهج يُعرفنا على رؤية الفرقة الموسيقية، فالعصرية، انطلاقاً من الموروث، شرط رئيسي في ما نقدمه، إن كان في التوزيع الموسيقي أو معالجة الكلمات أو الارتجالات.
ما هي الرؤية الموسيقية له؟
بعدما توالى طرح أغانينا الخاصة بحفلاتنا واحتفاء الجمهور بها، قررنا أن نؤرخ لتلك الأغاني، فالتسجيل نوع من التأريخ، لذلك شرعنا في إنتاج ألبوم "باريز"، إذ استغرق إعداده ثلاث سنوات، وقد حافظنا في مشروعنا على النغم الشرقي الطربي الأصيل، الذي يعتمد الانتقالات المقامية، وإن ببصمة عصرية، وساعدنا في إخراجه على تلك الهيئة مهندس الصوت وعازف الباص غيتار عمر حرب من خلال توزيعه أغاني الألبوم، وكذلك عازف الإيقاع يوسف حبيش، آملين أن نستكمل بذلك درباً مهّده أمثال زكريا أحمد وفيلمون وهبي وزياد الرحباني وغيرهم.
"باريز" هو اسم الألبوم. ما الذي قدمته لكم من معان ضمنتموها في مشروعكم الجديد؟
تسميتنا للألبوم باسم العاصمة الفرنسية هو نوع من التحية نقدمه للمدينة التي تحتضن مشروعنا ونقيم فيها جميعاً، أنا شخصياً أسكن في باريس منذ 25 عاماً، ولا أنكر فضلها، فقد ساهمت كثيراً في تطوري الموسيقي. هنا، تعرفت إلى موسيقيين من شتى الثقافات والمشارب والتحقت بالعديد من الفرق و المشاريع الموسيقية التي أثرت بطبيعة الحال في تكويني الفني. أما أغنية "باريز" فتعالج ازدواجية العلاقة بين المغترب والعاصمة الأوروبية. هي كمدينة كوزمبوليتانية تتيح لك التعرف إلى أناس من مختلف الثقافات. لكن في الوقت نفسه هي مدينة قاسية في علاقتها بالإنسان، فإن لم يقاتل بها من أجل تحقيق أهدافه سيكون مجرد رقم.
جمعتم في فرقة "ياماس" بين العود، والبزق. كيف جاء الحوار بينهما؟
أؤمن أن التوزيع الموسيقي الجيد يستطيع أن يضع الآلتين في حالة تكامل، العود آلة ذات مدى واسع، تنتقل من الغليظ إلى الرفيع بسلاسة، فمساحة السلالم الموسيقية فيها أوسع، أما البزق فهو آلة محدودة نسبياً (سُلمان موسيقيان)، مع ذلك يمكن أن تؤدي النغم الشرقي، إذ استعملها مثلاً عاصي الرحباني في الكثير من أغاني فيروز، وإن اشتهرت أكثر لدى البدو والغجر، كذلك هي آلة أساسية في كل من الموسيقي الكردية والتركية. وبالنسبة لي، كما ألحن على البزق ألحن أيضاً على العود، لذلك أرى أن هناك تكاملاً بين الآلتين يحققه نوعاً من التوازن، فحين يرافق البزق الأغنية يمكن للعود أن يلعب دوراً إيقاعياً، وعندما يتقدم العود يجوز للبزق أن يصمت قليلاً، وفي أحيان أخرى، نستعين بالنغم الطبقات الغليظة للعود على الطبقات الرفيعة للبزق.
مع ذلك، أتصور أنه وإن كان لكل منهما أسلوبه الخاص، لكن الخروج عليه جائز، ففي أغنية "أمان" استعملنا البزق لمرافقة الأكورديون بصورة تشبه طريقة عمل الماندولين في الرش أو الفرداش، بمعنى أننا لم نستعمله استعمالاً تقليدياً، بل طوعناه بحسب ما يتطلبه اللحن المؤدى.
كيف تعالجون جانب الإنتاج؟
لن أخفي عليك أننا مولنا إصدار الألبوم من ريع الحفلات، فمن الصعب العثور على منتج يهتم باللون الطربي الذي نقدمه، ويمكن أن أعترف أيضاً أن جمهوره محدود، فدائرة المتحمسين لهذا اللون الموسيقي ضيقة، في ظل سيادة الأغنية الخفيفة واقتصار اهتمام الجهات الإنتاجية على تلك الأغنية، لهذا نعوض هذا الجانب من خلال حماسة أعضاء الفرقة لمشروعنا الفني.
إلى ماذا تتطلعون خلال الفترة المقبلة؟
سنعمل أولاً على تسويق الألبوم، كما سنشرع في إنتاج إصداراتنا الجديدة، فلدينا عشرات الأغاني الجاهزة، وسنكثف أيضاً مشاركاتنا في المهرجانات المختلفة، حتى يصل صوتنا إلى أكبر عدد ممكن سواء في العالم العربي أو هنا في أوروبا.

Related News


