
تشهد كرة القدم الجزائرية توجهاً جديداً ومتصاعداً نحو المدرسة التدريبية الألمانية، التي أصبحت رائدة عالمياً في هذا المجال، بفضل ما حققه مدربوها من نجاحات مبهرة مع كبار الأندية الأوروبية، خلال السنوات الماضية.
وبعد أن كانت الأندية الجزائرية تُراهن في الغالب على المدربين المحليين، ثم التونسيين بكونهم خياراً مفضّلاً في المواسم الماضية، مثلما كان عليه الحال مع بطل الدوري، مولودية الجزائر، الذي تُوّج بلقب الموسم المنتهي تحت قيادة التونسي خالد بن يحيى (65 عاماً)، واتحاد العاصمة، الذي بدأ الموسم مع نبيل معلول (62 عاماً)، ومرور نبيل الكوكي (55 عاماً) مع وفاق سطيف، وراضي الجعايدي (49 عاماً) مع نادي بارادو، بدأت البوصلة الفنية تتحول بهدوء إلى خيار ألماني خالص، أو على الأقل من تأثر بهذه المدرسة.
وتأتي هذه التطورات بعد إعلان نادي وفاق سطيف، أحد أكبر الأندية الجزائرية، تعاقده مع المدرب الألماني، أنطوان هاي (54 عاماً)، الذي أُوكلت إليه مهمة إعادة "النسر الأسود" إلى سكة الألقاب، بعدما تقهقر أداء الفريق في المواسم الأخيرة، إذ يتمتع هذا المدرب بسيرة تدريبية حافلة ومتنوعة، بعدما أشرف على منتخبات في آسيا وأفريقيا، على غرار ميانمار ورواندا وكينيا وليبيريا وغامبيا وليسوتو. كذلك درّب المريخ السوداني والاتحاد المنستيري التونسي، وسبق له شغل مناصب إدارية في البحرين وليبيا. وخاض هاي لاعباً، تجارب في أندية بارزة، مثل شالكه وفورتونا دوسلدورف الألمانيين، وبرمنغهام سيتي الإنكليزي، وهو ما يعكس الخلفية الأوروبية الغنية التي يحملها.
وفي السياق ذاته، سارت إدارة شباب قسنطينة على الدرب نفسه، حين فتحت باب التفاوض مع المدرب الألماني وصاحب الأصول الكرواتية، توميسلاف ستيبيتش (48 عاماً)، الذي كان قد أبدى استعداداً كبيراً لتخفيض شروطه المالية، في سبيل خوض تجربة تدريبية جديدة. لكن ضغط الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي دفع إدارة "السنافر" إلى التراجع عن الصفقة، واللجوء إلى خيار آخر من أوروبا الشرقية، عبر التعاقد مع البوسني روسمير سيفكو (53 عاماً)، الحامل للجنسية البلجيكية، والذي يُراهن عليه لتقديم الإضافة في الموسم المقبل. هذا الخيار يُعيد إلى الأذهان النهج الذي سلكه الاتحاد الجزائري لكرة القدم، حين تعاقد مع البوسني فلاديمير بيتكوفيتش (61 عاماً) لقيادة "الخُضر"، بعد سنوات من غياب أبناء مدرسة البلقان عن الساحة الكروية الجزائرية، منذ رحيل وحيد حاليلوزيتش (72 عاماً)، صانع ملحمة كأس العالم 2014.
ويبدو أن نجاح بعض الأسماء الألمانية، أو الذين احتكوا بهذه المدرسة، كان له وقع كبير على قرارات الأندية الجزائرية، وخصوصاً تجربة المدرب جوزيف زينباور (55 عاماً) مع شبيبة القبائل، الذي أنقذ الفريق من موسم كارثي ورفعه إلى المركز الثاني، مهدياً إليه بطاقة العودة إلى دوري أبطال أفريقيا. كذلك نال المدرب الألماني وصاحب الأصول الصربية، سعد راموفيتش (46 عاماً)، ثقة إدارة شباب بلوزداد، التي جددت عقده حتى عام 2028، رغم خروجه من الموسم بلا ألقاب، وهو ما يُعكس الرضا عن عمله الاحترافي. وتجدر الإشارة إلى أن الأندية الجزائرية تلقت خلال الأشهر الماضية عدة سير ذاتية لمدربين ألمان، وهو ما يعزز فرضية رؤية المزيد منهم في البطولة، خلال الموسم المقبل.
ولا يشمل هذا التحوّل وفاق سطيف وشباب قسنطينة فقط، بل يتسع ليشمل أندية أخرى تبحث عن مدربين جدد، على غرار البطل مولودية الجزائر، الذي لم يُجدد عقد مدربه التونسي خالد بن يحيى، وفتح باب المفاوضات مع عدة مدربين، من بينهم المدرب السابق للأهلي المصري، السويسري مارسيل كولر (64 عاماً)، صاحب التجربة الطويلة في الدوري الألماني مع بوخوم وكولن، رغم أن آخر المعطيات التي تحصّل عليها "العربي الجديد" تشير إلى أن المدرب السابق للوداد المغربي، الجنوب الأفريقي رولاني موكوينا (38 عاماً)، يعد الأقرب لتولي زمام الأمور. كذلك يدرس اتحاد العاصمة عدة ملفات، بينها مدربون من ألمانيا وأوروبا الشرقية، بعد انتهاء مهمة المدرب المؤقت، محمد لاسات (58 عاماً)، الذي قاد الفريق إلى التتويج بكأس الجزائر.
ويبقى السؤال مطروحاً في ظل هذه المعطيات: هل هذا التوجّه صوب المدرسة الألمانية جاء بناءً على دراسة واقتناع حقيقي من مسؤولي الأندية الجزائرية، أم أنه مجرد ردّة فعل على فشل الخيارات السابقة، ومحاولة تقليد بعض التجارب الناجحة؟ وما يزيد من هذا الجدل أن عامل اللغة لم يعد عائقاً أمام استقدام مدربين أجانب، خصوصاً مع توفر المترجمين واللاعبين مزدوجي الجنسية، ما جعل الكفاءة والخبرة أهم من عامل التواصل اللغوي، الذي كان في السابق سبباً في ترجيح كفة المدرسة الفرنسية أو البلجيكية، على حساب المدارس التدريبية الأخرى.

Related News

