
خرج الموفد الأميركي توماس برّاك، أمس الاثنين، من لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين بإيجابية غير معهودة، مع إشادة لافتة بإنجاز الردّ على المقترح في وقت سريع، مخفّفاً بذلك الكثير من الهواجس التي كانت أحاطت باللبنانيين حول عودة الحرب في حال لم ينل الجواب رضى الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل، خصوصاً أنّ الأجواء السياسية أوحت بوجود خلافات وتباينات حادّة على خطّي الرؤساء وحزب الله قبيل ساعات من الزيارة.
ومن سدّة الرئاسة الأولى، أعرب برّاك عن امتنانٍ أميركي بسرعة الردّ والأفكار الكثيرة التي شملها الجواب اللبناني، وبطريقة دبلوماسية نأى من خلالها عن تدخل الولايات المتحدة بالشؤون اللبنانية، باعتبار التعامل مع حزب الله وسلاحه مسألة داخلية على اللبنانيين حلّها، وأوصل الرسائل الأساسية المبطّنة، بتداعيات عدم إنهاء الملف، منها التخلّف عن ركوب موجة التغيير، وعدم عودة لبنان جوهرة المتوسط، لكنّه بعث الرؤية الأهم حول دور يمكن أن يلعبه حزب الله مستقبلاً كحزب سياسي، مركزاً على تحدّي السلام المرتقب.
ولم يقفل برّاك الباب أمام سيناريو عودة الحرب، كما لم يعطِ ضمانات أميركية بشأن إبعاد هذا الاحتمال أو وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ما يترك التساؤلات قائمة والخشية موجودة بانتظار تعليق الولايات المتحدة النهائي على الجواب اللبناني بعدما أدخلت تعديلات عليه، وكذلك موقف إسرائيل منه، التي بدورها واكبت أمس زيارة الموفد الأميركي، من خلال طيرانها الذي لم يفارق أجواء بيروت، والمقارّ الرسمية، قبل أن تنفذ جملة اعتداءات مساءً في الجنوب، أسفرت عن سقوط شهيدَين. كذلك ألقت محلقة إسرائيلية قنبلة على بلدة الضهيرة جنوبي لبنان، وسط تسجيل تحليق لطيران الاحتلال في الأجواء اللبنانية. وأعلن الجيش اللبناني أمس، عن توقيف مواطن كان بين المسلحين الذين ظهروا في مسيرة في منطقة زقاق البلاط في بيروت يوم السبت، وضبط مسدس حربي كان في حوزته.
وبالتزامن مع الجو الإيجابي الذي خرج من قصر بعبدا الجمهوري، برزت مواقف داخلية معارضة، من حزب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، الذي عاد واجتمع ليلاً مع المبعوث الأميركي، اعتبرت الموقف المعطى من الرؤساء غير دستوري والمطلوب دعوة مجلس الوزراء لاتخاذ الموقف الدستوري الرسمي، مع تهديد بتقديم الاستقالة من الحكومة ربطاً بكيفية تصرّفها مع سلاح حزب الله.
في الإطار، تقول مصادر رسمية لبنانية لـ"العربي الجديد"، إنّ "لبنان ينظر بإيجابية إلى ردّ الفعل الأميركي الأول، ويترقب التعليق على الجواب بعد درسه، والذي قد يحمله معه برّاك في زيارة ثالثة قريبة إلى بيروت". وحول التعديلات الجديدة التي أدخلها لبنان على جوابه عشية وصول برّاك بعدما كانت الأجواء جدّاً سلبية، قالت المصادر إن "الرؤساء حرصوا على إزالة كل التباينات والتوافق حول النقاط الأساسية قبل تقديم الردّ، لذلك بقيت الاجتماعات مفتوحة والاتصالات قائمة حتى صباح الاثنين، الأمر الذي قلب المشهد"، لافتة إلى أنّ "المسألة ليست بتعديلات، بل أكثر بعرض الهواجس اللبنانية والموجودة لدى حزب الله، وضرورة الحصول على ضمانات، مع تأكيد على التزام الدولة بحصر السلاح بيدها، وتعزيز دور الجيش اللبناني".
وأضافت "لبنان ركّز في معرض ردّه على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية، وقف الاعتداءات بما في ذلك الخروقات الجوية، وتسليم الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، في مقابل العمل على حصر السلاح بيد الدولة وبسط سلطة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على أراضيها واستعادة قرار الحرب والسلم، مع طلب دعم الجيش اللبناني ليقوم بمهامه، هذه العناوين العريضة، وننتظر الردّ الأميركي".
وأشارت المصادر إلى أن "الجواب اللبناني لم يحمل أي تعهد من حزب الله بشأن تسليم سلاحه، لكن في المقابل، كان هناك تأكيد منه للرؤساء بأنه لا يريد الدخول بأي حرب، وبأنّ مسألة السلاح شأن داخلي، لا يمكن وضعه تحت الضغوط والإملاءات والمهل الأميركية، كما أنّه لا داع لأي اتفاق جديد، فهناك اتفاق عقد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خرقته إسرائيل، وعليها الالتزام به، وبألا ثقة بأن العدو لن يخرق أساساً أي اتفاق جديد ممكن أن يجري التوصل إليه، من هنا يريد ضمانات بشأن وقف الاعتداءات والانسحاب الكامل من لبنان"، ولفتت المصادر إلى أن "برّاك لم يعطِ ضمانات حالية بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، لكن لبنان طلب تكثيف الضغط على إسرائيل لالتزامها باتفاق وقف إطلاق النار، ولجم خروقاتها".
من جهته، قال مصدر نيابي في حزب الله لـ"العربي الجديد"، إنّ "مواقف برّاك شكلت ضربة لبعض الأحزاب في الداخل اللبناني، التي تريد الحرب من أجل القضاء على حزب الله، وتعمل على التهويل اليومي لتقليب الناس ضد الحزب"، لافتاً إلى أن "الحزب ينظر بإيجابية إلى الأجواء، لكن لا ثقة بالأميركيين خصوصاً أنهم يدعمون إسرائيل ويقفون في صفّها ومنحازون لها، كما لا ثقة بالإسرائيليين الذين يواصلون يومياً خروقاتهم واعتداءاتهم، من هنا ننتظر ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة، فلبنان أكد ثوابته، وحزب الله من جانبه شدّد على رفض أي ضغوطات أو إملاءات، وأعلن استعداده للسلم وبناء البلد كما المواجهة والدفاع عنه".

Related News


