الوساطة الصينية بين أفغانستان وباكستان تتآكل
Arab
5 days ago
share

لم يدم طويلاً منسوب التفاؤل لدى باكستان، من إمكانية أن تؤتي الوساطة الصينية بينها وبين حركة طالبان في كابول ثمارها. جهود هذه الوساطة بين أفغانستان وباكستان التي قد تكون من مصلحة الأطراف الثلاثة، كما تعتبر بكين، لم تحسّن العلاقات بين إسلام أباد وطالبان الحاكمة في أفغانستان، وسط شكوك متبادلة تتصاعد بين الطرفين، ويعزّزها عنف طالبان الباكستانية.

ومنذ أشهر عدة، تحاول الصين أداء دور حيوي، بهدف تحسين العلاقات بين أفغانستان وباكستان المتجاورتين، نظراً لما لها من مصالح في كلا البلدين، وقد كثّفت جهودها في هذا الإطار بعد جولة التصعيد العسكري بين الهند وباكستان في شهر مايو/أيار الماضي، علماً أن باكستان التي كانت قلقة من أي تقارب بين كابول ونيودلهي، طلبت بنفسها من الصين الوساطة بينها وبين أفغانستان.

بناء على ذلك، انعقد اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية الدول الثلاث، الباكستاني محمد إسحق دار، والأفغاني الملا أمير خان متقي، والصيني وانغ يي، في 21 مايو الماضي (وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دخل حيّز التنفيذ في 10 مايو الماضي، بعد أيام معدودة من التصعيد العسكري الواسع)، وتمّ التوافق على تعزيز الثقة بين أفغانستان وباكستان ومواصلة الجهود من أجل تعزيز التعاون في جميع المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، علاوة على تفعيل المباحثات الثلاثية بين الدولتين.

حمزة أمير: تسعى طالبان للقول إنها تعمل ضد طالبان الباكستانية، ولكن الأخيرة موجودة وباقية رغم إجراءاتها

حينها، اعتبر وزير الخارجية الباكستاني، وهو نائب رئيس الوزراء شهباز شريف أيضاً، التطور غير مسبوق، وأن الأمور تغيّرت كثيراً بين أفغانستان وباكستان منذ اللقاء، موضحاً أن أفغانستان بدت مستعدة للتعاون مع بلاده في كل الملفات، بما فيها ملف طالبان الباكستانية والمساعدة في إنهاء حالة التوتر السائدة في شمال غرب وجنوب باكستان. كما أمل بعض المسؤولين وكثير من الإعلاميين المقرّبين من الجيش الباكستاني والحزب الحاكم (الرابطة الإسلامية)، في تصريحات لهم، بأن تتبدل الأحوال، معتبرين الوساطة الصينية بين أفغانستان وباكستان فاعلة ومثمرة، وأنه بفضلها بدأت نهاية طالبان الباكستانية، وذلك بعدما وعدت طالبان الأفغانية بالقضاء عليها.

إجراءات تنعش الآمال

وفي تحوّل لافت في الجانب الأفغاني، اعتقلت السلطات الأفغانية نحو 100 من عناصر "طالبان" الباكستانية وقياداتها، بحسب زعم مسؤولين في باكستان، والمعتقلون كانوا موجودين في المخيمات التي يعيش فيها اللاجئون من وزيرستان الباكستانية في جنوب أفغانستان. لم تتحدّث السلطات في كابول عن الأمر، لكن في باكستان، اعتبرت الجهات الرسمية وغير الرسمية تلك الاعتقالات "خطوة مهمة". كما أكّد إعلاميون باكستانيون أن من بين المعتقلين، قيادات من الصفين الأول والثاني في طالبان الباكستانية. لكن لاحقاً تبين أنهم لاجئون وقد تمّ الإفراج عن عدد كبير منهم.

أيضاً، لوحظ انخفاض في أعمال العنف في باكستان، وهو ما أعطى بارقة أمل للباكستانيين بشأن العلاقة بين أفغانستان وباكستان وبأن الوضع يتحسّن. وتكريساً لجو التهدئة، أوقفت إسلام أباد الحملات ضد اللاجئين الأفغان، وهو ما كان يُعدّ من أبرز مطالب حكومة طالبان، قبل أن يعود التوتر بين أفغانستان وباكستان من جديد.

انتكس الوضع الأمني في باكستان بشكل لافت بين زيارة قائد الجيش لواشنطن ولقائه ترامب

يرى المحلل السياسي الباكستاني حمزة أمير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن طالبان الأفغانية لن تقوم بأي عمل أو تحرك ضد طالبان الباكستانية، وكل ما حصل هو بمثابة ذرّ الرماد في عيون الباكستانيين. ويعتبر أمير، في هذا الصدد، أن طالبان الباكستانية ليست إلا جزءاً من طالبان الأفغانية، وأكبر قوة تدافع عن مصالح كابول في الوقت الحالي. من هنا، برأيه، فإن كل ما حصل في أفغانستان، ورحّبت به باكستان، مثل نشر فتوى لزعيم طالبان الملا هيبة الله أخوند طلب فيها من الشباب الأفغان ألا يشاركوا في أي حرب خارج أفغانستان، وكذلك اعتقال بعض سكّان وزيرستان من اللاجئين في أفغانستان، ليس إلا خطوات تسعى من ورائها طالبان للقول لبكين وإسلام أباد إنها تعمل ضد طالبان الباكستانية، ولكن الأخيرة موجودة وباقية رغم إجراءاتها. ولكن الحقيقة، وفق أمير، هي خلاف ذلك، لافتاً إلى أن كابول تُصر على التفاوض بين إسلام أباد وطالبان الباكستانية، وتريد من الحكومة الباكستانية تقديم تنازلات للحركة الباكستانية، وهو ما ترفضه إسلام أباد.

وثمّة من يرى أنه بعد زيارة قائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير لواشنطن في الـ18 يونيو/حزيران الماضي (التقى الرئيس دونالد ترامب وكانت المرة الأولى التي يستضيف فيها رئيس أميركي قائداً للجيش الباكستاني في البيت الأبيض دون أن يرافقه مسؤولون مدنيون باكستانيون كبار، حيث دعاه إلى مأدبة غداء)، انتكست الأمور بشكل لافت، حيث سُجّلت عودة أعمال العنف في باكستان بشكل قوي، خصوصاً العمليات الانتحارية التي تستهدف الجيش الباكستاني وغيرها، ما دفع قائد الجيش إلى اتهام كابول مجدداً بالوقوف وراء كل ذلك، طالباً منها وقف دعم المسلحين.

على المقلب الآخر، يشكّك مصدر في الاستخبارات الأفغانية، في حديث لـ"العربي الجديد"، بـ"صدق" باكستان، معتبراً أنها تناشد الصين للتوسط مع أفغانستان، لكنها في المقابل تسعى للتآمر مع الدول الغربية وبعض دول المنطقة ضد كابول. وبرأيه، فإن باكستان تعمل على دعم الجماعات المسلحة وتنظيمها لإرباك الأمن الأفغاني، مثل تنظيم داعش وجبهة بانشير ومعارضين آخرين لـ"طالبان". ويقول: "من هنا، فإن كابول لم تعد مستعدة للتعاون مع إسلام أباد، ولن تُخدع بكل ما تقوم به باكستان من مناورات"، وفق تعبيره.

لكن حمزة أمير لا يوافق على هذه الاتهامات، معتبراً أن باكستان تُقدّر علاقاتها مع كل من الصين والولايات المتحدة، وهي مختلفة بطبيعتها مع كل واحدة منهما. ويشرح: "علاقتنا مع الصين عميقة وأساسها المصالح المشتركة أمنياً وسياسياً واقتصادياً، الصين تقف إلى جانبنا في السلم والحرب، وهي تؤيدنا ضد الهند (أظهرت الحرب الأخيرة فاعلية السلاح الصيني الذي تملكه باكستان، ومن بينه المقاتلات الجوية المتطورة)، لكن علاقاتنا مع واشنطن لها طبيعة مختلفة، إنها مرّت بالكثير من المدّ والجزر، وواشنطن لم تعد تعتمد علينا بشكل كلّي، رغم أن موقف الرئيس الحالي ترامب مختلف بخصوص قائد الجيش المشير عاصم منير، ولكن الدولة العميقة في أميركا لا تعتمد علينا". ويضيف: "من هذا المنطلق، نحن لن نقبل بأي مساومة على الأمن الوطني وعلى العلاقات مع الجيران من أجل الولايات المتحدة، خصوصاً في هذه الفترة التي تمرّ فيها باكستان بمنعطف خطير جداً"، وفق تقديره.

مصدر في الاستخبارات الأفغانية: باكستان تعمل على دعم الجماعات المسلحة وتنظيمها لإرباك الأمن الأفغاني
لكن التقديرات الأفغانية تبدو متشبثة برأي مختلف، إذ يرى المحلل الأمني الأفغاني محمد إسماعيل وزيري، بدوره، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن باكستان "لم تكن مخلصة يوماً مع جيرانها، خصوصاً أفغانستان، وهي ترى مصلحتها في مواصلة الحرب ودعم كل من يمسّ بأمن بلادنا، وهي كانت تدعم طالبان بشكل مباشر أو غير مباشر فقط من أجل القضاء على الحكومة التي كانت قائمة في السابق، وعندما عادت طالبان للسيطرة على الحكم في أفغانستان في عام 2021، جدّدت باكستان أنشطتها للعبث بالأمن الأفغاني". وبرأيه، فإن حركة طالبان في كابول التي كانت من أصدقاء باكستان، أضحت عدوة لها، حيث أن إسلام أباد تعمل على مشروع جديد ضد الحركة، هو مشروع "داعش" فرع خراسان، "وهي لم تفعل ذلك لوحدها، بل بالتعاون مع دول أخرى"، وفق اتهاماته. ويتساءل: "بناء على ذلك، لماذا ينبغي على كابول أن تجعل من طالبان الباكستانية عدوة لها مقابل هذا التعامل؟ إنه أمر غير مقبول".

العنف يبدّد جهود الوساطة بين أفغانستان وباكستان

في الثالث من شهر يوليو/تموز الحالي، أعلنت طالبان الباكستانية عن مرحلة جديدة من العمليات المسلحة، دون الكشف عن سماتها، لتبدأ العمليات المسلحة تطاول إقليم البنجاب، كما أن المسلحين يبسطون سيطرتهم على المناطق القبلية، ويقومون بتصفية كل من يدعم الحكومة أو الجيش، علاوة على تنفيذهم إعدامات ميدانية، معظمها ذبحاً بهدف إثارة الخوف، مع بثّ الفيديوهات لعناصر الحركة وقياداتها الميدانية داخل المدن والأسواق وهم يقيمون الحواجز. كل ذلك بدا جديداً، وبعضه وإن كان يحصل في السابق، لكنه لم يكن بهذا الحجم.

على سبيل المثال، عُثر في 6 يوليو، على جثامين أربعة أشخاص، ثلاثة منهم عناصر في الجيش، والرابع كان يعمل في الاستخبارات، وقد تمّ ذبحهم بالسكين، وقد تركت حركة طالبان الباكستانية مع الجثامين رسالة خطية حذّرت فيها من مغبة العمل مع الحكومة وأجهزة الدولة، وتوعّدت كل من يعمل معهما بمصير مشابه. كان مسلحو الحركة قد خطفوا الأشخاص الأربعة في 4 يوليو، من مدينة لكي مروت، شمال غرب باكستان، بينما تم إعدامهم في منطقة تانك، ما يشير إلى مدى توسع سلطة المسلحين، وحريتهم في التحرك، وإمكانية نقلهم رهائن من منطقة إلى أخرى بكل سهولة.

في هذ الشأن، يقول الزعيم القبلي في منطقة لكي مروت، إحسان الله خان مروت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن وجود الحكومة يغيب عن الكثير من هذه المناطق. ويشرح أنه "على سبيل المثال، لا يمكن للجيش والقوات شبه العسكرية أن تتجول بعد صلاة العصر في كل من منطقة لكي مروت، تانك، وزيرستان الشمالية والجنوبية، ومقاطعة خيبر، وحتى المنطقة المدنية مثل كوهات وهنجو، فهذه المناطق وغيرها لم تعد اليوم تحت سيطرة الحكومة، وعملياً فإن طالبان الباكستانية تسيطر عليها، حيث إن لديها حكومة ومسؤولين، والناس يتوجهون إليهم لحلّ مشاكلهم، ويتواصلون معهم".

إحسان الله خان مروت: القبائل تخشى الوقوف إلى جانب الجيش، والمسلحون يستهدفون المليشيات المتعاونة مع الجيش

استعانة بالجيوش القبلية

يوضح إحسان الله خان مروت أنه بعد أن فشلت القوات المسّلحة في التصدي للمسلحين، بدأ الجيش يراهن على الجيوش القبلية، وهي المليشيات من القبائل. لكن المشكلة، برأيه، هي أن تجربة المليشيات قديمة، ولن تنجح لأسباب عدة: أولاً، أن هناك قبائل رفضت بالكامل الفكرة، وفرضت عقوبات على كل من ينضم إليها، كما أن أبناء القبائل لا يرغبون عادة في الانضمام إلى هذه المليشيات، وذلك لأن المسلحين هم أيضاً من أبناء القبائل، علاوة على أن طالبان تتعامل مع الجيش والمليشيات على حدّ سواء بالعنف والتصفية، وقد أعدموا عدداً منهم خلال الأيام الماضية ذبحاً بالسكين، وهو ما حصل في أكثر من منطقة، إضافة إلى قتل قياداتهم. ولذلك يجزم إحسان الله خان مروت أن هذه التجربة غير ناجحة، لا سيما وأن الكثير من القبائل تعتبر أن ظاهرة المليشيات نجحت، فستكون بداية حرب أهلية بين أبناء القبائل، ولذلك فإنها لا ترغب ولن تسمح بها.

رفض قبلي لعمليات الجيش أيضاً

ولكن ما يجعل الحكومة والجيش في موقف حرج جداً هو رفض القبائل أيضاً لعمليات الجيش والقوات المسلحة. خلال الأسبوع الماضي، عقدت قبائل وزيرستان، وباجور، وتانك، وخيبر، اجتماعات أعلنت فيها عدم سماحها للجيش والقوات المسّلحة بشن عمليات عسكرية ضد المسلحين. ولذلك، يرى الإعلامي الباكستاني عبد الله مهمند، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القوات المسلحة لم يعد لديها خيار سوى شنّ العمليات، التي قد تختلف نوعيتها من منطقة إلى أخرى، ولكن لا مفر منها. كما أنه لا يستبعد أن يقوم الجيش الباكستاني بعمليات داخل أفغانستان، خصوصاً في ظلّ عدم تعاون كابول مع إسلام أباد، وفق رأيه.

ويوضح الإعلامي الباكستاني أن الوضع خطير جداً ومعقّد، جازماً بأن العلاقات بين أفغانستان وباكستان لن تتحسن، بل هي تتجه نحو التدهور والتوتر، طالما أن الوضع الأمني متوتر في باكستان، وأفغانستان تدعم المسلحين وتوفّر لهم الإيواء، وفق رأيه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows