المنعطف العراقي المقبل
Arab
5 days ago
share

يزداد المشهد غموضاً بشأن الانتخابات البرلمانية في العراق، المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بعد انسحاب ائتلاف النصر، الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي، والمنضوي حالياً في إطار الائتلاف التنسيقي الحاكم. كما ظلّ زعيم التيّار الصدري على موقفه المقاطع، رغم ما تردّد عن عودته، وهي أنباء سُرعان ما نفيت خلال 24 ساعة، إذ أصدر بياناً وقّعه بلقب "المقاطع مقتدى الصدر".
في هامش ذلك، أصدر أكثر من مائتي شخصية ثقافية وأكاديمية عراقية بياناً مشتركاً بشأن الانتخابات، سمّوه "مبادرة عراقيون"، حذّروا فيه من أن العملية الانتخابية المقبلة لن تكون فعّالة أو قادرة على حلّ المعضلات العراقية من دون إقرار قانون الأحزاب، الذي يحظر اشتراك الكيانات المسلّحة في الانتخابات، وضبط المال السياسي المُموِّل لها، وخفض سنّ الترشّح إلى 25 سنة، وتعديل معامل سانت ليغو الخاصّ بحساب نسب الأصوات، وغيرها من المطالب التي يشير البيان إلى أن تجاهلها سيعزّز من عزوف المواطنين عن المشاركة.
وعلى الرغم من أن البيان لم يحسم موقفه من الانتخابات، فإن الاعتراضات التي طرحها تبدو صعبة التحقيق خلال الأشهر القليلة المقبلة، حتى موعد الاقتراع، خصوصاً أن أيّاً من الأحزاب المستهدفة بهذا البيان، التي تشكّل غالبية البرلمان الحالي والسلطة التنفيذية، لم تُبدِ أيَّ تعليق، ولا يبدو أنها في وارد تغيير سياساتها أو القيام بأيّ محاولة إصلاحية. مطالب الإصلاح، وتجاهلها، ليست جديدة، لكنّها اليوم تأتي في سياق داخلي وإقليمي مختلف، وقد تجد الطبقة السياسية الحاكمة نفسها مضطرّة للتكيّف مع العواصف الإقليمية، بعد أن أهدرت رفاهية القيام بالإصلاحات الضرورية، حينما كانت الأوضاع أفضل.
هناك انحسار إيراني، قد يتحوّل قريباً إلى فراغ داخل العراق، ولن يجد مؤيّدو إيران أطرافاً كثيرة تأسف على هذا الانحسار، لكن الجميع (رغم ذلك) سيكونون مسؤولين عن التعامل مع هذا الفراغ المحتمل. لن يتأسف الكرد على هذا الانحسار، بعد أن قضوا السنوات الماضية تحت وطأة صواريخ المليشيات التي كانت تتساقط على أربيل، عاصمة إقليم كردستان. ومن أبرز هذه الحوادث مقتل رجل الأعمال الكردي بشرو ديزاي مع أفراد من عائلته بصواريخ باليستية، أطلقها الحرس الثوري الإيراني في 15 يناير/ كانون الثاني 2024. وظلّت هذه الصواريخ تهديداً مستمرّاً حتى الأسبوع الماضي، حين ضربت طائرات مسيّرة ("مجهولة") مناطق في مطار أربيل الدولي، مما خلّف تداعيات سلبية في قطاعي السياحة والأعمال.
كذلك، يعاني السنّة في مناطقهم من سطوة المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري، التي تستولي على المصالح التجارية والاقتصادية، وتستثمر في الأراضي والعقارات، وتتعامل مع المدن والبلدات كما لو أنها قوّة محتلّة. وهؤلاء سيتنفّسون الصعداء إن زالت سطوة المليشيات من مناطقهم. أما الطرف الثالث فهو المجتمع المدني العراقي، بمختلف خلفياته الطائفية والعرقية، والذي يشهد تراجعاً حادّاً في حرية التعبير، فيعاني المثقّفون وأساتذة الجامعات من جوّ خانق تفرضه التيّارات السياسية ذات الأذرع المسلّحة، في ظلّ شيوع أجواء الترهيب والتخوين والاتهام بالعمالة. وما تزال أحداث أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ماثلةً في الذاكرة، بما شهدته من تصفية وتهجير وخطف وتنكيل، لا تمارسه الأنظمة الديمقراطية كما يُفترض. والطرف الرابع هو التيّار الصدري، الذي يجد نفسه خصماً طبيعياً لتحالف المليشيات الموالية لإيران، ولا يزال يحمل ثأراً سياسياً منذ انتخابات 2021، التي اضطر على أثرها إلى الانسحاب من البرلمان الذي أفرزته.
وينضمّ إلى هؤلاء ما يمكن تسميته "التيّار الاجتماعي الشيعي المحافظ"، الذي يتبع مرجعية النجف، وقد قاطعت نسبة كبيرة منه الانتخابات منذ عام 2018، نتيجة اليأس من أحزاب الإسلام السياسي، بسبب فسادها المستشري وعجزها عن تنفيذ وعودها الانتخابية. هؤلاء، كما هو واضح، يشكّلون غالبية العراقيين. وقد لا يعبّرون عن آرائهم بصراحة في وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم ينتظرون بفارغ الصبر اللحظة التي تُرفع فيها يد المليشيات عن الشعب العراقي، سواء عبر الانتخابات أو من دونها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows