أهالي ريف تونس يواجهون الحرّ من دون وسائل تبريد
Arab
5 days ago
share

حين يشتد القيظ في ريف محافظة جندوبة شمال غربي تونس، تلجأ جنينة الفرياني وعائلتها إلى حوض مياه مستخرجة من بئر مخصّصة للريّ، فهذه المياه تُعَدّ الوسيلة الوحيدة المتاحة للشابة العشرينية من أجل مكافحة حرّ الصيف. وتقول الفرياني لـ"العربي الجديد": "نحن من المحظوظين إذ نملك مصدراً دائماً للمياه يمكننا اللجوء إليه من أجل مواجهة الحرارة المرتفعة وإرواء عطشنا، في حين يعاني سكان المنطقة من الحرّ في غياب كلّ وسائل التبريد".

وتُعَدّ محافظة جندوبة الواقعة في أقصى شمال غرب البلاد من أكثر المناطق حرّاً في فصل الصيف، بفعل تغيّر المناخ، وهو أمر لم يعتده بعد الأهالي، بحسب ما تشير الفرياني. وتوضح أنّ "درجات الحرارة وصلت، في الصيف الماضي، إلى 48 درجة مئوية، وكانت بالتالي الأعلى تاريخياً على مستوى تونس"، مضيفةً أنّ "سكان الريف يواجهون موجات الحرّ بوسائلهم البدائية، سواءً بالتبريد عبر مصادر المياه القليلة أو بالمراوح الهوائية القديمة".
وتشهد محافظات داخلية مثل جندوبة والقصرَين والقيروان ومحافظات أقصى الجنوب في خلال أشهر الصيف درجات حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية، وسط غياب شبه تام لوسائل التبريد في المنازل والمدارس والمراكز الصحية. وتؤكد الفرياني أنّ قلّة قليلة من سكان الريف تملك وسائل تبريد عصرية، وهؤلاء السكان بغالبيتهم من كبار المزارعين ومربّي الماشية، علماً أنّه في إمكانهم كذلك قضاء فترات من فصل الصيف في المحافظات الساحلية الأقلّ حرّاً.
وتشدّد الشابة التونسية على أنّ "الحقّ في النفاذ إلى وسائل التبريد والتكييف من الحقوق الأساسية التي يتعيّن تعميمها في المناطق الحضرية والريفية، بسبب تغير المناخ وتحوّل الصيف إلى فصل قاس جداً، ولا سيّما بالنسبة إلى سكان الريف والفقراء".
وتردف الفرياني أنّ "سكان الريف لم يتمكّنوا بعد من تحصيل حقوق أكثر أهمية في حياتهم اليومية، من قبيل الحق في المياه والكهرباء". ففي قرى كثيرة، ما زالت الكهرباء غير مستقرّة، وفي حال توفّرت فإنّ القدرة الشرائية الضعيفة تحول دون اقتناء الناس مكيّفات هواء أو حتى مراوح كهربائية. وتتابع: "نعيش الليل والنهار في حرّ لا يُطاق، والأطفال يفترشون الأرض لأنّ الأسرّة صارت جحيماً" بسبب ارتفاع حرارتها بدورها.

ويفيد خبراء بأنّ تونس تتأثّر كثيراً بتغيّر المناخ، فتطول فصول صيفها وتصير أكثر قسوة، الأمر الذي يتطلّب سياسات عاجلة لضمان تكيّف المجتمعات الهشّة مع هذا التغيّر. وفي هذا الإطار، يرى الخبير في التنمية حسين الرحيلي أنّ "الحقّ في وسائل التبريد من القضايا المستجدّة في ظلّ تغيّر المناخ الحاصل، وبالتالي لا بدّ من دمج هذا المعطى من ضمن الاستراتيجيات التنموية التي سوف ترسمها السلطة في السنوات المقبلة من أجل تعميم هذا الحقّ على المواطنين في المناطق الحضرية والريفية". يضيف الرحيلي لـ"العربي الجديد" أنّ "العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم يتحدّث صراحة عن حقّ المواطنين في الحصول على وسائل التبريد، غير أنّ تداعيات تغيّر المناخ التي تطاول كلّ بلدان العالم سوف تفرض ذلك مستقبلاً".
ويتابع الرحيلي أنّ "الحقّ في التكييف يُطرَح حتى في الدول الأكثر تقدّماً، مثل الدول الأوروبية التي لم تكن سابقاً تعطي الأولوية لوسائل التبريد وتكتفي بالعناية بوسائل التدفئة. فتغيّر المناخ يفرض على جلّ الدول تغيير سياساتها تجاه حقّ امتلاك المواطنين وسائل التكييف والتبريد". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأولويات في تونس تختلف، إذ يحتاج سكان الأرياف إلى ضمان الحقّ في المياه واستقرار الكهرباء والصرف الصحي قبل ضمان النفاذ إلى وسائل التبريد على أهميتها". 

في السياق نفسه، يطالب ناشطون ومنظمات حقوقية بضرورة دعم الأسر الريفية بمعدّات تبريد صديقة للبيئة، وتحسين شبكة الكهرباء في المناطق النائية، إلى جانب إنشاء مراكز تجمّع مكيّفة في القرى مثل المكتبات ومراكز الشبّان والوحدات الصحية". وتُظهر بيانات محدّثة حول معدّلات امتلاك المكيّفات ووسائل التبريد في تونس أنّ عدد مكيّفات الهواء المستعمل من قبل الأسر تضاعف 10 مرّات في الأعوام العشرين الماضية، وارتفع عدد هذه الأجهزة من 234 ألف مكيّف منزلي في عام 2009  إلى مليونَين بحلول عام 2023. كذلك ارتفعت مدّة تشغيل المكيّفات من ثلاثة أشهر في عام 2003 إلى سبعة أشهر في عام 2023، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغيّر المناخ.
ويلفت الخبير في التنمية إلى أنّ "القدرة على النفاذ إلى رفاهية التبريد صيفاً ترتبط كذلك بقدرة العائلات على تحمّل تكاليف الكهرباء". ويؤكد الرحيلي أنّ "نسبة الفقر في أرياف تونس ما زالت مرتفعة، الأمر الذي يقلّص حظوظ سكان تلك المناطق في تشغيل وسائل التبريد التي تعتمد على الكهرباء".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows