
"لم أَبِع الوطن ولا أعتزم"، هكذا دافع عن سلامة موقفه الصحافيُّ السابق المتخصّص في الشؤون العسكرية بجريدتَي كوميرسانت وفيدوموستي الروسيتَين، مستشار مؤسسة الفضاء الروسية "روسكوزموس" إيفان سافرونوف الذي يبدأ اليوم الاثنين، عامه السادس خلف القضبان على إثر إدانته بتهمة "الخيانة العظمى" وصدور حكم بسجنه لمدة 22 عاماً، في ما يعد واحداً من أشد الأحكام في القضايا التي ينظر إليها في روسيا بوصفها ذات أبعاد سياسية.
تعتيم على ملابسات القضية
على مدى أكثر من ثلاث سنوات، فرضت السلطات الروسية تعتيماً كاملاً على ملابسات محاكمة سافرونوف، إلّا أن التلفزيون الروسي بث في نهاية عام 2023، فيلماً وثائقياً بعنوان "قضية سافرونوف" حظي بما يقارب 400 ألف مشاهدة على "يوتيوب" وتناول خليفات القضية وتضمن حوارات مع مختلف الأشخاص المعنيين، بمن فيهم محقق القضية وسافرونوف نفسه في محبسه والذي أعرب عن أمله أن تكون إدانته "خطأً"، خاتماً شهادته في الفيلم بالقول: "لم أَبِع ولم أخن الوطن ولا أعتزم".
وبعد مرور خمس سنوات على اعتقال سافرونوف، تشيد الصحافية الروسية، الرئيسة المشاركة للنقابة الصحافيين والعاملين بوسائل الإعلام (منحلة حالياً)، صوفيا روسوفا، بالصمود الذي أظهره الصحافي المعتقل في وجه الضغوط التي تعرض لها، معربةً عن دهشتها من إدانة شخص غير مطلع على أسرار الدولة من أساسه بتهمة بالغة الخطورة مثل "الخيانة العظمى".
وتقول روسوفا في حديث لـ"العربي الجديد": "على الرغم من الضغوط التي تعرض لها هو وذووه أيضاً على ما يبدو، إلّا أنه لم يستجب لا لمطالب الاعتراف بالتهم الموجهة إليه ولا الكشف عن مصادره، خاصةً وأنه لم يكن مفوضاً بالاطلاع على أسرار الدولة، ما يستبعد ضلوعه في جريمة بالغة الخطورة مثل الخيانة العظمى، وإن كان عمله الصحافي ظل على مدى سنوات طويلة متعلقاً بمجالات تشكل حساسية بالغة لمصالح الدولة".
وتؤكد أن الفيلم لم يقنعها بصحة التهم الموجهة إلى سافرونوف، مضيفةً: "لا يخلو الفيلم من دوافع دعائية نظراً لضبابية ترتيب ظروف محاورة سافرونوف في محبسه مع إمكانية اجتزاء كلامه من السياق في ظل إبراز المقاطع التي يتحدث فيها عن إعجابه بالدول الأوروبية، مع تجاهل الشق الوطني بل القومي والإمبريالي من شخصيته الذي جعل رموز المعارضة الليبرالية يترددون في دعمه عند اعتقاله".
وفي معرض تعليقها على التسجيلات الصوتية التي تضمنها الفيلم وتكشف إعداد سافرونوف مواد لجهات غير إعلامية وفق رواية التحقيق، تتابع: "من باب الموضوعية الإقرار بأن بيع المعلومات بدلاً من نشرها يتعارض مع أخلاقيات مهنة الصحافة، ولكن ذلك لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى الخيانة العظمى والسجن لأكثر من 20 عاماً".
في بداية أغسطس/آب من العام الماضي، شهد مطار أنقرة صفقة تبادل سجناء كبرى بين روسيا والغرب شملت مجموعة من الشخصيات المعروفة وأخرى مثيرة للجدل، إلا أن سافرونوف لم يكن من بينها، وهو وضع تعلق عليه روسوفا بالقول: "حتى إذا لم تشمله صفقات تبادل السجناء المقبلة، آمل أن يتمكن إيفان يوماً من رد الاعتبار له داخل روسيا وأن يُعاد النظر في القضية وتبرئته على الأقل من تهمة الخيانة العظمى".
معلومات حول إيفان سافرونوف
إيفان سافرونوف هو صحافي روسي متخصّص في شؤون قطاع التصنيع العسكري من مواليد موسكو عام 1990، وتخرّج عام 2010 في المدرسة العليا للاقتصاد في تخصص الإعلام، ثم عمل بجريدة كوميرسانت إلى أن سُرّح في 2019 على خلفية مقال له حول احتمال استقالة رئيسة مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، فالينتينا ماتفيينكو، ثم عمل بجريدة فيدوموستي، قبل تعيينه مستشاراً لمدير عام "روسكوزموس" آنذاك، دميتري روغوزين، في مايو/أيار 2020، ثم اعتقاله بعد ذلك بأسابيع.
منذ أيامها الأولى، أثارت قضية سافرونوف الذي اعتقل في 7 يوليو/تموز 2020، تضامناً واسعاً في أوساط الصحافيين والمثقفين والحقوقيين الروس، إذ لم يُكشَف عن جوهر التهم الموجهة إليه باستثناء بعض التسريبات عبر دفاعه حول تسليمه بيانات سرية حول التعاون العسكري والتقني وقطاع الدفاع الروسيين للأجهزة الاستخباراتية التشيكية والألمانية، وفق رواية التحقيق.
وفي بداية سبتمبر/أيلول 2022، أصدرت محكمة مدينة موسكو حكماً غير مسبوق بإدانة سافرونوف، وسجنه لمدة 22 عاماً، مع أداء العقوبة في إصلاحية ذات نظام مشدد. وفي فبراير/شباط 2023، نقل سافرونوف إلى إصلاحية ذات نظام مشدد في إقليم كراسنويارسك الواقع في سيبيريا.
يذكر أن تطبيق المادة 275 ("الخيانة العظمى") المثيرة للجدل في روسيا لا يقتصر على ملاحقة من اطلعوا على بيانات سرية في إطار خدمتهم أو دراستهم أو عملهم، بل أيضاً في "حالات أخرى"، وتنطبق كذلك على من يقدم "عوناً استشارياً" في نشاط لدولة أو منظمة أجنبية يستهدف أمن روسيا، ما يوسّع مجال التفسير والتطبيق الواسع لمفهوم "الخيانة العظمى"، وقد يطاول أشخاصاً من غير الموظفين بالدولة أمثال سافرونوف والمعارض السياسي فلاديمير كارا مورزا، المشمول بصفقة تبادل السجناء في أنقرة، وغيرهما.

Related News


