
أكدت تقارير اقتصادية إسرائيلية ودولية أن إسرائيل تتكبد خسائر مادية فادحة نتيجة "المقاطعة الأكاديمية"، إلى جانب أشكال المقاطعة الاقتصادية الأخرى لسلعها وبضائعها، حيث تُكلف هذه المقاطعة الثقافية الاحتلال مليارات الدولارات. وكشفت حركة المقاطعة "BDS"، في أحدث بياناتها بتاريخ 23 يونيو/حزيران الماضي، أن إسرائيل تشهد انخفاضًا حادًّا في معدلات الموافقة على مشاريع بحثية تُشارك فيها مؤسسات إسرائيلية ضمن برنامج "هورايزون"، وهو مصدر تمويل رئيسي. ويرتبط هذا الانخفاض بتضامن الطلاب، وحملات الأكاديميين، والنقابات العمالية استجابةً لدعوة الحركة إلى مقاطعة أكاديمية.
وأوضح تقرير للحركة أنه على الرغم من النفوذ الإسرائيلي الهائل في الاتحاد الأوروبي، فإن إسرائيل وجامعاتها تتعرض للتجاهل من جانب عدد غير مسبوق من الجامعات والعلماء في مختلف أنحاء أوروبا، مما أدى إلى انخفاض كبير في نصيبها من تمويل برنامج "هورايزون" للأبحاث التابع للاتحاد الأوروبي، وذلك منذ بداية الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، بسبب تأثير المقاطعة الأكاديمية، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات بقيادة الطلاب.
وأشار برنامج "هورايزون" إلى أن معدلات الموافقة على المشاريع التي تشمل شريكًا بحثيًّا إسرائيليًّا واحدًا أو أكثر، انخفضت بنسبة 68.5%. إذ حصلت إسرائيل على 1.1 مليار يورو منحًا بين عامي 2021 و2024 من البرنامج الأوروبي، لكن هذه النسبة انخفضت بشكل كبير عام 2025 نتيجة حملات التضامن الأكاديمي مع فلسطين.
ووفق تقرير نشره موقع "كالكليست" الاقتصادي الإسرائيلي في 25 مايو/أيار الماضي بعنوان "هورايزون هو شريان الحياة.. وإزالته قد تؤدي إلى انهيار الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية"، فإن إسرائيل رغم صغر حجمها وعدم دخول أي من جامعاتها ضمن أفضل 200 مؤسسة أكاديمية دولية وفق التصنيفات الغربية، كانت تتلقى تمويلاً من برنامج "هورايزون" يفوق ما تحصل عليه دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا. وأكد التقرير أن إسرائيل كانت تستثمر 1.3 مليار شيكل سنويًّا في شراكة "هورايزون"، مما يشكل خسارة اقتصادية كبيرة نتيجة تراجع ما تحصل عليه من المنح الأوروبية الأكاديمية.
وفي تقرير آخر لصحيفة "هآرتس" في فبراير/شباط الماضي، أُشير إلى أن باحثين إسرائيليين أبلغوا عن مئات من حالات المقاطعة الأكاديمية والصعوبات في التعاون مع مؤسسات أجنبية خلال الأشهر القليلة الماضية، ما أدى إلى خسائر مادية ومعنوية كبيرة للجامعات الإسرائيلية وجعلهم منبوذين في الأوساط الأكاديمية. وأكد تقرير صادر عن جمعية رؤساء الجامعات الإسرائيلية أن الجمعية تلقت، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرابة 500 شكوى من باحثين إسرائيليين تتعلق بالمقاطعة الأكاديمية، وامتناع مجلات علمية عن نشر مقالات لباحثين إسرائيليين، إضافة إلى تقليص مؤسسات بحثية أجنبية تمويلها للمشاريع الإسرائيلية.
وعقب قصف إيران معهد "وايزمان" -أحد أشهر مراكز الأبحاث في إسرائيل- وتدميره، ذكر محللون إسرائيليون أن الخسائر الناجمة عن المقاطعة الأكاديمية تفوق الخسائر الناتجة عن تدمير المعهد، مؤكدين أن إسرائيل تخسر مليارات الدولارات نتيجة توقف التعاون الأكاديمي بينها وبين دول العالم.
وتشير تقارير دولية إلى أنه من الصعب تحديد رقم دقيق لحجم الخسائر المالية بسبب المقاطعة الأكاديمية، إلا أن التأثير الاقتصادي كان كبيرًا، خاصة في مجالات البحث والتطوير. وتوجد أدلة على أن مشاركة إسرائيل في برامج بحثية دولية مثل "أفق أوروبا" قد تأثرت سلبًا، مع انخفاض ملحوظ في معدلات الموافقة على المشاريع التي تضم شركاء إسرائيليين. وقد قاطعت أكثر من 20 جامعة حول العالم إسرائيل بسبب الحرب في غزة، وارتفع عدد المقاطعات الفردية للأكاديميين إلى 700 أكاديمي إسرائيلي، وفق ما ذكره موقع "كالكليست".
ورغم أن إلغاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يتطلب إجماع الدول الأعضاء الـ27، فإن تعليق عضوية إسرائيل في برنامج "هورايزون" يتطلب موافقة 55% من الدول التي تمثل ما لا يقل عن 65% من سكان الاتحاد الأوروبي. وبسبب الدعم العقائدي لإسرائيل من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة والفاشية الصاعدة في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، وإيطاليا، والنمسا، والمجر، وجمهورية التشيك، فإن تحقيق هذا الشرط يبدو صعبًا للغاية. ومع ذلك، فإن الزيادة الهائلة في عدد الباحثين والجامعات الأوروبية الذين يرفضون المشاركة في مشاريع "هورايزون" التي تشمل إسرائيل تُحدث استبعادًا "صامتًا" تدريجيًّا لها من البرنامج.
وسبق أن قدرت دراسة أجرتها مؤسسة "راند" عام 2015 أن حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات "BDS" قد تُكلّف الاقتصاد الإسرائيلي عشرات المليارات من الدولارات خلال عقد من الزمان. وبينما تُقر الدراسة بصعوبة تقييم أثر المقاطعة بدقة، فإنها تشير إلى أضرار اقتصادية جسيمة محتملة.
وقد أعلن أكاديميون مغاربة وأجانب مقاطعتهم المنتدى العالمي الخامس لعلم الاجتماع، المقرر عقده في جامعة محمد الخامس بالمغرب بين 6 و11 يوليو/تموز المقبل، احتجاجًا على احتمال مشاركة أكاديميين إسرائيليين في فعالياته. ودعت حملة المقاطعة الفلسطينية، في بيان لها، الباحثين إلى "إلغاء جميع أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والأكاديمي مع إسرائيل".
المال اليهودي مقابل المال العربي
أثارت التقارير حول الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية بسبب المقاطعة الأكاديمية غضب جهات يهودية، حيث اتهمت ما سمّته "أموال النفط الخليجية والمتطرفين الفلسطينيين وأنصارهم بالهيمنة" على الساحة الأكاديمية، بهدف مقاطعة العقول الإسرائيلية، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" بتاريخ 13 إبريل/نيسان الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ منح أول جائزة نوبل قبل 124 عامًا، فاز بها أربعة فقط من المسلمين في مجالات العلوم، بينما فاز بها 216 يهوديًّا من أصل 965 فائزًا بجائزة نوبل في العلوم والاقتصاد، أي ما يعادل 22.4%، أي بمعدل شخص واحد من كل 5 فائزين. وشملت قائمة الفائزين اليهود ثمانية إسرائيليين، وثلاثة من معهد "التخنيون" الإسرائيلي، متسائلة: "كيف يجري حرمان الأكاديميين الإسرائيليين من المشاركة الأكاديمية؟".
تواطؤ الأكاديميين في الإبادة
وكان تقرير لحركة المقاطعة (BDS) قد أكد أن الجامعات الإسرائيلية تُشارك في تطوير أنظمة الأسلحة والعقائد العسكرية التي تُستخدم في جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان، وغزة، والضفة الغربية. كما تقوم، عبر أبحاث ودراسات مزيفة، بتبرير استمرار استعمار الأراضي الفلسطينية، والترويج للتطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين، ومحاولة توفير غطاء أخلاقي لعمليات القتل خارج نطاق القضاء، مقابل أموال تتلقاها من جهات أكاديمية أجنبية.
فقد طورت جامعة "تخنيون" الإسرائيلية تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات المُتحكَّم بها، لاستخدامها في هدم منازل الفلسطينيين. كما لعبت الجامعة، بالشراكة مع شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية للصناعات الحربية، دورًا كبيرًا في تطوير تكنولوجيا الجدار الفاصل العنصري ومراقبته، الذي قضت محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته عام 2004.
وأدارت جامعة تل أبيب ما يُسمى "غرفة حرب هندسية" تعمل على تطوير تكنولوجيا لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي، تشمل كاميرات بث مباشر محمولة على كلاب تُستخدم في هجمات مميتة ضد سكان غزة. وطورت الجامعة ما يُعرف بـ"عقيدة الضاحية"، والتي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة وغير المتكافئة لتدمير البنية التحتية المدنية والإضرار بالمدنيين، وهي العقيدة التي استخدمتها قوات الاحتلال في مجازرها ضد الفلسطينيين.
وكان تقرير لـ"رابطة مكافحة التشهير" الصهيونية (ADL) قد حاول في سبتمبر/أيلول الماضي الضغط لمنع الجامعات الأميركية من سحب استثماراتها من إسرائيل، محذرًا من أن هذا القرار قد يُكلفها مليارات الدولارات. وأشار التقرير إلى أن أكبر 100 مؤسسة وقفية جامعية في أميركا قد تخسر 33 مليار دولار على مدى عشر سنوات إذا سحبت استثماراتها من إسرائيل استجابة لحملة المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية التي يطالب بها طلاب الجامعات الأميركية. وزعمت الرابطة أن هذه الصناديق خسرت بالفعل بين عامي 2023 و2033 نحو 33.2 مليار دولار أميركي بسبب تبنيها سياسات سحب الاستثمارات من المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

Related News


