سلع يقبل عليها "تجار الشنطة" في الجزائر
Arab
6 days ago
share

بات "تجار الشنطة" في الجزائر الذين عمدت السلطات إلى توفيق أوضاعهم أخيراً يفقهون جيداً احتياجات الجزائريين، إذ يركزون على السلع التي تلقى طلباً، بدءاً من الملابس والأغذية حتى الإلكترونيات وقطع غيار السيارات.

وبرزت في الجزائر أنواع من الاستيراد "الموازي" ونمت بمرور السنين، أبرزها ما يقوم به أفراد الجالية الجزائرية في أوروبا، لا سيما في فرنسا. وباتت ما تعرف بـ"تجارة الشنطة" تستفيد بشكل كبير من الظروف الاقتصادية المحلية، فقد شهد السوق المحلي ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، ونُدرة متكررة في سلع أساسية، ما فتح المجال أمام البديل الموازي القادم من الخارج، موازاة مع قوانين الاستيراد الصارمة، التي تبررها السلطات كإجراءات لحماية الاقتصاد الوطني والمنتوج المحلي، ما يدفع الأفراد إلى "التحايل" عليها بطرق غير رسمية.

ضمن هذه الظروف، يلعب الانتشار الكبير للجالية الجزائرية في أوروبا، خاصة في فرنسا، دوراً محورياً في تغذية ظاهرة المغتربين "التجار"، إذ تشير البيانات الرسمية الفرنسية إلى وجود ما بين 2.5 إلى 3.5 ملايين جزائري في هذه الدولة فقط وهم على تواصل دائم مع عائلاتهم في الوطن، وهو ما يمنحهم فهماً دقيقاً لاحتياجات سوق متعطش لمنتجات معينة.

ونفس الأرقام تشير إلى نحو 1.2 مليون جزائري من الجالية يزورون بلدهم الأصلي سنوياً، مع تسجيل ذروة هذه الزيارات في الصيف، بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول، ما يحوّل مطارات الجزائر وموانئها إلى منافذ تجارية غير رسمية، مع توقعات بأن يعرف الموسم الحالي ارتفاعاً أكبر، فقد أقرّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أخيراً إجراءات تسهيلية لصالحهم.

من الهواتف إلى الجبن

لا يكاد يُستثنى من المنتجات المستقدمة من قبل المغتربين الجزائريين أي نوع، فحيثما وجد الطلب وجد المنتوج، غير أن تتبع السوق يكشف أنها تتركز في المنتجات الإلكترونية، والأجهزة الذكية، والألبسة، والعطور، وقطع غيار السيارات، وحتى بعض المواد الغذائية غير المتوفرة في السوق الرسمية بسبب غياب الاستيراد أو ضعف الإنتاج المحلي.

ومن بين الأسباب التي تجعل الجزائريين يفضلون اقتناء هذه السلع من الخارج جودتها الأعلى مقارنة بالمنتوجات المحلية، كونها موجهة للأسواق الأوروبية، وأسعارها الأقل رغم مصاريف الشحن، بالإضافة إلى ثقة أكبر للزبون بالماركات الأوروبية الأصلية.

كذلك تلعب ازدواجية سعر الصرف في الجزائر دوراً خفياً في تغذية هذه التجارة، فاستغلال الفرق الكبير بين السعر الرسمي والسوق السوداء يمنح "تجار الشنطة" من أفراد الجالية هامش ربح إضافياً، يُمكّنهم من البيع بأسعار تنافسية دون الالتزام بالضوابط الجمركية.

وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية، أحمد حيدوسي، إن تحوّل أفراد الجالية الجزائرية إلى "تجار" و"مستوردين" لمنتوجات مرة أو مرتين في السنة، يمكن اعتبارها ظاهرة صحية إذا ما توفرت مجموعة من الشروط، كونها تساهم بطريقة أو بأخرى في سد عجز معين خلقه تحجيم الاستيراد القانوني وضبط قوائم المنتجات المسموح بجلبها من الخارج.

وأشار حيدوسي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المنتجات والسلع المستقدمة من الخارج بهذه الطريقة تعتبر شكلاً من أشكال التحويلات للعملة الصعبة، في وقت يعاني النظام البنكي في الجزائر من بطء في مواكبة التطورات الجارية في العالم في هذا المجال.

وأوضح الخبير، من ناحية أخرى، أنّ السوق الجزائر الداخلي يحتاج إلى هذه المنتجات، بدليل وجود طلب عليها واتساع دائرة الزبائن الباحثين عنها، بصرف النظر عن آليات القيام بهذه العملية (استيراد موازٍ) فيما يتعلّق بعدم استيفاء الشروط القانونية وتسديد الرسوم الجبائية والجمركية المقررة، التي تضيّع على الخزانة العمومية مداخيل بالمليارات.

وعلى هذا الأساس، يرى حيدوسي أنّ تأطير الظاهرة مرهون بمعالجة أسبابها، انطلاقاً من توفير المنتوجات محل الطلب في السوق الداخلية، عبر تطوير الإنتاج المحلي إذا كان استيرادها القانوني غير مسموح، فالأنشطة التجارية تتتبع الطلب، كلما زاد على منتوج معين راجت تجارته، موازاة مع ضرورة تطوير النظام المصرفي وتسهيل إجراءاته لتحفيز المغتربين على تحويل أموالهم عبر القنوات البنكية بدلاً من سلوك سبل أخرى.

ولم يجد حيدوسي دليلاً أفضل من كون التحويلات المالية لأفراد الجالية الجزائرية الموجودين بالملايين في الخارج من بين الأضعف في الوطن العربي، بحسب المؤشرات والإحصائيات، فهي تتراوح بين مليار وملياري دولار في كل سنة فقط، أغلبها من أجور المتقاعدين العاملين في فرنسا، خاصة بحكم أن تحويلها يتم مباشرة، بينما يفضّل غيرهم جلب الأموال الصعبة نقداً وتحويلها في السوق الموازية للاستفادة من فارق السعر.

بدوره، أشار المنسق العام لجمعية حماية المستهلك فادي تميم إلى أن الجالية الجزائرية من أكبر الجاليات الموجودة في أوروبا، كما أنها دائمة الارتباط بعائلاتها وبلدها الأم، وهما عاملان يغذيان نمو ظاهرة "الاستيراد" غير النظامي الذي يقوم به المغتربون، من خلال إدخال كمية هائلة من المنتجات نسبة كبيرة منها مستعملة في مختلف الدول الأوروبية.

ومن هذا المنطلق، يسعى هؤلاء المغتربون، كما قال تميم لـ"العربي الجديد"، إلى ضرب عصفرين بحجر واحد، فهم يعودون إلى الجزائر لقضاء عطلة الصيف وزيارة الأهل والأقارب، ولكن بطعم اقتصادي وتجاري، بحكم أنهم يجلبون سلعاً يكثر الطلب عليها في السوق المحلية، وتمرّ على حاجز مصالح الجمارك دون تسديد أدنى رسم، على أنها مقتنيات شخصية وهدايا.

وأوضح أن هذه الظاهرة لا تزال تنمو وتتوسع سنة فأخرى، يدفعها في ذلك فراغ أنتجته إجراءات تقييد الاستيراد، الذي لم يعوضه بعد المنتوج المحلي، غير أن تفاقم هذه الظاهرة أضحى يشكل منافسة "غير شرعية" للمنتوج المحلي والاستيراد القانوني على السواء، بحكم أنهما ملزمان بتسديد أعباء ضريبية لا تُطبّق على منتجات يجلبها المغتربون من الخارج.

ورأى ممثل جمعية حماية المستهلك أن أي نشاط غير قانوني ينبغي أن يتوقف أو يضبط على الأقل في إطار تنظيمي، تحقيقاً لحماية الزبون والمستهلك، بغض الطرف عن الأمور الإدارية الأخرى وأهمية تسديد حقوق الدولة من رسوم وضرائب، فالسوق والنشاطات غير النظامية يحتملاً كثيراً من عمليات وصور الغش في غياب الضمانات ووثائق تثبت احترام هذه السلع للمعايير.

وأضاف أن الأخطر من هذا اختباء من يروّج للسلع المقلدة وراء هذا النوع من النشاطات، عبر طرحها في السوق الداخلية على أنها سلع أصلية "مستوردة" من قبل أفراد الجالية، ما يستدعي اتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة هذه المنتوجات حماية للمستهلك أولاً ثم تحصيناً للاقتصاد والمنتوج المحلي ثانياً، إلى جانب التحقّق من مصادر هذه المواد والمنتجات التي أغلبها مجهولة المصدر أو من مصادر مشبوهة (مسروقة مثلاً)، الأمر الذي يضع الزبون الجزائري في محل الشبهة أو الوقوع ضحية احتيال.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows