عندما يرفض جمهوريون مواصلة الرقص على إيقاع إسرائيل
Arab
6 days ago
share

أمّا وقد توقفت المواجهة بين إسرائيل وإيران بقرار أراده دونالد ترامب أميركياً صرفاً، بقدر ما هو مركّز في واشنطن مصير وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران، فإن سؤالاً يُطرَح: ماذا يجري داخل الولايات المتحدة؟... قبل أيام، حاور الإعلامي الجمهوري (محافظ) تاكر كارلسون، السيناتور الجمهوري الداعم لإسرائيل تيد كروز. للوهلة الأولى تعتقد أن دونالد ترامب كان يحاور دونالد ترامب. لكن سرعان ما يتبيّن أن هذه المقابلة كانت بالأحرى مناظرةً غير عادية، سواء أكان في توقيتها أم في شكلها أم في مضمونها. بالنسبة إلى التوقيت، تزامنت المقابلة مع وصول الشرق الأوسط إلى مفترق طرق غير مسبوق، ونقاش أميركي داخلي حول ما إذا كان على واشنطن التدخّل بشكل مباشر ضدّ إيران، وهو ما تم، ولو بشكل محدود. وفي الشكل، فإنها كانت أشبه بمناظرة بين رجلَين من أشرس المقرَّبين من دونالد ترامب، والمدافعين عن حكمه. أمّا في المضمون، وهو ما يعنينا هنا، فإن كثيراً من الثوابت والمسلّمات الأميركية ضُربت خلال هذه المقابلة، التي كشفت حجم السطحية والجهل في صفوف كثير من المؤثّرين في (والمتأثّرين بـ) صنّاع القرار في واشنطن، وهي عرّت كذلك العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، التي أُسبغت بقدسية مصطنعة عابرة للحزبين الجمهوري والديمقراطي، قدسية تستند إلى الفهم الخاطئ والملتوي للبعد الديني، الناتج من تفسيرات ساذجة محرفة أو من نهم دائم للسلطة وللعملة الخضراء من خزائن اللوبي (الصهيوني). المهم أن هذه المقابلة، بجرأة مقدّمها تاكر كارلسون (يميني محافظ)، المؤيّد حتى اللحظة لترامب، كسرت تابوهات كثيرة في أميركا، وأفشلت كثيراً من حجج مؤيّدي إسرائيل بشأن قدسية التحالف ببعده الديني، وهي ستربك اللوبي الصهيوني المتمثل في "أيباك"، التي شكّك كارلسون بقانونية دورها بوصفها لوبي يعمل لصالح طرف أجنبي من دون ترخيص بذلك، مثلما وضع المسؤولين الأميركيين المتعاملين مع هذا اللوبي في خانة "المتهمين"، من الناحيتَين القانونية والأخلاقية.

تتعالى أصوات مؤيّدة لإسرائيل في الولايات المتحدة تحذر من نجاح فصل الصهيونية عن السامية

وفقاً لما سبق، فإنه ليس مستغرباً أن نسمع قريباً أصواتاً تتهم كارلسون بمعاداة السامية، ليس بسبب طرحه فقط كثيراً من التساؤلات التي تجاوزت الخطّ الأحمر داخلياً وإسرائيلياً، بل أيضاً بسبب كشف هذه التساؤلات مدى ضحالة وسطحية حجج مروّجي قدسية العلاقة مع تل أبيب، وأهميتها الاستراتيجية لواشنطن. وإذا لم يستجدّ أيّ حدث داخلي أو خارجي، غايته على الأقلّ توحيد الموقف الجمهوري "الترامبي" المحصّن حالياً بغالبية في مجلسَي الكونغرس، فإن الولايات المتحدة قد تشهد مزيداً من الجدل داخل معسكر ترامب نفسه، مع احتمال أن تطاول حمم هذا الجدل القواعد اليمينية، بين حرس قديم بواعظيه المسنّين المنتمين إلى ما يعرف بالمسيحية الصهيونية، وجيل صاعد من اليمينيين بدأ يُظهر فتوراً لناحية التأييد "المطلق" لإسرائيل، لعدّة عوامل قد يكون أبرزها قدرتهم على التوسّع في تقصّي المعلومات من مصادر مختلفة بفضل التطوّر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، التي مكّنتهم مثلاً من متابعة المذابح التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، من دون أن يكتفوا بتصديق الرواية الإسرائيلية، خلافاً لما كان يحصل في حروب سابقة.
كانت "ميدل إيست مونيتور" ذكرت قبل عام ونيّف، أي بعد فترة قصيرة من هجوم 7 أكتوبر (2023) أن استطلاعاً لآراء عيّنة من الإنجيليين الشبّان أظهر تراجعاً في دعمهم لإسرائيل، وتزايداً ملحوظاً في تضامنهم مع الفلسطينيين. ورغم ذلك، من المبالغة (أو المبكّر) اعتبار إسرائيل تواجه خطر خسارة دعم اليمين الإنجيلي الأميركي، علماً أن ما تُعرف بـ"الصهيونية المسيحية" سبقت "الصهاينة اليهود" بأعوام وعقود في الدفع نحو إنشاء دولة قومية يهودية. بيد أن الجدل المتصاعد داخل معسكر اليمين الإنجيلي المؤيّد لترامب بشأن صوابية الدعم المطلق لإسرائيل، وللتدخّل العسكري في حروبها، وخصوصاً في حربها أخيراً ضدّ إيران، هذا الجدل بدأ يخرق كثيراً من الخطوط التي اعتبرت سابقاً حمراء، وبدأ التدخّل الأميركي بالقصف "المقتضب" لمواقع إيرانية، والتسريع في وقف إطلاق النار، وكأنّه يأخذ بالاعتبار هذا الجدل، وتأثيراته داخلياً، مثلما أخذ في الاعتبار هواجس إسرائيل التي رأى مراقبون عدم قدرتها على حسم الحرب، فضلاً عن عدم الفوز بها.
بناء على ما سبق، باتت تُسمع داخل أميركا أصوات جمهورية محافظة تجاهر، وربّما للمرة الأولى علنياً، بأن دعمها لترامب كان على أساس أميركا أولاً، وليس إسرائيل أولاً. جدل بدأ يتصاعد، وإن بدرجات متفاوتة، في المنصّات الإعلامية التي تديرها شخصيات سياسية وإعلامية معروفة من معسكر ترامب نفسه، مثل تاكر كارلسون، وقبله مات غايتس ومارغوري تايلور غرين وكاندس أوينز، وبيرس مورغان الذي جاهر بتغيّر موقفه من إسرائيل بعدما عُرف بدعمه الواضح لها في أعقاب "7 أكتوبر". وبموازاة الجدل الجمهوري، فإن الرمادية في صفوف الحزب الديمقراطي بشأن نتائج ضرب إيران لم تحجب مفاجأة مسرحها، مدينة نيويورك أحد أبرز معاقل الديمقراطيين، وكذلك عاصمة اليهود في أميركا، لأنها تضمّ أكبر تجمّع لهم هناك. مفاجأة تمثّلت في فوز مرشّح من أصل هندي مسلم في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشّح الحزب الرسمي لانتخابات عمدة نيويورك في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. الشاب الثلاثيني زهران مامداني، فاز على مجموعة من الطامحين لنيل الترشّح رسمياً، أبرزهم العمدة السابق (كان تنحّى بسبب قضايا أخلاقية)، أندرو كومو، المدعوم علناً (وبقوة)، من اللوبي اليهودي المؤيّد لإسرائيل. نتيجةً، لا يبدو أن كومو ومن خلفه اللوبي قد هضماها، بحيث يرجّح ترشّحه مستقلّاً في وجه مامداني ومرشّح الحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر المقبل.

يشير النقاش في المنابر الإعلامية أخيراً إلى إقرار بتنامي النزعة ضدّ الصهيونية في الولايات المتحدة

أياً يكن الأمر أو النتيجة، يشير النقاش في المنابر الإعلامية أخيراً إلى إقرار بتنامي النزعة ضدّ الصهيونية في الولايات المتحدة. ولمواجهتها بدأت تتعالى أصوات مؤيّدة لإسرائيل تحاول التحذير من نجاح فصل الصهيونية عن السامية، وتطالب بإيجاد حدّ لنمو "التوجّه المناهض لكلتيهما، أي السامية والصهيونية في أميركا" (براد تود، محلل جمهوري على "سي أن أن"). يكشف هذا الجدال كلّه ديناميةً غير مسبوقة بمداها وعلنيتها، بشكلها ومضمونها، عنوانها دور اللوبي الصهيوني والعلاقة مع إسرائيل. وإن كان من السابق لأوانه، أو من المبالغة بمكان، توقّع مدى نجاح هذه الدينامية في تخفيف سطوة هذا اللوبي على صناعة القرار في واشنطن، فإن مجرّد انطلاق موجة التساؤلات والاعتراضات لا بدّ من أن تترجم مزيداً من الحسابات قبل أيّ قرار داخل البيت الأبيض، له صلة بإسرائيل، على أعتاب انتخابات نصفية مصيرية للترامبية السياسية، يتساءل فيها مزيد من الناخبين، مثلهم مثل مرشّحين تشكّل مواقفهم المستجدّة مفاجأةً مدّويةً عما يعتبرونه أسبقية للاهتمام بمصالح إسرائيل على مصالح الأميركيين أنفسهم.
في حديث صحافي لها أخيراً، قالت النائبة الجمهورية اليمينية، المؤيدة لترامب، مارغوري تايلور غرين، إنه منذ انتخابها عام 2021، مرّر الكونغرس 22 قانوناً لدعم إسرائيل، مقابل صفر قوانين تتعلّق بتحسين معيشة الأميركيين داخلياً. وأردفت أن "كلّ ما فعله الكونغرس بأغلبية أعضائه في هذه السنوات هو إثبات الولاء لطرف خارجي عوضاً عن الاهتمام بمصالح الشعب الأميركي نفسه". كلام لم يكن أحد ليحلم بسماعه في السابق، على الأقلّ بصوت عالٍ بلسان سياسيّين ومؤثّرين محافظين، ومن صلب الإدارة الأميركية التي تتباهى بشعار "ماغا"، وهو اختصار "أرجعوا أميركا عظيمة".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows