
في تطور جديد في قضية وفاة الناشط عبد المنعم المريمي أول من أمس الجمعة، أصدر جهاز الأمن الداخلي التابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية بياناً قدم فيه رواية أخرى متناقضة مع رواية النيابة العامة حول ظروف احتجاز المريمي وملابسات وفاته. وجاء بيان جهاز الأمن الداخلي، اليوم الأحد، بعد أكثر من 24 ساعة من الصمت الحكومي، أكد خلاله أن المريمي توفي داخل مقر النيابة العامة، نافياً بشكل قاطع أي مسؤولية قانونية أو عملية عن وفاته، موضحاً أن مهمته اقتصرت على نقل المريمي إلى النيابة العامة، وأن مسؤوليته "تنتهي فور تسلم الموقوف من قبل مكتب النائب العام".
واعتبر جهاز الأمن الداخلي في بيانه أن ما حدث داخل أروقة النيابة "ليست للجهاز به أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد". وفي تناقض واضح مع بيان النيابة العامة، أمس السبت، التي أوضحت أنها أفرجت عن المريمي بعد التحقيق معه، أكد الجهاز أن النيابة لم تفرج عن المريمي، بل قررت تمديد حبسه ستة أيام على ذمة التحقيق في وقائع لم يحددها الجهاز بسبب "سرية أعماله" في التحقيق فيها.
وأضاف جهاز الأمن الداخلي أن المريمي، الذي وصفه بـ"المشتبه فيه"، عومل "معاملة كريمة وفقاً للنظم والقوانين والشريعة الإسلامية" خلال فترة احتجازه التي بدأت بناء على "تحريات جدية وشبهات مستمدة من وقائع مجرّمة" منذ نهاية مايو الماضي، قبل أن يعتقل وفقاً للوائح والتشريعات، ويُسلّم إلى النيابة العام صباح الخميس الماضي وهو "بحالة نفسية وصحية ممتازة"، وأن عناصر الجهاز انصرفوا بعد إبلاغهم بقرار تمديد حبسه.
وهذه الرواية تصطدم مباشرة مع بيان النيابة العامة، أمس الجمعة، التي ذكرت، عبر بيان رسمي، أن وكيل النيابة المكلف بالتحقيق مع المريمي استجوبه بعد تسلمه من جهاز الأمن الداخلي، الخميس الماضي، ثم "قرر الإفراج عنه". وأوضح بيان النيابة العامة أنها عندما كانت في انتظار ذوي المريمي لاصطحابه "اتجه (المريمي) إلى الخروج وقفز عبر الفراغ بين الدرج حتى الطابق الأرضي"، مما تسبب في إصابات نجم عنها نقله إلى المستشفى قبل وفاته.
هذا التناقض حول قرار الإفراج مقابل التمديد، وموقع المسؤولية، يضاف إلى رواية سابقة تزيد الغموض، حيث أعلنت مديرية أمن صرمان مساء الاثنين الماضي "خطف مجهولين" للمريمي، بعد العثور على سيارته مركونة على الطريق العام بالمدينة وداخلها ابنتاه الصغيرتان "وهما بحالة جيدة"، فيما كان هو مفقوداً.
وقفات ومطالب بالتحقيق في ظروف وفاة المريمي
وفي الأثناء، نظم العشرات من المواطنين وقفات احتجاجية في العاصمة طرابلس، وفي مدينة الزاوية، غرب طرابلس، وطالبوا بضرورة فتح تحقيق عاجل للكشف عن ظروف وملابسات وفاة المريمي، واتهموا جهاز الأمن الداخلي بالمسؤولية عن وفاته. وخلال ذلك، وصفت البعثة الأممية في ليبيا عملية القبض على المريمي بأنها "اختطاف"، وشددت على ضرورة فتح تحقيق "شفاف وشامل" لا يقتصر فقط على ظروف الوفاة داخل النيابة، بل يمتد ليشمل "احتجازه التعسفي، ومزاعم تعرضه للتعذيب في أثناء احتجازه منذ اختطافه في صرمان وحتى تسليمه للنيابة".
وسط هذه المواقف المتناقضة، قررت أسرة المريمي، ليل أمس السبت- الأحد، تأجيل جنازته إلى يوم الأحد، مطالبة بضرورة إجراء فحص الطب الشرعي من قبل جهة محايدة وموثوقة للوقوف على أسباب الوفاة الحقيقية، بحسب ما أكد الناشط المدني وصديق المريمي، أحمد الجراري. وأوضح لـ"العربي الجديد" أن تقرير الطب الشرعي سيوضح ما إذا كان المريمي قد تعرض للتعذيب أثناء احتجازه لدى جهاز الأمن الداخلي. وأشار إلى أن أسرة المريمي لديها شكوك في أن ابنها تعرض للتعذيب وعانى إصابات مباشرة جراء التعذيب، وأن ثبوت ذلك سيعزز مطالب تحقيقهم في اعتقالهم والتعرف على أسباب وفاته بشكل أقوى.
ويعد المريمي أحد أبرز الوجوه الناشطة في حراك مظاهرات إسقاط الحكومة في طرابلس، حيث برز منظماً ومشاركاً فاعلاً في هذه المظاهرات، كما أنه سَخَّر منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي للحثّ على التظاهر ورفع سقف المطالب الشعبية بإسقاط الحكومة التي وصفها بالفشل في إدارة البلاد وتأمين أبسط احتياجات المواطنين. وعُرف المريمي في أوساط النشطاء الليبيين بعد حادث اعتقال عمه، أبو عجيلة مسعود المريمي، المتهم من قبل الولايات المتحدة في تفجير طائرة "بان آم" فوق لوكربي عام 1988، وتسليمه من قبل حكومة الوحدة الوطنية إلى واشنطن في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وبمجرد انتشار نبأ وفاته، نظم العشرات من المحتجين في مدينتي طرابلس والزاوية وقفات احتجاجية أقدموا خلالها على إغلاق طرق رئيسية. وردد المحتجون هتافات حادة تندد بالحكومة وأجهزتها الأمنية، محملين المسؤولية الكاملة عن وفاة المريمي، وطالبوا بفتح تحقيق فوري ومحايد وكشف الحقيقة كاملة للرأي العام، فيما توجه بعضهم إلى مقر مكتب النائب العام نفسه للمطالبة باتخاذ إجراءات قضائية فورية ضد المسؤولين.
