
انتهى موسم 2024–2025 في الجزائر على وقع تناقضات حادة بين تطلعات جماهير الأندية، وواقع الأداء الميداني المتذبذب، رغم الدعم السخي من الدولة والشركات الراعية، والاستثمارات الكبيرة في سوق الانتقالات بضم العديد من اللاعبين الدوليين وأصحاب الخبرة الكبيرة. ومع ذلك، خطف عدد من النجوم الأضواء، وسُجّلت أحداث مثيرة ومؤسفة في المدرجات وعلى المستطيل الأخضر، بعضها حمل نكهة الإنجاز، وأخرى اتّسمت بالعنف والجدل التحكيمي، بينما تواصل مشهد إقالات المدربين بنسق مرتفع، قبل أن يُسدل الستار على الموسم بنهائي مثير في كأس الجزائر.
وحسم مولودية الجزائر لقب الدوري الجزائري لصالحه، ليتوج أصحاب اللونين الأخضر والأحمر بالبطولة التاسعة في تاريخهم، متجاوزين وفاق سطيف، ووراء كل من شبيبة القبائل وشباب بلوزداد. جاء تتويج رفقاء محمد رضا حلايمية (28 عاماً)، بفضل مسار مستقر نسبياً وقيادة محكمة من المدرب التونسي خالد بن يحيى (65 عاماً)، الذي أعاد الفريق إلى سكة النتائج الإيجابية بعد فترة من التراجع. مع التذكير بأن هذا اللقب هو الثالث على التوالي للمولودية مع مدرب أجنبي، بعد الفرنسي الراحل فرانسوا براتشي عام 2010، ثم الموسم الماضي تحت قيادة مواطنه باتريس أمير بوميل (47 عاماً)، بينما يبقى الراحل عبد الحميد كرمالي آخر مدرب جزائري قاد المولودية للتتويج وكان ذلك عام 1999.
وشهد الموسم الكروي المنقضي كذلك عودة قوية من نادي شبيبة القبائل، باحتلاله المركز الثاني في جدول الترتيب، ليضمن بذلك مشاركته في مسابقة دوري أبطال أفريقيا في نسختها المقبلة بعد غياب قاري دام موسمين. أما شباب بلوزداد، فرغم تذبذب مستواه، فقد ضمن المشاركة القارية السابعة توالياً، هذه المرة في كأس الكونفيدرالية الأفريقية، مواصلاً حضوره المنتظم في محافل القارة السمراء. في المقابل، ودّع نجم مقرة واتحاد بسكرة القسم الأول، ليصبح نجم مقرة النادي رقم 59 الذي ينزل منذ صعوده، فيما لا تزال أربعة فرق فقط لم يسبق لها السقوط، منها شبيبة القبائل وشبيبة الساورة.
وقبل كل هذا، كان سوق الانتقالات الصيفية قد شهد ضم أسماء بارزة وعودة نجوم جزائريين إلى البطولة المحلية، لكن أغلبهم فشل في تقديم الإضافة المرجوة، أبرزهم إسلام سليماني (37 عاماً)، الهداف التاريخي لمنتخب الجزائر، الذي عاد إلى شباب بلوزداد بعد تجربة أوروبية طويلة، غير أنه لم ينجح في فرض نفسه وسجل هدفين فقط ليعود إلى القارة العجوز من جديد في الميركاتو الشتوي تجاه فيسترلو البلجيكي. أما أندي ديلور (33 عاماً) فرغم التزامه في التدريبات مع مولودية الجزائر، فإنه لم يحقق المأمول على المستوى التهديفي، مكتفياً بثلاثة أهداف في عشر مباريات مع إضاعة ركلتي جزاء، ويعود بدوره إلى مونبولييه الفرنسي بعد ستة أشهر فقط. زميله الطيب مزياني (29 عاماً) بدوره لم يُقنع، في وقت عانى حسام غشة مع اتحاد العاصمة من غياب الفعالية رغم قدومه بصفقة باهظة من الترجي التونسي، وهو حال الظهير الأيسر إلياس شتي (30 عاماً) القادم من الوداد المغربي.
ويبقى من اللافت أن أسماء أقل شهرة نجحت في خطف الأنظار، وعلى رأسها عادل بولبينة (22 عاماً)، الذي تُوّج هدافاً للدوري برصيد 20 هدفاً وفرض نفسه نجم المسابقة بلا منازع، ما جعله محل متابعة مكثفة من عدة كشافين، أبرزهم ممثلون عن أندية هال سيتي الإنكليزي وأياكس أمستردام الهولندي، قبل أن يحسم وجهته نحو الدحيل القطري مقابل سبعة ملايين يورو، في أغلى صفقة بتاريخ البطولة الجزائرية منذ انتقال هشام بوداوي (25 عاماً)، إلى نادي نيس الفرنسي عام 2019 بنحو أربعة ملايين يورو. كما تألق لاعب شباب قسنطينة إبراهيم ديب (31 عاماً) بشكل كبير، في حين لفت لحلو أخريب (20 عاماً)، نجم شبيبة القبائل، أنظار أندية فرنسية مثل مونبلييه ونيس ولوهافر، لكن إدارة فريق الكناري عبّرت عن تمسّكها بخدماته.
ولم يكن الموسم خالياً من الجدل التحكيمي، بل بلغ ذروته مع فضيحة الحكم لطفي بوكواسة (37 عاماً)، الذي تراجع عن هدف لشباب قسنطينة ضد نجم مقرة، بعد مراجعة غير قانونية عبر هاتف نقال، ليُقرر الاتحاد الجزائري لكرة القدم إيقافه لثلاثة أشهر، كما أُوقِف الحكم مصطفى غربال (39 عاماً) عن بعض مباريات الموسم، رغم أنه كان معنياً بالمشاركة في كأس العالم للأندية الجارية حالياً في الولايات المتحدة الأميركية. هذا التصعيد دفع رئيس الاتحاد وليد صادي (45 عاماً) إلى عقد اجتماعات طارئة مع الحكام والأندية، وبحث إمكانية تعميم تقنية "الفار" على كل الملاعب خلال الموسم القادم.
وشهدت بعض مباريات الموسم أحداث عنف مؤسفة، أبرزها مواجهة اتحاد بسكرة ومولودية الجزائر، التي خلفت وفاة مشجع وحرق حافلة وبعض الممتلكات العمومية. كما توفي أربعة مشجعين وأصيب العديد من الجرحى في مباراة الجولة الختامية بين مولودية الجزائر ونجم مقرة، التي احتضنها ملعب خمسة يوليو، ما دفع الاتحاد إلى التحرك ودعوة الأندية لاجتماعات طارئة.
كما سُجّلت اعتداءات لفظية من لاعبين على حكام، مثل مدافع مولودية الجزائر أيوب عبد اللاوي (32 عاماً)، ووسط ميدان شباب بلوزداد عبد الرؤوف بن غيث (29 عاماً)، ما استدعى عقوبات صارمة من لجنة الانضباط، التي شددت في بياناتها على ضرورة التحلي بالروح الرياضية، ولوّحت بخيار إقامة مباريات دون جمهور.
وواصلت الأندية الجزائرية تغيير المدربين بوتيرة سريعة، إذ سُجّلت أكثر من 21 حالة إقالة أو استقالة هذا الموسم. وكان من أبرز المغادرين، عبد الحق بن شيخة (61 عاماً) من شبيبة القبائل، وعبد القادر عمراني (69 عاماً) من شباب بلوزداد. أما اتحاد العاصمة فقد تخلّى عن التونسي نبيل معلول (62 عاماً)، ثم البرازيلي ماركوس باكيتا (66 عاماً)، بينما غادر الفرنسي باتريس بوميل مولودية الجزائر، الذي لم يُجدد عقد مدربه التونسي خالد بن يحيى رغم قيادته الفريق إلى التتويج. كما غادر نبيل الكوكي (55 عاماً) وفاق سطيف بعد نهاية الموسم، رغم أنه كان قد خلف، قبل فترة قصيرة، الجزائري رضا بن دريس، وأقيل كذلك التونسي راضي الجعايدي (49 عاماً) من نادي بارادو. في المقابل، شكّل كل من خير الدين مضوي (48 عاماً) من شباب قسنطينة وسمير زاوي (49 عاماً) من أولمبي الشلف، الاستثناء، باستمرارهما طيلة الموسم الكروي.
وأسدل الستار، أمس السبت، على الموسم الكروي في الجزائر بنهائي كأس الجمهورية، الذي احتضنه ملعب نيلسون مانديلا ببراقي، وشهد تتويج اتحاد العاصمة بلقبه التاسع في المسابقة، إثر فوزه المستحق على شباب بلوزداد (2-0). ووقع "سوسطارة" على إنجاز دفاعي نادر، بعدما أنهى مشواره في الكأس دون أن تهتز شباكه في خمس مباريات متتالية. وقد جرى النهائي وسط إجراءات أمنية مشددة، بعد فاجعة ملعب خمسة يوليو، وبحضور جماهيري غفير قُدّر بـ20 ألف متفرج.
هكذا انتهى موسم حافل بالتناقضات في الكرة الجزائرية، بين تألق فردي وتراجع جماعي، وبين طموحات مشروعة وعقبات تنظيمية، في انتظار موسم جديد أكثر استقراراً واحترافية، مع وعود بتعميم تقنية "الفار"، وتحسين ظروف المنافسة والتحكيم، إضافة إلى تطبيق قرار تقليص عدد الجماهير بنسبة 25%، في خطوة أولى للحد من مظاهر العنف والصدام بين الجماهير في الملاعب.

Related News


