
كان إيقاف الحرب بين روسيا وأوكرانيا من ضمن تعهدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعلن أكثر من مرّة أنه من خططه الأساسية بعد انتخابه، وأغدق مجاملاتٍ على الرئيس بوتين في سبيل التقرّب من الجانب الروسي قليلاً، ووجّه لوماً لأوروبا ولسلفه جو بايدن الذي كان يتصدّر الموقف في دعم أوكرانيا. ظنّ ترامب أن وصوله إلى البيت الأبيض سيحرّك بوتين لتوطيد العلاقة به وإيقاف الحرب تلبيةً لطلبه، ولكن ما حصل بعد وصول ترامب إلى كرسي الرئاسة مُحبط في هذا السياق، وغير مطمئن، ولا يصبّ في أي حال في صالح وقف المعارك. وكان الرئيس الأوكراني زيلينسكي قد دعا إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار، ولم يلتفت بوتين إلى ذلك، بل استمرّ بزخمه العسكري، ما دفع ترامب إلى أن يكتب على "السوشال تروث": "فلاديمير، توقف". وبالأمس فقط هاتف ترامب بوتين، ودار حديثهما بالطبع عن وقف الحرب. ولكن ما إن أغلق الهاتف، حتى انهمرت الطائرات المسيّرة والصواريخ على أوكرانيا، ما أظهر أن بوتين غير راغبٍ في أي حالة سلام، ويستغل الضغط الأميركي على زيلينسكي ليزيد من مكاسبه على الأرض فقط.
يستخدم بوتين موقف ترامب إلى أقصى حد، ويتغوّل في قصف الأوكرانيين، غير عابئ بالفاتورة البشرية التي تسقط على الجانب الأوكراني، ولا حتى بخسائر روسيا المتفاقمة مع حملاته الغزيرة التي سرّعت أخيراً من تقدّمه، وإنْ على حساب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة... تساعد مواقف ترامب المتذبذبة في تشدّد بوتين العسكري، والمشهد الذي رآه العالم في البيت الأبيض لترامب ونائبه يتناوبان في التهجّم على زيلينسكي ومحاولة إسكاته شاهده بوتين، ووظّفه لصالحه في أرض المعركة. عاد ترامب بعدها إلى تليين موقفه، فتكلم مع زيلينسكي، وعقد معه اتفاقاً مهماً حول المعادن الثمينة، فتقدّم بوتين في أراضٍ أوكرانية تحتوي على بعض من تلك المعادن من دون الالتفات إلى موقف ترامب الذي أوقف، في الأسبوع الماضي، شحنة أسلحة مهمة كانت في طريقها إلى أوكرانيا، بينما بوتين في خضم حملة قصف جوي شديدة طاولت مساحات كبيرة، وأهداف بعضها مدني، في أوكرانيا... لا يساعد موقف ترامب المتراقص أي سلام ممكن، ولا يؤدّي إلى تحقيق ما ردّده بأنه قادر على أن يوقف الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة.
يبدو ترامب بمواقفه المتأرجحة حائراً في كيفية معالجة الأمر، فهو يرغب في التمسّك بتعهده القاضي بإنهاء المسألة، وضغط على زيلينسكي لتحقيق ذلك، وقد بدا زيلينسكي كأنه الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، وظهر في لحظة ما خائر القوى، ومستعدّاً للتجاوب، ولكن بوتين حافظ على موقفه المتصلب الجاد في المضي بالحرب، ومن دون أن يبني ترامب استراتيجية واضحة لوقفها تبدو الفرص قليلةً مع شخصٍ مثل بوتين الذي يشكل الموقف الأميركي المتذبذب حافزاً إضافياً له ليبقي ضغطه متواصلاً على أوكرانيا. ولا يبدو الموقف الأوروبي مؤثراً كثيراً، رغم أن دولاً أوروبية تقدّمت بخطوة تحدٍّ نحو بوتين بتقديم مزيد من المساعدات إلى أوكرانيا. في إعلان مساندة راسخة في أوج هجوم بوتين الجنوني، تقول أوروبا إنها لا تنوي التخلي عن أوكرانيا، وهو موقف إيجابي، ولكنه غير كافٍ.
قد لا يستطيع ترامب إنهاء الحرب بالتعادل، ولكنه يستطيع أن يوقف الهمجية الروسية لبوتين الذي يوغل في دماء الأوكرانيين، وفي وسعه تكثيف العقوبات وإعادة تزويد أوكرانيا بالأسلحة القادرة على توقيف المسيّرات والصواريخ. وبالتعاون الأوروبي الأميركي، يمكن تحويل القاعدة الحالية للحرب التي يتقدّم بوتين فيها على الأراضي الأوكرانية، إلى وضع معاكس. ورغم أن بوتين ما زال قادراً على تمويل حربه، إلا أن تلك الحرب تكبل يديه في الداخل وتحرجه أمام أنصاره، وقد يضطرّ إلى تغيير بعض من مواقفه، وتصبح الأمور أكثر سهولة في تحقيق السلام، ولكن ذلك يبقى رهناً بقدرة ترامب على حسم ما يجب حسمه.

Related News
