
يشعر مهاجرو أميركا، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، بأنهم مستهدفون وغير مرغوب بهم، وحتى عاجزون، لدرجة أن كثيرين باتوا يخشون اعتقالهم، وواجه قليل من المهاجرين قرارات إدارة ترامب بالمشاركة في احتجاجات ضد المداهمات، لكن ذلك لا يمنع اتفاقهم جميعاً على أن "الصمت ليس الحل".
ويؤكد محللون نفسيون أميركيون إن إحساس المهاجرين بالخطر، سواء كانوا من الجيل الأول أو الرابع، أو غير شرعيين، أو طلاب جامعيين، يمسّ هويتهم بشكل عميق. وتقول أخصائية علم النفس في جامعة إلينوي بشيكاغو ومديرة برنامج الصحة النفسية للمهاجرين، دانا روش، لمجلة "نيويوركر"، إن "الضرر النفسي الذي يلحق بالمهاجرين بسبب حملات إنفاذ القانون والخطابات المعادية تختلف عن إدارة ترامب الأولى بين عامي 2017 و2021. يسألني المرضى الأصغر سناً عن سبب كره الناس للمهاجرين، أو كره عائلاتهم، وأجد صعوبة في الإجابة، وأرد عادة بالتحدث عن القمع بطريقة تناسب أعمارهم".
وتلاحظ الطبيبة النفسية في جامعة كاليفورنيا، إريكا لوبلينر، والتي تُدير عيادة تُقدم خدمات الصحة النفسية للاتينيين، تزايد الأثر النفسي للمداهمات على مرضاها، وتقول: "خلال إدارة ترامب الأولى، كنت أتابع حالات في طب نفس الأطفال والمراهقين، وشهدت الكثير من الخوف والقلق لدى تلاميذ تهربوا من المدارس، وأيضاً لبالغين تخوفوا حتى من الذهاب إلى مواعيد الأطباء، أما الآن فالناس عالقون في منازلهم، ويتحدث الأطفال مع آبائهم عن خطط بديلة في حال ترحيلهم، وإحدى مريضاتي تخشى الخروج لدرجة أنها تستعين بجارتها لمساعدتها في رمي القمامة. وحصل أن خُطف أشخاص من الشوارع، ولم يعرف أفراد عائلاتهم إلى أين أخذوا. مستوى الرعب لدى المهاجرين غير مسبوق".
وبالنسبة إلى العديد من المهاجرين، تُعيد مخاوفهم إلى الأذهان صدمات الماضي الذي عاشوه في بلدانهم الأصلية، والرحلات التي خاضوها إلى الولايات المتحدة، والاستقرار الصعب. ويروي أشخاص من أميركا اللاتينية ذكريات عن الفقر المدقع والمعاملة السيئة، أو التمييز باعتبارهم من السكان الأصليين. ويذكر كثيرون أنهم تعرضوا لممارسات عنيفة خلال رحلاتهم إلى الشمال، والتي شملت جرائم قتل، واعتداءات جسدية وجنسية، وخطف وابتزاز، وعمل قسري.
وتقول روش: "أجبروا على العمل مقابل الطعام والمأوى، أو طلب منهم العمل فترة زمنية معينة للوصول إلى المحطة التالية في الطريق. وطبق ذلك على أفراد غير مصحوبين بذويهم، وأيضاً على عائلات قطعت الرحلة جماعياً، وحين وصلوا إلى الولايات المتحدة خيّم عليهم خطر الترحيل، وواجه العديد من الأطفال صعوبات في الدراسة، وعانى بالغون من نقص فرص العمل الذي جعل الطعام شحيحاً. وهم يسمعون الان مسؤولي إدارة ترامب يقولون إنهم جميعاً مجرمون وكثير منهم عنيفون".
تتابع: "أحياناً يُدرك بعض من يجلسون في مكتبي أنهم آمنون، على الأقل مقارنة باللحظات السابقة، لكن تجاربهم تُطاردهم. يجدون صعوبة في الثقة بالناس. كان يجب أن يكونوا متيقظين دائماً خلال محاولتهم الوصول من أميركا الوسطى إلى المكسيك سيراً على الأقدام، والآن يشعرون بالشيء نفسه في بلد لا يعرفونه حيث يتحدث الناس لغة لا يفهمونها، ووضعهم محفوف بالمخاطر".
وتشرح روش أنها تُشخّص حالات مرضاها من المهاجرين بأنها صدمة واكتئاب وردة فعل طبيعية على ظروف استثنائية. وفعلياً لا يرغب كثيرون في التحدث عن صدماتهم، بل عن أساليب الشعور بالتمكين في حياتهم اليومية عبر الحصول على تصاريح عمل واكتساب مهارات في مهن معينة، وتعلّم اللغة الإنكليزية، والاستعداد للإجابة عن أسئلة محامي الهجرة، أو كسب أموال لإرسالها إلى أقارب في وطنهم لأنهم قد يشعرون بعدم الرضا إذا أهملتهم عائلاتهم أو أساءت معاملتهم".
بدورها، تخبر الأستاذة المساعدة في كلية الطب بجامعة هارفارد وأخصائية علم النفس في مستشفى ماساتشوستس، جيني تشن دوان، أنها تشرف حالياً على عدد حالات أكبر من المعتاد من مرضى مهاجرين، وأنها وسّعت نطاق رعايتها لتشمل ربطهم بالخدمات القانونية والمساعدة المتبادلة وتزويدهم معلومات حول حقوقهم.
ويقول معالجون نفسيون إنهم يشجعون المرضى المهاجرين على مواجهة مخاوفهم مباشرة، ويعملون معهم لوضع خطط لما يجب فعله في حال حصل الأسوأ، من بينها كيف سيتصرفون إذا احتُجزوا أو رُحِّلوا؟ ومن يستطيع الأطفال التواصل معهم إذا فُصلوا عن والديهم؟ وأين سيحاول أفراد الأسرة الالتقاء مجدداً؟ قد تكون هذه النقاشات صعبة لكنها قد تساعد المهاجرين أيضاً على اكتساب شعور بالمسؤولية، والشعور بأن هناك على الأقل بعض الأمور التي يمكن أن يتحكموا بها.
(العربي الجديد)

Related News
