
أدّى تسليم حركة حماس ردها على الإطار المعدّل من مقترح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، الذي قدّمه لها الوسطاء القطريون والمصريون، إلى حالة تفاؤل في الأوساط الفلسطينية بالوصول إلى اتفاق ينهي حرب إبادة غزة المتواصلة للشهر العشرين. وأعلنت الحركة، مساء أمس الجمعة، أنها "أكملت مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية حول مقترح الوسطاء الأخير لوقف العدوان على شعبنا في غزة، وقامت بتسليم الرد للإخوة الوسطاء، والذي اتسم بالإيجابية، والحركة جاهزة بكل جدية للدخول فوراً في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار".
وفتح الرد الأولي للحركة الباب أمام إمكانية الوصول إلى وقف إطلاق نار من جديد، يتوقّف معه القتل والإبادة اليومية التي يتعرض لها أكثر من مليوني نسمة، بعد أن خرق الاحتلال الإسرائيلي اتفاق 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، ورفض الانتقال إلى المرحلة الثانية. وبالتزامن مع موقف "حماس" والفصائل الفلسطينية، حضر موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتفائل بإمكانية الوصول إلى صفقة تبادل جديدة، حيث يستعد لاستقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يصل إلى واشنطن الاثنين المقبل.
محمد الأخرس: فرص التوصل إلى اتفاق مرتبطة بعدة ديناميات
شعبياً، يبدو الفلسطينيون في حالة ارتياح ممزوج بالأمل بأن يتم الوصول إلى اتفاق لوقف إبادة غزة في أسرع وقت ممكن، تنتهي معه معاناتهم المتواصلة على مدار الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى جانب وقف حالة التجويع التي تعصف بهم. ويأمل الفلسطينيون في قطاع غزة أن يتمكن الوسطاء في الوصول إلى اتفاق خلال الأسبوع الحالي يتوقف معه شلال الدماء المتواصل وعمليات القصف الجوي والمدفعي التي تطاولهم إلى جانب أوامر الإخلاء التي اقتربت من 81 في المائة من مساحة قطاع غزة.
وقالت الفلسطينية فاطمة المقيد، لـ"العربي الجديد"، إنها تأمل أن تتكلل جهود الوسطاء بالنجاح، بعدما سلمت حركة حماس ردها بالموافقة على اتفاق الإطار الذي عرضه عليها الوسطاء نهاية الأسبوع الماضي، وأن تتوقف هذه الحرب. وأضافت المقيد: "نأمل في استراحة، ولو مؤقتة، من هذه الحرب التي سلبتنا أبسط تفاصيل حياتنا. نريد أن يدخل الطعام والشراب وأن نسترد جزءاً من الحياة البشرية الاعتيادية التي يعيشها العالم". وطالبت الوسطاء بالضغط على كل الأطراف لإتمام الاتفاق والعمل على إنهاء الحرب كلياً ووقف القتل اليومي، قائلة: "بدنا (نريد) هذا القتل والدم اليومي (أن) يتوقف. تعبنا ونحن نودع كل يوم قريب وابن".
تفاؤل ومخاوف من صدمة
أما الفلسطيني أحمد المدهون فذكر أنه يعيش حالة من الأمل والتفاؤل التي لا يرغب في أن تنتهي بالصدمة إذا فشلت الجهود لوقف إبادة غزة نظراً لما حدث في محطات سابقة خلال مفاوضات وقف إطلاق النار بين الاحتلال و"حماس". وقال المدهون، لـ "العربي الجديد"، إن "الناس في غزة وصلوا إلى أقسى وأصعب مراحل التعب والألم. يتحركون كهياكل عظمية. لا طعام ولا شراب ولا حياة آدمية، وقصف متواصل بشكل يومي يطاول كل المناطق". وأضاف: "جميع أهالي غزة ينتظرون زيارة نتنياهو البيت الأبيض ولقاءه بترامب على أمل أن يتمكن الأخير من الضغط عليه للقبول بإبرام الصفقة، بعدما سلمت حماس والفصائل ردها على المقترح الأخير". ونص المقترح المعدل الذي قدمه الوسطاء لحركة حماس والفصائل الفلسطينية على إبرام صفقة تبادل مقابل تسليم 10 أسرى إسرائيليين أحياء و18 جثة على مدار 60 يوماً، يتم معها إطلاق مباحثات لوقف كامل للحرب في غزة وإنهاء الإبادة.
فرص مرتفعة للاتفاق على وقف إبادة غزة
إلى ذلك، قال الباحث والمختص في الشأن الفلسطيني محمد الأخرس إن فرص التوصل إلى اتفاق بين الأطراف المعنية تبدو مرتفعة، إلا أنها تبقى مرتبطة بعدة ديناميات، أبرزها الوضع الداخلي لنتنياهو، ومدى جدية واستعداد الإدارة الأميركية لممارسة ضغط فعّال عليه من أجل تسريع المسار التفاوضي. وأوضح الأخرس، لـ "العربي الجديد"، أن نتنياهو بطبيعته يميل إلى المماطلة والتأجيل، وربما يسعى إلى تأجيل أي اتفاق حتى نهاية الشهر الحالي، مستفيداً من دخول الكنيست في عطلة تشريعية، إلا أن ضغطاً أميركياً قوياً وحقيقياً قد ينجح في تقليص هامش المناورة أمامه.
سليمان بشارات: هناك ثلاث قضايا رئيسية تُشكل تحفظات جوهرية في المفاوضات
وأشار الأخرس إلى أن هناك عوامل داخلية إسرائيلية تؤثر على موقف نتنياهو السياسي، من بينها أزمات ائتلافه الحكومي، ومحاولاته المستمرة لاسترضاء شركائه لضمان بقائه في السلطة، مضيفاً أن كل هذه العوامل مجتمعة تؤثر في مسار العملية التفاوضية، لكن فرص التوصل إلى اتفاق لوقف إبادة غزة في الوقت الحالي تبدو أعلى مقارنة بالفترات السابقة. وبيّن أن ما يميز هذه المرحلة هو وجود بيئة مواتية أكثر للذهاب نحو اتفاق، في ظل حديث متزايد داخل إسرائيل عن احتمال التوجه إلى انتخابات مبكرة، سواء نهاية العام الحالي أو خلال العام المقبل.
وذكر الأخرس أن الإدارة الأميركية معنية كذلك بالدفع نحو تسويات إقليمية تخدم توجهات ترامب السياسية، مشيراً إلى أن أغلب القراءات الإقليمية ترى أنه لا يمكن المضي في أي تسوية إقليمية دون معالجة ملف قطاع غزة. ولفت إلى أن المشهد الإسرائيلي الداخلي يشهد خسائر سياسية متصاعدة نتيجة حالة الاستنزاف المستمرة في قطاع غزة، إضافة إلى تحوّل موقف القيادة العسكرية الجديدة في إسرائيل نحو الدفع باتجاه تسويات، وهو ما يجعل المشهد مختلفاً عن المرات السابقة.
وفي ما يتعلق بالتعديلات التي طالبت بها المقاومة الفلسطينية لوقف إبادة غزة أوضح الأخرس أن الإسرائيليين حتى الآن يرفضونها، رغم وصف المقاومة لها بأنها "غير جوهرية"، مؤكداً أن الأمر مرتبط بمدى قدرة الوسطاء على الضغط على إسرائيل وإدارة عملية تفاوضية تفضي إلى نتائج تُرضي المقاومة الفلسطينية.
فرص متقدمة مرهونة بتفاصيل
إلى ذلك، رأى الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات أن ما يجري الحديث عنه حالياً لا يزال ضمن إطار عام لاتفاق محتمل، موضحاً أن فرص التوصل إلى هذا الإطار تبدو متقدمة، لكنها مرهونة بتفاصيل شائكة لا تزال قيد التفاوض، مشيراً إلى أن "التفاؤل السائد عام، وليس تفاؤلاً ببلوغ اتفاق نهائي". وقال بشارات، لـ "العربي الجديد"، إن هناك ثلاث قضايا رئيسية تُشكل تحفظات جوهرية في المفاوضات لوقف إبادة غزة الأولى تتعلق بحجم وطبيعة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بما يشمل القوائم والأسماء، وما إذا كان هناك فيتو إسرائيليا على بعض الأسماء، مضيفاً: "رغم حساسية هذا الملف، إلا أنني أعتقد أنه سيكون من الأسهل تجاوزه بدفع من الوسطاء والمقاومة، لتفادي تحوله إلى معضلة تعيق التقدم".
أما القضية الثانية، بحسب بشارات، فتتعلق بشكل وطبيعة الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، مشيراً إلى أن "المقاومة تطالب بعودة الوضع الميداني إلى ما كان عليه بعد اتفاق يناير الماضي، بينما تسعى إسرائيل لتثبيت مواقع جديدة سيطرت عليها، من بينها ممر موراغ (جنوب القطاع)، ما يجعل التفاهم على هذا الملف معقداً ويحتاج إلى وقت وجهود مكثفة وآلية تنفيذ واضحة".
وفيما يخص القضية الثالثة، ذكر أنها تتعلق ببروتوكول المساعدات الإنسانية، حيث أن المقاومة تصر على اعتماد البروتوكول الذي أُرفق باتفاق يناير الماضي، في حين تعمل إسرائيل والولايات المتحدة على إنشاء كيانات وسيطة في قطاع غزة لتوزيع المساعدات، ما يثير تساؤلات حول آليات التوزيع، ودرجة تدخل الاحتلال في العملية. وأكد بشارات أن الاحتلال والولايات المتحدة يحاولان خلق مناخ من التفاؤل المفرط كوسيلة ضغط على المقاومة، لإظهار أي رفض فلسطيني وكأنه معرقل لحل إنساني طال انتظاره، قائلًا: "يريدون من هذا الزخم أن يُترجم إلى ضغط نفسي وسياسي على المقاومة لقبول الاتفاق كما هو، دون التوقف عند التفاصيل الدقيقة". وأشار إلى أن ما يميز هذه الجولة من التفاوض هو ما اكتسبته المقاومة من خبرات سابقة، خصوصاً في التعامل مع مفاهيم فضفاضة ومصطلحات قد تُستخدم لاحقاً للإنقلاب على الاتفاق، معتبراً أن "المعركة في هذه المرحلة باتت أصعب، ليس فقط حول النقاط الجوهرية، بل أيضاً على مستوى اللغة والمصطلحات وآليات التنفيذ".

Related News

