سجال بريطاني حول حوادث الكراهية غير المُجرّمة
Arab
1 week ago
share

في خضمّ الجدل المتصاعد في بريطانيا حول حدود حرية التعبير، عاد مصطلح "الحوادث الكيدية التي لا تُعد جريمة" إلى واجهة النقاش العام، وسط تحذيرات من أن الشرطة تنحرف عن مهمتها الأساسية إلى ملاحقة نزاعات أيديولوجية على شبكة الإنترنت.
ودعا تقرير حديث صادر عن مركز الأبحاث البريطاني "سيفيتاس"، إلى إلغاء هذه الممارسات التي تُسجَّل بصفة وقائع رسمية رغم عدم احتوائها على أي فعل إجرامي. ويعتبر التقرير المعنون بـ"طبقات متعددة من العدالة"، أن هذه السياسة تُهدر وقت الشرطة البريطانية، وتُساهم في خلق "تمييز غير معلن" بين الطوائف الدينية، إذ تُمنح بعض المجموعات مثل المسلمين واليهود اهتماماً أكبر في سياسات التصدي للكراهية، بينما تُهمّش مجتمعات أخرى كالهندوس والبوذيين والسيخ.
ويؤكد معد التقرير هارديب سينغ أن بعض النشطاء باتوا يستغلون هذه الحوادث سلاحاً سياسياً ضد خصومهم، مستشهداً بحادثة سُجّلت فيها طفلة في التاسعة من عمرها بتهمة "حادث كراهية غير مُجرّم" بسبب استخدامها لفظاً غير لائق في المدرسة، مشيراً إلى أنه في عام واحد فقط سُجّلت أكثر من 13 ألف واقعة مشابهة، بحسب سجلات الشرطة.
بدوره، دعا السير آندي مارش، رئيس "كلية الشرطة" وأحد أقدم القادة الأمنيين في البلاد، إلى إعادة تركيز جهود الشرطة على الجرائم الفعلية، مثل السرقات، محذّراً من أن "الانشغال بخلافات تافهة على الإنترنت يقوّض ثقة الناس بالقوى الأمنية. إذا تجاهلنا الجريمة والسلوك المعادي للمجتمع، يبدأ الناس في فقدان الثقة بنا، وإذا فقدنا الثقة، نفقد قدرتنا على فرض القانون".
وكشف تقرير نشرته مجلة The Spectator، عن أمثلة وُصفت بـ"العبثية"، كتوثيق بلاغ ضد رجل في بيدفوردشير لأنه كان يصفر لحن برنامج أطفال كلما رأى جاره، ما اعتُبر "حادث كراهية غير مُجرَّم". وبين عامي 2014 و2019، سجّلت الشرطة نحو 120 ألف واقعة من هذا النوع، بمعدل 65 حالة يومياً. ورغم أن هذه الحوادث لا تُصنّف باعتبارها جرائم، إلا أنها قد تُسجّل ضمن سجل التحقق الجنائي الموسّع (DBS)، ما قد يُعيق فرص أصحابها في التوظيف أو العمل التطوعي، بمن فيهم الأطفال، من دون وجود أي حكم قضائي أو تهمة جنائية. 

ورغم إقرار إرشادات جديدة في عام 2023، للحد من تسجيل هذه الوقائع، تقول "نقابة الدفاع عن حرية التعبير" إن بعض المناطق شهدت ارتفاعاً في البلاغات بدلاً من انخفاضها. في المقابل، ترى بعض الجهات الأمنية أن تسجيل هذه الحوادث يندرج ضمن جهود رصد التوترات المجتمعية قبل تفاقمها، إلا أن وثائق رسمية كشفت أن الشرطة في لندن ومانشستر ووست ميدلاندز لا تحلل هذه البيانات أصلاً. والعام الماضي، أكد كبير مفتشي الشرطة الملكية آندي كوك أن "الشرطة ليست شرطة أفكار"، معتبراً أن الكثير من هذه الحوادث لا تعدو كونها "مشاعر مجروحة".
واقترح النائب المحافظ كريس فيليب تعديلاً قانونياً لمنع تسجيل البيانات الشخصية في مثل هذه الحالات ما لم تكن ضرورية للكشف عن جريمة أو منعها، إلا أن فرص تمرير هذا التعديل لا تزال محدودة، رغم تعهّد حزب المحافظين بإنهاء هذه الممارسة.
من الناحية القانونية، يُفرّق النظام البريطاني بين "جريمة الكراهية" و"حادث الكراهية غير المُجرَّم". فالأولى تشمل أفعالاً واضحة مثل الاعتداء أو التهديد أو التخريب بدافع عنصري أو ديني، وهي تُحال إلى القضاء. أما الحادث غير المُجرَّم، فهو مجرد موقف يُسجَّل إدارياً إذا اعتُبر مهيناً أو متحيزاً ضد فئة محمية كالأقليات الدينية أو العرقية أو ذوي الإعاقة، وقد يكفي شعور شخص ما بالإهانة لتسجيل الواقعة من دون دليل مادي.

وفيما ينعكس هذا الجدل في أروقة السياسة، فإن صداه يتردد في الشارع البريطاني أيضاً، وهناك نقاشات محتدمة على منصات التواصل الاجتماعي، تكشف انقساماً واضحاً بين من يرى في هذه السياسة ضماناً لحماية الفئات المستهدفة، ومن يخشى أن تتحول إلى أداة رقابية لخنق التعبير وتصفية الحسابات.
وكتب أحد البريطانيين: "ليست لدينا حرية تعبير. الحوادث غير المُجرَّمة مثال بسيط على ذلك". بينما تساءل آخر ساخراً: "هل أصبح مجرد التصفير يستدعي تدخل الشرطة؟". ويشير ضابط شرطة سابق إلى أن هذه الحوادث تُسجّل عادة من قبل موظفين إداريين، وليس من قبل ضباط الدوريات، مؤكداً أن "الأمر يبدأ من البلاغ، لا من الشرطة ذاتها".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows