
لم يكن جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الجمعة، كعادته، موجوداً كي يستعد لقمع فعاليات شعبية فلسطينية لجموع قدمت من بلدتَي سنجل شمالي رام الله، وسط الضفة الغربية، والمزرعة الشرقية شمال شرقي رام الله، ووصلت إلى أراضي جبل الباطن الواقع بين البلدتَين، والذي حُرم الأهالي من الوصول إلى مساحات شاسعة منه بفعل اعتداءات المستوطنين.
يأتي غياب جيش الاحتلال الإسرائيلي عن القمع رغم أن الفعالية الشعبية للوصول إلى الأراضي والتصدي للمستوطنين كانت معلنة منذ أيام من المجالس المحلية. ويرى الأهالي أن غياب جيش الاحتلال لم يكن سوى لإعطاء المستوطنين الفرصة الكاملة للاعتداء على الأهالي الذين قدموا إلى أراضيهم، فالبؤرة الاستيطانية الواقعة على خربة التل الأثرية على أراضي سنجل، التي لا يتعدى من يوجدون فيها عادة 20 شخصاً، كانت اليوم الجمعة مقراً لقرابة مئة مستوطن، يبدو أنهم كانوا ينتظرون وصول الأهالي من أجل الاعتداء عليهم.
اندلعت مواجهات بالحجارة على أطراف خربة التل بين الأهالي والمستوطنين، إذ تميز المستوطنون بارتدائهم جميعاً غطاء الوجه، وتحركهم جماعياً، في وقت تمكن الأهالي من إحراق أجزاء من الأعشاب حول المنطقة، والتقدم إلى أقرب نقطة من الخربة، لكن قدوم عدد من جيبات الاحتلال كان بمثابة المحفز للمستوطنين للاستقواء بالجيش، والهجوم على الأهالي وعدد من الصحافيين.
وقامت مجموعة أخرى من المستوطنين باستخدام مركبات، بالالتفاف من ناحية جبل الباطن، وتحطيم عدد من المركبات، بينها مركبة لصحافيين، وأخرى لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، ومركبة تحمل العلمَين الفلسطيني والأميركي، إذ قدم عدد من أصحاب الأراضي الذين يحملون الجنسية الأميركية، ووضعوا تلك الأعلام على مركباتهم، لكنّها لا تعني أي شيء للمستوطنين طالما المستهدف فلسطيني.
وتمكّن الشبان من إحراق خيمة في جبل الباطن، كانت حتى أمس الخميس، بؤرة استيطانية رعوية استمر تواجدها أكثر من أسبوع، وكذلك تمكنوا من إحراق البؤرة المقامة على خربة التل بعد انسحاب المستوطنين. وتكثفت محاولات السيطرة على أراضي جبل الباطن وخربة التل منذ شهرين، بإقامة عدد من البؤر الاستيطانية، التي سرعان ما يقوم المستوطنون بإعادة إقامتها في كل مرة يجري فيها إزالتها.
ويؤكّد رئيس بلدية سنجل معتز طوافشة لـ"العربي الجديد" أن المستهدف أساساً هو قرابة ستة آلاف دونم من أراضي المزرعة الشرقية، لكنها مفصولة عنها بالشارع الرئيسي المسمّى شارع 60، وفي المقابل متصلة جغرافياً ببلدة سنجل. ويوضح طوافشة أن محاولات السيطرة وإقامة البؤر الاستيطانية الواحدة تلو الأخرى، تهدف لإقامة مربع استيطاني في هذا المكان الحساس في الضفة الغربية، فهي منطقة مهمة كما يؤكد، كونها تقع وسط الضفة الغربية، قرب الشارع الذي يربط مدن جنوبها ووسطها بمدن شمالها، ومنذ أكثر من شهرين يحاول المستوطنون تثبيت البؤر الاستيطانية فيها.
ويؤكّد طوافشة أن هذه الفعالية تأتي بعد استنزاف الجهود كافة، من خلال التواصل مع المؤسّسات الحكومية والدولية، وحتّى من خلال الطرق القانونية وتقديم مجموعة من الشكاوى في محاكم الاحتلال ولدى شرطة الاحتلال، لكن أمام الطريق المسدود لم يكن أمام الأهالي، بحسب طوافشة، سوى التحرك الشعبي والمقاومة، والحضور المستمر في المكان لطرد التجمعات الاستيطانية، والتي اقتربت كثيراً من منازل المواطنين، وحوّلت البلدة إلى سجن يكمل ما أغلقه جدار عازل أقيم أخيراً شرقي البلدة، وجدار آخر بدأ تشييده شمالها، فيما تشهد المناطق الغربية والجنوبية تحركات استيطانية.
وعلى هامش الفعاليات، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان لـ"العربي الجديد"، إن هذه المنطقة تُعتبر وسط الضفة الغربية، ومن هذا الموقع الهام يأتي الاستهداف، من أجل تقسيم الضفة نهائياً، وكذلك حصر المواطنين كل في قريته وأماكن السكن فقط، مشيراً إلى أن "كل الاستهدافات من المستوطنين تأتي ضمن رؤية متطرّفة من حكومة الاحتلال، وخاصّة الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، واللذين دعيا إلى تغيير اسم الضفة الغربية إلى مملكة يهودا والسامرة"، ويؤكد شعبان أن المنطقة تُعدّ منطقة جبلية عالية، ذات هواء عليل، ومليئة بأشجار الزيتون، والبيوت الزراعية الجميلة، والتي دمّر المستوطنون معظمها.
وحول انطلاق الفعالية الشعبية، التي تُعدّ من الفعاليات القليلة للمقاومة الشعبية التي يجري تنظيمها بعد شنّ الاحتلال حرب الإبادة على قطاع غزة، يقول شعبان: "لن يحمي البيوت والأطفال والناس والشيوخ إلّا هذا التحرك الشعبي، ويجب أن يكون هناك حشد شعبي حقيقي في هذه المنطقة، أكثر من 5700 دونم محرّمة على أهالي المزرعة الشرقية التي يملكونها. دخلناها اليوم وباغتنا قرابة مئة مستوطن، وهم يعتلون المنطقة الجبلية، وبمشاركة جيش الاحتلال، قاموا بتكسير السيارات التي وقفت هنا. جيش الاحتلال أتى أيضاً لمشاركة المستوطنين في فض هذا الحشد الشعبي في هذه المناطق".
وتُعتبر المنطقة المستهدفة من المستوطنين المتنفّس الوحيد لبلدتَي سنجل والمزرعة الشرقية، في ظل إغلاق المناطق الأخرى، وكانت تعرضت لهجمات عدّة من المستوطنين، وصلت إلى حد حرق مساكن بدوية، والهجوم على منازل في سنجل، واستشهاد وائل غفري في إبريل/ نيسان الماضي.

Related News

