
يقر مسؤولون إسرائيليون بفشل عملية "عربات جدعون"، التي تشكّل أحد فصول حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة. لكن هذا لا يمنع استمرار القتل، إذ تواصل دولة الاحتلال ارتكاب مجازر يومية بحق المدنيين الفلسطينيين حتى في محيط مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، في وقت يقترب عدد الشهداء من 60 ألف شهيد، إضافة إلى أكثر من 135 ألف جريح.
وكان جيش الاحتلال قد أطلق، في 16 مايو/ أيار الماضي، عملية عسكرية أطلق عليها اسم "عربات جدعون"، بمشاركة أربع فرق عسكرية، ثم أضيفت لاحقاً فرقة خامسة. ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت، اليوم الجمعة، فإن خيبة الأمل من نتائج العملية كبيرة، على الرغم من أن الجيش لم يقر بذلك علناً بعد، مضيفة أنه على عكس النجاحات العسكرية الملحوظة التي حققها في لبنان وإيران، فإن العملية في غزة، حتى الآن هي بمثابة فشل مدو. ولفتت إلى أن الدافع لتنفيذ العملية كان سياسياً، والتكلفة مرتفعة جداً بالنسبة لإسرائيل.
وقُتل جنديان إسرائيليان في مايو/ أيار، ثم 20 جندياً في يونيو/ حزيران، واثنان آخران خلال أول يومين من يوليو/ تموز الجاري، كما أعلن جيش الاحتلال اليوم عن مقتل جندي آخر، وتزامن ذلك مع مواصلة جنود الاحتلال الإمعان في ارتكاب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة. ودفعت عمليات الاحتلال السكان إلى دائرتين كبيرتين وأخرى صغيرة، وفقاً للصحيفة العبرية، هي دائرة مدينة غزة وأحياؤها، ودائرة المواصي، وجيب أصغر يمتد من قلب خانيونس وحتى مشارف مخيمات المنطقة الوسطى، فيما تشتبه إسرائيل بأن في كل دائرة من هذه الدوائر يوجد محتجزون أحياء، وأن أي تقدم جديد لجيش الاحتلال قد يُؤدي لمقتلهم.
وذكر الصحافي والكاتب في "يديعوت أحرونوت" ناحوم بارنيع، أنه لفهم كيف علقت "عربات جدعون" في رمال غزة، لا بد من الرجوع إلى الجدول الزمني الذي عرضه الجيش الإسرائيلي على المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) في أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وأشار الجدول إلى ثلاث مراحل قتالية من المفترض أن تنتهي بتفكيك حماس خلال 11 شهراً إلى عام.
وكانت للحرب خمسة أهداف معلنة، وهي القضاء على القوة العسكرية لحماس، والقضاء على قياداتها، وضمان حرية عمل جيش الاحتلال، وإقامة حكم بديل في غزة، واستعادة المحتجزين. ويرى الكاتب أن "الأهداف الثلاثة الأولى أُنجزت بين إبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2024، أي قبل أكثر من عام. أما الهدفان الأخيران، فقد تطلّبا مساراً سياسياً لا عسكرياً. ورفض نتنياهو اتخاذ الخطوة الإضافية، خوفًا من تفكك حكومته. هذا الرفض كلّف أرواح مختطفين (محتجزين) وجنود. وظلت الحكومة تتخبّط في غزة لمدة عام، ثم أطلقت عملية عسكرية يمكن تسميتها بحرب سموتريتش (وزير المالية، بتسلئيل) أو حرب نتنياهو (رئيس الوزراء، بنيامين)، بحجّة أن العملية ستقود إلى صفقة وفق الشروط التي وضعتها الحكومة (الإسرائيلية)، وهذا لم يحدث. والحقيقة أنها لم تكن لتحدث أصلاً، إذ صيغت أهداف الجيش الإسرائيلي بحسب الأمنيات، لا وفقاً للواقع الميداني".
ولفت الكاتب إلى أن "الخطابات المتفائلة التي ألقاها رئيس الأركان والجنرالات هدفت إلى رفع معنويات الجنود. أما فعلياً، فكان رئيس الأركان داعماً لصفقة شاملة تستعيد جميع المحتجزين وتُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار". كما أن "التجربة تُظهر أن الجانب الفلسطيني عادةً ما يظل متمسكاً بموقفه، وفي المقابل، تغيّر حكومات إسرائيل مواقفها باستمرار. وإذا كانت هناك اليوم بارقة أمل بإتمام صفقة، فذلك يعود أساساً إلى التغيّر الذي طرأ، إن طرأ، على الخطّة السياسية لنتنياهو".
دفع سكان غزة نحو سيناء
في السياق ذاته، أشارت صحيفة هآرتس العبرية اليوم، إلى تصاعد التوتر بين رئيس الأركان إيال زامير ووزراء اليمين المتطرّف على خلفية الصفقة المرتقبة، "لكن جذور الخلاف أعمق من ذلك"، خاصة مع الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. وأوضحت أنه في شهر مارس/ آذار الماضي، عندما تولّى زامير منصبه، أوحى للحكومة والجيش أنه يمتلك خطة عملياتية بديلة يمكن أن تحقق نتائج حاسمة في مواجهة حماس، لكن عملياً، الحكومة ترددت ويبدو أن الجيش فقد حماسه أيضاً. وما تمّت المصادقة عليه في النهاية هو عملية "عربات جدعون"، والتي شملت بالفعل إعادة السيطرة على معظم مناطق القطاع ودفع غالبية السكان المدنيين إلى نحو ربع مساحته، لكنها لم تحقق حسماً عسكرياً.
ولفتت الصحيفة، إلى أن رئيس الأركان صرّح في الآونة الأخيرة بأن أهداف العملية التي تمّت الموافقة عليها للجيش تقترب من التحقيق، وأن على القيادة السياسية حسم قراراتها بشأن الخطوة التالية. وفي هذه المرحلة، اتهمه بعض الوزراء بالتلكؤ، وتساءلوا لماذا لا يتقدّم الجيش بسرعة أكبر. ويتعلق جانب من الخلاف، وفق المحلل العسكري للصحيفة عاموس هارئيل، "بالخطة الطموحة والفاشلة لإنشاء مراكز توزيع غذاء للسكان، والتي كان الهدف منها سحب السيطرة على المساعدات من يد حماس. ولم يكن من قبيل الصدفة أن أُقيمت ثلاثة مراكز في منطقة رفح (بينما يعمل مركز رابع في شمال القطاع بطريقة مختلفة قليلاً). وضغط سموتريتش وبن غفير على الجيش لدفع السكان الفلسطينيين من منطقة المواصي الساحلية جنوباً باتجاه رفح، ظناً منهما أن ذلك سيسهّل المناورة حتى عبور (الفلسطينيين) الحدود إلى داخل سيناء. لكن الجيش لا يتعاون مع هذه الأفكار، على الأقل طالما لم يتلقَ أوامر صريحة بذلك".
واعترفت مصادر أمنية إسرائيلية في حديث لصحيفة "هآرتس"، بأن "الخطة لا تحقق أهدافها، إذ إن عدداً قليلاً فقط من السكان الغزيين يتمكن من الحصول على الغذاء بهذه الطريقة، وذلك بسبب بعد مراكز التوزيع والخطورة المحيطة بالطريق إليها". وقتل جيش الاحتلال مئات الفلسطينيين في محيط مراكز توزيع المساعدات. ونفت الصحيفة دقة اقتباسات نسبتها تقارير صحافية إلى زامير، وقال فيها للوزراء إن "حماس ماتت"، وبالمقابل ذكرت أن رئيس الأركان أوضح أن قدرة حماس على الإضرار بالجبهة الداخلية الإسرائيلية قد تراجعت بشكل كبير، وأنها لم تتمكن من الرد على اغتيال الشقيقين السنوار (يحيى ومحمد السنوار)، وواجهت صعوبة حتى في إطلاق عدد محدود من الصواريخ عندما هاجمت إسرائيل إيران".

Related News

