
يعدّ الفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر (1933) أول باحث غير غربي تتاح له فرصة إلقاء "محاضرات جيفورد" في جامعة أدنبرة منذ إلقائها أول مرّة عام 1889، وهي سلسلة من المحاضرات جاءت تحقيقاً لوصية اللاهوتي الاسكتلندي آدم لورد جيفورد (1820 - 1887)، وتهدف لتعزيز ونشر دراسة علم اللاهوت الطبيعي بمعناه الأوسع. لم يكتفِ نصر بإلقاء المحاضرات بل اعتبرها "فرصة لتقديم المنظور التراثي للحضارات الألفية للشرق"، كما يصفها في مقدّمة كتابه "المعرفة والمقدّس" الصادر حديثاً بترجمة عربية عن دار الرافدين في بغداد وبيروت، أنجزها الباحث والمترجم العراقي حمادة علي.
إحياء تراث الغرب بعَون تراثات الشرق
يوضّح سيد حسين نصر في كتابه أن المعرفة الشرقية ارتبطت دوماً بالمقدس والكمال الروحي. وحتى تعرف ما هو جوهري، يجب أن تنتقل بنهج حق مما هو معروف كما كان يؤكد التراث الغربي على مرّ العصور قبل أن تطغى عليه "علمَنة" ما بعد العصور الوسطى والنزعة الإنسانية التي فرضت الفصل بين المعروف عن الوجود والعقل عن المقدّس.
ينطلق الكتاب من زاوية بيان النشاط القوي على مدار العقود الماضية لعدد لا حصر له من الدارسين الغربيين للشرق، سواء أكان عن قصد أم من دون قصد في عملية علمنة الشرق بتدمير تراثاته من خلال تفسير تعاليمه المقدسة بالمذاهب التاريخية والتطورية والعلموية ووسائل أُخرى يختزل فيها المقدس إلى مدنّس. إن دراسة الشرق عند غالب من يسمون بالمستشرقين الذين تأثروا بموجات العلمانية المتنوعة في الغرب هي ثمرة عقل علماني يحلّل التراثات ذات الطابع المقدس ويدرسها.
تهدف دراسة سيد حسين نصر إلى عكس هذا النهج، فقد يعين ذلك في بعث صفة المقدس للمعرفة، وإحياء تراث الغرب، بعون تراثات الشرق التي لا تزال حية ولم تنفصل فيها المعرفة عن المقدس. هدفها، كما يُشير في المقدمة، هو التعامل مع جانب الحق بما هو أولاً، والذي يكمن في طبيعة الذكاء نفسها، وإحياء المنظور الحكمي في الغرب الذي لا يجدر لأية حضارة أن تحيا دونه. يكتب: "إن كنّا قد انتقدنا بقوة مظاهر عدّة لأمور غربية، فإن وجهة نظرنا لم تُبن على الكره والأنفة، أو صنف من التغريب الذي يعكس ببساطة دور نموذج بعينه للاستشراق... الحكمة الخالدة (sophia perennis) وهي كلية وخالدة ، لا شرقية ولا غربية حصراً".
أزمة الإنسان المعاصر
يتكوّن الكتاب من عشرة فصول، هي: "المعرفة وعلمنتها"، و"ما التراث؟"، و"إعادة اكتشاف المقدس: إحياء التراث"، و"العلم المقدس"، و"الإنسان الخيري والبروميثي"، و"الكون تجلّ إلهي"، و"الأبدية ومرتبة الزمني"، و"الفن التراثي ينبوع المعرفة والنعمة"، و"المعرفة المبدئية وتعدد الصور المقدسة"، و"المعرفة المقدسة نجاة".
وُلد سيد حسين نصر في طهران عام 1933، وهو فيلسوف إسلامي معاصر يعمل أستاذاً في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن. تركز مؤلفاته على الفكر الإسلامي التقليدي، والتصوف، وفلسفة الطبيعة، والعلاقة بين العلم والدين، والأزمة الروحية للإنسان الحديث. تشمل أعماله دراسات حول إخوان الصفا، وابن سينا، والسهروردي، وابن عربي، وتحليلاً نقدياً للعالم المعاصر من منظور إسلامي تقليدي.
من كتبه: "مقدمة في العقائد الكونية الإسلامية: تصورات الطبيعة وطرق دراستها عند إخوان الصفا، البيروني، وابن سينا" (1964)، و"صدر الدين الشيرازي وحكمته المتعالية: الخلفية، الحياة، والأعمال" (1977)، و"الإنسان والطبيعة: الأزمة الروحية للإنسان المعاصر" (1991)، و"التراث الفكري الإسلامي في فارس" (1994)، و"الإسلام في العالم الحديث" (2012).

Related News

