
تتناول أفلامٌ عدّة (إنتاج 2025)، مُشاركة في مسابقة الكرة البلورية للدورة الـ59 (4 ـ 12 يوليو/تموز 2025) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي"، مسألتين أساسيتين: الحروب، بما فيها حروب "الطبيعة" ومعاناتها مع البشر، والمرأة وأوضاعها ومشاغلها وأوجاعها ومساراتها، والتحدّيات التي يفرضها المجتمع الذكوري عليها، أو التي تنبثق من عطبٍ نفسي، أو تسلّط قهريّ.
فالحرب تتمثّل بالحاصل في أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022، كما في "ديفيا" للأوكراني دْميترو هْرِشْكو، الذي يُقدّم جديده هذا بالقول إنّ "الحرب مأساة إنسانية، لكنْ يجب عدم نسيان أنّ الطبيعة تُعاني مع البشر غالباً". في كاتالوغ الدورة الـ59، يُذكَر أنّ الفيلم "تأمّلٌ عميقٌ، يُسلّط ضوءاً على العدوان الروسي غير المسبوق على الأراضي الأوكرانية، وأثره المُريع على أماكن "تتّهم" بصمت هذا الفعل الجُرمي". الأمكنة تلك غاباتٌ متحوّلة إلى رماد، وحقولٌ تجتاحها انفجارات، ومدنٌ غارقة، وهياكل صدئة لمعدّات عسكرية في مناطق مُدمَّرة، حيث تلاشت الحياة. لكنّ الطبيعة لا تستسلم هكذا، والإنسان مثلها، كما وجوده المُبهم. بينما يُحدث أحد الجانبين دماراً، يُقيّم الجانب الآخر (عمّال إزالة الألغام، باحثون عن جثث، علماء بيئة) آثار المأساة، ويُعيدون إحياء النظم البيئية الهشّة في أوكرانيا، حتى في ظلّ هذا الخراب كلّه.
وللحرب أيضاً تمثّلات أخرى، وإنْ تختفي الحروب والمعارك والمجازر، فالنتائج واضحةٌ، وهذا ينعكس في "سينما جازيري" للتركية غودزي كوران التي تعاين أحوال المرأة في أفغانستان، بعد استعادة طالبان الحكم (15 أغسطس/آب 2021): ليلى، الناجية من مذبحة تتعرّض لها عائلتها، تبحث عن ابنها أميد. لكنْ، في بلدٍ كهذا، يتحكّم فيه نظامٌ متشدّد وقامع، تُعامَل المرأة كأنّها "لا شيء"، ما يعني أنّ فرص نجاحها تتضاءل بشدّة، فتختار حلّاً مُتطرّفاً وخطراً، يتمثّل بتغيير هويتها كلّياً، وسلوك طريق ربما تؤدّي بها إلى التهلكة.
أي إنّ الحرب وطالبان يكشفان، بشكلين يختلف أحدهما عن الآخر، ما تعانيه المرأة التي ستكون نواة درامية لأربعة أفلامٍ أخرى: "الأطفال بخير" للفرنسي ناتان أمبروسيوني، و"انظرْ إليّ" للنرويجية نينا كْناغ، و"عندما يُصبح النهر بحراً" للكاتالوني بِري فيلا برْسِلو، و"قائدة الجوقة" للتشيكي أودريج بروفازْنيك، مع أنّها (المرأة) في هذا الفيلم ستكون مُراهقة تعاني ضغوطَ شهرةٍ وصدام براءة مع السلطة.
في الأول، تظهر سوزان وطفلاها فجأة، بعد غياب سنين مديدة، في منزل أختها جانّ. تجهد في إعادة بناء علاقتها بها. لكنّ كلّ شيءٍ يتبدّد، مع "اختفاء" سوزان ذات فجرٍ. تُرى، لماذا تختفي فجأة، كظهورها المفاجئ؟ أيّ سرّ تُخفيه؟ في الثاني، تُروى حكاية إيفا، المُدرّسة المشهورة وزوجة عمدة المدينة، التي، رغم خيانته ثقتها، لا تزال تُخطّط لدعم حملته الانتخابية، فتتطوّع في مركز محلي للاجئين. هناك، تتقرّب من أمير (18 عاماً)، اللاجئ الذي يَسحرها بمواهبه الشعرية. لكنْ، كلّما يقترب أحدهما من الآخر، تقلّ سيطرتها على الموقف. هذا يعني أنّ هناك اختباراً أخلاقياً، واستكشافاً بشكلٍ مُستفزّ لكيفية تمكّن النفاق من التخفّي في صورة كرمٍ.
أمّا الثالث، فيغوص في روح صبيّة تتعرّض لاعتداءٍ جنسي. إنّها غايا، الطالبة الشابّة التي تدرس علم الآثار، والتي تنطبع علاقتها بنفسها وبالآخرين وفقاً لهذا الاعتداء. في البداية، لا تجد كلمات تصف حالتها، ولا تملك شجاعة التحدّث عنها. لكنّها تُدرك أنّ المسألة تُشبه "التنقيب عن الآثار"، فتبدأ الكشف عن ماضيها المتشظّي، لجمع شتات حياتها.
في "قائدة الجوقة"، عودة إلى أوائل تسعينيات القرن الـ20، عندما يُتاح لكارولينا (13 عاماً)، المغنية المبتدئة الموهوبة، فرصة الانضمام إلى جوقة فتيات عالمية مشهورة. موهبتها الاستثنائية تَلفت انتباه قائدة الجوقة، المهيبة والمحبوبة: دراما نفسية تُذكّر بقضية بامبيني دي براغا (كورس تشيكي للأطفال، ناشط بين عامي 1973 و2011)، وبمواقف أخرى مدمِّرة تتعلّق بصدام البراءة بالسلطة المسيئة.
إلى ذلك، يطرح الأميركي ماكس ووكر ـ سيلفرمان، في "إعادة بناء"، تساؤلات منبثقة من حرائق تلتهم طبيعةً وأمكنةً أخرى: تحترق مزرعة داستي بسبب حريق يُدمِّر غابات. من أين سيجد القوة للبدء مجدّداً؟ أيكمن الحلّ في مجتمع المتضرّرين من هذه الحرائق؟ ربما تُتاح له فرصة لمحاولة بناء علاقة أقوى مع ابنته، التي تعيش مع والدتها: "هذه حكاية عن قوة روح الجماعة في الأوقات الصعبة، والمُتشابكة مع خيط رفيع من الحزن. حكاية آسرة وجذّابة ببراعة، تماماً كالإيمان الراسخ بالنزاهة الإنسانية، الذي يتمتّع به ووكر سيلفرمان"، كما يكتب كارل أوخ، المدير الفني للمهرجان، في الكاتالوغ.
ألن تكون الحرائق حرباً من نوع آخر، فتُثير نزاعاً بين الطبيعة والإنسان؟ ألن تُعبّر الطبيعة، غالباً، عن غضبها من أفعال المرء بها، فتنتفض لتُعلن حرباً عليه، علّه يتّعظ؟

Related News
