التقدم الروسي في أوكرانيا: ضغط للقبول بشروط الكرملين للتفاوض
Arab
1 week ago
share

في مسعى لفرض وقائع جديدة على الأرض يمكن أن يوظّفها على طاولة المفاوضات، يسابق الجيش الروسي الزمن لاحتلال أكبر مساحة ممكنة في جنوب أوكرانيا وشرقها. ومع توفر ظروف مناسبة، سرّع الجيش الروسي تقدّمه في الفترة الأخيرة للشهر الثالث على التوالي، وحقق أكبر تقدّم في أوكرانيا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وحسب تقرير لمركز دراسات الحرب الأميركي، سيطرت القوات الروسية على 588 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية في يونيو/حزيران الماضي مقابل 507 كيلومترات مربعة في مايو/أيار، و379 كيلومتراً مربعاً في إبريل/نيسان، و240 كيلومتراً مربعاً في مارس/آذار الماضيين. ومعلوم أن الجيش الروسي تقدم بنحو 610 كيلومترات مربعة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و725 كيلومتراً مربعاً في نوفمبر من عام 2024. في الشهر الماضي سيطرت روسيا على قرابة 400 كيلومتر في مقاطعة دونيتسك. وبات الجيش الروسي يسيطر بشكل كلي أو جزئي على 75% من مساحة المقاطعة الكلية بحدودها الإدارية في 1991، وفي يونيو 2024 كان الجيش الروسي يسيطر على 61% فقط، اي ضعف المساحة التي كان يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من موسكو قبل بداية الحرب الحالية في 24 فبراير/شباط 2022. وتبلغ مساحة إقليم دونيتسك كاملاً 26715 كيلومتراً مربعاً.

التقدم الروسي في أوكرانيا

وتقدمت القوات الروسية الشهر الماضي نحو 200 كيلومتر مربع في زابوريجيا وخاركيف وسومي، وكانت روسيا شرعت منذ ربيع العام الماضي ببناء منطقة عازلة في خاركيف بهدف منع الضربات على مقاطعة بيلغورود الروسية، وفي الربيع الحالي شنت هجوماً على سومي بعد طرد الأوكرانيين من مقاطعة كورسك، ومنذ مطلع الربيع احتلت القوات الروسية قرابة 320 كيلومتراً مربعاً في سومي، منها 130 كيلومتراً مربعاً في الشهر الماضي. وكان لافتا شنّ الجيش الروسي الشهر الماضي هجوماً على مقاطعة دنيبروبيتروفسك (وسط شرق أوكرانيا)، هو الأول منذ بداية الحرب. ولم يتقدم الروس حتى الآن سوى ثمانية كيلومترات مربعة فقط في هذه المنطقة. ومنذ الصيف الماضي استطاع الجيش الروسي احتلال 5500 كيلومتر مربع، مقارنة بنحو 1215 كيلومتراً في الأشهر 12 السابقة.


منذ صيف 2024 استطاع الجيش الروسي احتلال 5500 كيلومتر مربع

ورغم الزخم الإعلامي الكبير، فإن حجم السيطرة الروسية في العام الأخير بلغت أقل من 1% من إجمالي مساحة أوكرانيا حين أعلنت استقلالها عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وحتى الآن تحتل روسيا قرابة 19% الأراضي الأوكرانية ومن ضمنها شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بالقوة في عام 2014. وتطالب روسيا بانسحاب الجيش الأوكراني من مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون بحدودها الإدارية قبل 2014، والتي تشكل مجتمعة مع القرم قرابة 27% من مساحة أوكرانيا المعترف بها دولياً. وفيما تتضارب الأنباء حول السيطرة الروسية الكاملة على لوغانسك، تتشبث القوات الأوكرانية حتى الآن بنحو 25% من المقاطعات الثلاث الباقية، ومن ضمنها مدن كبيرة مثل زابوريجيا وخيرسون، فضلاً عن مدن أصغر لكنّها كبيرة نسبياً مثل كراماتورسك وسلوفيانسك.

ولم تؤكد وزارة الدفاع الروسية حتى أول من أمس الأربعاء، السيطرة على كامل مقاطعة لوغانسك، رغم مرور يومين على إعلان المسؤول المعين لقيادتها من جانب روسيا ليونيد باسيتشنيك للتلفزيون الرسمي الروسي، أن القوات الروسية سيطرت بشكل كامل على المنطقة، بعد أكثر من ثلاث سنوات من اندلاع الحرب في البلاد في فبراير 2022. وفي حال صحت تصريحات باسيتشنيك، فإن لوغانسك، التي تبلغ مساحتها 26700 كيلومتر مربع، ستكون أول منطقة أوكرانية تقع بالكامل تحت سيطرة القوات الروسية منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014. وتعد لوغانسك مثالاً لمعارك الكرّ والفرّ بين الروس والأوكرانيين، وتثبت صعوبة التقدم والسيطرة الدائمة على الأرض. وهذه المرة الثانية التي تعلن الإدارة المعينة من روسيا السيطرة على المقاطعة منذ بداية الحرب. ونفت قنوات المراسلين العسكريين الروس السيطرة على كامل مقاطعة لوغانسك، وأشار أكثر من مراسل إلى أن القوات الروسية لم "تُطهّر" بعد منطقتَي ناديا ونوفويغوريفكا الواقعتين شرقي مدينة بوروفا. وذكر أحد المدونين أن بعض المناطق الحدودية لا تزال مناطق رمادية (متنازع عليها).


الانتهاء من مهمة السيطرة الكاملة على الأقاليم الأربعة يتطلب سنوات من القتال

وكان وزير الدفاع الروسي السابق، سيرغي شويغو، أعلن في 3 يوليو/ تموز 2022 أن القوات الروسية استولت على كامل مقاطعة لوغانسك، إلا أن القوات الأوكرانية تمكّنت لاحقاً من استعادة مواقع في المقاطعة خلال هجوم خاركيف المضاد في خريف 2022. وأحرزت القوات الأوكرانية تقدّماً في مقاطعات خاركيف ودونيتسك ولوغانسك خلال ذلك الهجوم، مما عرقل الخطط الروسية لاستئناف محاولات التقدّم عند الجهة الشمالية لما يُعرف بـ"حزام الحصون" في مقاطعة دونيتسك. ومنذ ذلك الحين، فشلت القوات الروسية في استعادة أجزاء كبيرة من الأراضي التي حررتها القوات الأوكرانية في هجوم خاركيف، بما في ذلك مدن كوبيانسك وبوروفا وإيزيوم وليمان. ومنذ مطلع عام 2024، كثّفت القوات الروسية عملياتها الهجومية باتجاه كوبيانسك وبوروفا وليمان، واستمرّت محاولاتها للتقدّم نحو هذه البلدات الثلاث على مدى السنة ونصف السنة الماضية. وكان "معهد دراسات الحرب" الأميركي قد أشار في نهاية نوفمبر 2024 إلى أنّ القوات الروسية تسيطر على نحو 99% من مقاطعة لوغانسك، بينما عجزت على مدى الأشهر السبعة التالية عن السيطرة على نسبة الواحد في المائة المتبقية.

معارك طويلة ومضنية

وتكشف عملية السيطرة على لوغانسك بالكامل أنه رغم التقدم الروسي الملحوظ على الأرض، فإن الانتهاء من مهمة السيطرة الكاملة على الأقاليم الأربعة (زابوريجيا، خيرسون، لوغانسك، دونيتسك) التي ضمتها روسيا في نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 يتطلب سنوات من القتال. وتكفي الاشارة أيضاً إلى المعارك الطويلة للاستيلاء على باخموت وسوليدار وغيرها من التجمعات البشرية الصغيرة نسبيا مثل تشاسيف يار. وبدا أن الجيش الروسي انتهز فرصة تراجع الروح المعنوية في أوكرانيا بعد استعادته مقاطعة كورسك، في إبريل الماضي، ليكثف هجماته على الجبهات الأخرى خصوصاً مركز الثقل الأساسي في مقاطعتي دونيتسك وزابوريجيا. ومع الهجمات البرية على سومي ودنيبروتروفسك وخاركيف، تبعث روسيا رسالة مزدوجة للأوكرانيين والأوروبيين بضرورة الموافقة على شروط الكرملين لإنهاء الحرب، والتي قدمها الوفد الروسي في الجولة الثانية من مفاوضات إسطنبول في الثاني من يونيو الماضي.

وتراهن موسكو على أن هجوم الصيف الحالي، إضافة إلى تكثيف الضربات الجوية على البنى التحتية الحيوية، وأهمها مصافي الطاقة وخزاناتها، ستؤدي إلى قبول كييف بالتفاوض وفق الشروط الروسية، وإلا فإنها ستخسر مزيداً من الأراضي في الجنوب والشرق، كما لوّح الكرملين أكثر من مرة، وأعاده رئيس الوفد الروسي المفاوض فلاديمير ميدينسكي في إسطنبول في 16 مايو/ أيار الماضي. وفي ظل تراجع الدعم العسكري الأميركي لكييف، فإن "استعراض القوة" الروسي بضرب البنى التحتية في مناطق بعيدة عن الجبهة، وعدم قدرة الأوروبيين على تزويد أوكرانيا بالصواريخ الاعتراضية وأنظمة الدفاع الجوية، يبعث رسالة تحذير لأوروبا من موجات هجرة إضافية تضاف إلى ملايين الأوكرانيين الذين توجهوا غرباً منذ بداية الحرب، ما يشكل ضغطاً على الحكومات الأوروبية لإقناع كييف بتقديم تنازلات في جولات التفاوض المقبلة، وسط صعود اليمين المتطرف في أوروبا، وتراجع معدلات نمو الاقتصادات الكبرى في القارة.

وفي مقابل النقص لدى أوكرانيا بالأسلحة، أمّنت روسيا احتياجاتها عبر زيادة إنتاجها من الأسلحة والمسيّرات بشكل كبير، وحصلت على مركبات إلكترونية مهمة لصناعاتها الدفاعية عبر الالتفاف على العقوبات واستيرادها من دول ثالثة، كما حصلت على ملايين القذائف ومئات الصواريخ من حليفتيها إيران وكوريا الشمالية. كما تؤدي الديمغرافيا والاقتصاد لمصلحة روسيا في حرب الاستنزاف المستمرة عملياً منذ نهاية 2022. والأربعاء الماضي قال دميتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، إن الجيش الروسي استقبل منذ بداية العام 210 آلاف جندي متعاقد، وانضم 18 ألفاً آخرون إلى وحدات المتطوعين. ورغم أن ميدفيديف عزا وتيرة التجنيد المرتفعة إلى "العمل المشترك" والروح الوطنية للمواطنين، فإن الدخل المرتفع للمتطوعين والمتعاقدين جذب مئات آلاف الروس الراغبين بتحسين ظروفهم المعيشية خصوصاً من المقاطعات الفقيرة.

عدد سكان أوكرانيا حالياً أقل بنحو أربع مرات من سكان روسيا

التفوق الديمغرافي الروسي

في المقابل فإن عدد سكان أوكرانيا حالياً أقل بنحو أربع مرات من سكان روسيا، كما أن تراجع الدعم الأميركي والهجمات الروسية أضعف اقتصادها كثيراً، وجعلها غير قادرة على تحمّل تبعات الحرب لفترة طويلة. ومن المؤكد أن روسيا استغلت الزيادة في العدة والعتاد، وتراجع الدعم الأميركي لكسب مزيد من الأراضي لكن الحرب المتواصلة منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة شهدت تقلبات كثيرة مع إدخال أنواع جديدة من الأسلحة وتبني تكتيكات قتالية مبتكرة، ما يفتح على سيناريوهات مختلفة بعضها متضارب جداً في حرب لم يستطع الكرملين حسمها بضربة قاضية حاسمة منذ البداية ويلعب اليوم على تجميع النقاط للفوز بها على حساب أوكرانيا والأوروبيين.

وفيما يشكل انسحاب أوكرانيا من الأقاليم الأربعة أفضل سيناريو لروسيا لأنه يجنّبها مزيداً من الخسائر البشرية والمادية، وربما يمهد لبناء نظام حكم جديد في كييف لا يناصبها العداء، أو تتفتت الدولة الأوكرانية، فإن تكاتف البلدان الأوروبية الرئيسية لدعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً يمنح القارة العجوز وقتا لتقوية دفاعاتها في مواجهة أي هجوم روسي، توقعت دوائر استخباراتية أنه حتمي في غضون ما بين خمس وثماني سنوات. ورغم عدم وجود موارد كافية لدى أوكرانيا لمواجهة روسيا وحيدة فإنها قادرة على حرب استنزاف قد ترهق روسيا عسكرياً واقتصادياً في الأراضي المحتلة أو داخل العمق الروسي، وهو ما أثبتته ضربات المسيرات الأوكرانية بوصولها إلى شرق سيبيريا والقطب الشمالي. وأخيراً فإن أوكرانيا والأوروبيين يراهنون على تغيرات في موقف إدارة دونالد ترامب مع مماطلة روسيا المستمرة في عملية التفاوض. وفيما تنذر الأجواء بصيف حار استثنائي على الجبهات في أوكرانيا فإن لهيبه لن يقتصر على روسيا وأوكرانيا، والأرجح أن يكوي لهيبه أوروبا والعالم بموجات حرّ أقوى بكثير مما نشهده حالياً مع تأثير عميق على الأمن الأوروبي والعالمي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows