
ازدادت في الفترة الأخيرة وتيرة التسريبات الخاصة بالمفاوضات غير المباشرة بين النظام الجديد في سورية وإسرائيل، ومعها ارتفعت التكهنات بقرب التوصل إلى اتفاق ما قبل نهاية العام يقود إلى التطبيع بين إسرائيل وسورية، وفق الاتفاقيات الإبراهيمية التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى بين عدة دول عربية ودولة الاحتلال، وهو "يبشّر" بانضمام دول أخرى إليها.
لم يحدّد ترامب الدول التي ستنضم، لكن كل التكهنات تشير إلى سورية، رغم أن الحالة السورية لا تتطابق مع حالة الدول العربية الأخرى الملتحقة بالاتفاقيات الإبراهيمية، خصوصاً لجهة وجود أراض سورية محتلة من الدولة العبرية، وانتهاكات يومية تتعرّض لها الأراضي السورية من إسرائيل. فلا يمكن أن يكون الانضمام إلى اتفاق سلام، أو على الأقل اتفاق أمني طويل المدى.
هذا الاتفاق هو ما يتم الحديث عنه، ونقل عن الرئيس السوري أحمد الشرع في أكثر من مناسبة رغبته في العودة إلى اتفاق عام 1974، أي الهدنة التي جرى التوصل إليها بعد حرب أكتوبر (1973)، غير أن هذا الاتفاق لم يكن متضمّناً أياً من أشكال التطبيع، وهو ما لن يرضى به الرئيس الأميركي. وعلى هذا الأساس، فإن ملحقاتٍ من الممكن أن تدخل على هذا الاتفاق لتبرير أي نوع من العلاقات المتوقّع أن تحصل بين سورية وإسرائيل.
يحصل كل هذا الكلام عن التطبيع السوري الإسرائيلي من دون أي تعليق رسمي سوري عليه، فلم يخرج أي مسؤول على الإعلام ليؤكّد هذه الأنباء أو ينفيها، كل ما في الأمر أن مصدراً حكومياً سورياً، لم يذكر اسمه، قال إن "الحديث عن اتفاقية سلام مع إسرائيل سابقٌ لأوانه".
الأكثر غرابة أن لا موقف شعبياً سورياً من كل الكلام عن التطبيع مع إسرائيل أو إبرام اتفاقية سلام معها. قليلة جداً الأصوات التي خرجت لتحذّر من مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة، والتي يربطها سوريون كثيرون، حكومة وشعباً، بمسار رفع العقوبات الغربية عن سورية والانطلاق في مسار إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي، ويقدّمون التطبيع والتفاهم مع إسرائيل باعتبارهما الوصفة السحرية لحل المشكلات السورية.
يجافي مثل هذا التفكير المنطق السياسي كلياً، ولا يستند إلى أي معطىً ملموس يؤكّد أن الانتعاش سيكون مقابل التطبيع، حتى أن الولايات المتحدة أو أياً من الدول الأوروبية لم تربط رفع العقوبات بالتفاهم مع إسرائيل، بل كان الحديث عن اتخاذ الحكومة السورية خطواتٍ لحماية التعدّدية وتطبيق العدالة الانتقالية، وأمور أخرى مرتبطة بالمقاتلين الأجانب، من دون أن يؤتى على ذكر إسرائيل، على الأقل بشكل علني.
وبغض النظر عن هذا الأمر، لا يبشّر البحث في تجارب المطبعين مع إسرائيل، وبعضهم منضمٌّ إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، بالخير. التجربة السودانية أفضل مثال على ذلك، خصوصاً أن هناك تشابهاً كبيراً بين الحالتين لناحية التعرّض لعقوبات أميركية ودولية سنوات طويلة. كان السودان من أوائل المنضمين إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي بدأت بالإمارات والبحرين والمغرب، وكان السودان رابعها. كانت غاية النظام الجديد في السودان، بعد إسقاط عمر البشير، من الانضمام للاتفاقية مماثلة للغاية السورية، أي تخفيف العقوبات عنه، لكن الأمر لم يحصل، بل على العكس، انقلب الواقع السوداني إلى جحيم حرب أهلية بفعل الخلافات الداخلية والتدخلات الخارجية وإهمال إزالة الشوائب التي خلفها النظام السابق.
ربما على النظام الجديد في سورية الالتفات إلى الإصلاحات الحقيقية المطلوبة منه لرفع العقوبات، بدل القفز إلى تقديم هدايا مجانية، قد تكون الغاية منها غض الطرف الغربي والأميركي عما يحصل داخلياً.

Related News


