من يتذكّر عبير موسي؟
Arab
1 week ago
share

ليس من الحصافة، ولا من الأعراف الذائعة في الصحافة، أن نجنَحَ، نحن أصحابَ التعاليق، عن الأخبار والمستجدّات الساخنة والمهمّة إلى العارض والثانوي من أخبارٍ تترامى وتتزاحم. ومن ذلك، قد يرى من يرى في اكتراث السطور أدناه في نقل المحبوسة التونسية عبير موسي (1975) من سجنٍ إلى آخر، قبل أيام، من نوافل الأخبار أمام فظائع الشناعات التي يرتكبها جيش العدوان الإسرائيلي في غزّة يومياً (120 شهيداً أول من أمس الأربعاء)، وأمام أخبارٍ لها أهميّتها الخاصة، فثمّة إيران وقضاياها مع أميركا ما بعد الحرب أخيراً، وفرضُ ضريبة دخلٍ في عُمان، ودرجاتُ حرارة قياسية في أوروبا، وغيرها مما تتابَع من أخبارٍ تحتاج إضاءاتٍ وزوايا تناول متعدّدة، على غير ما يُظَنّ من بالغ العادية في نقل السيدة المذكورة من سجنٍ في ولاية نابل إلى آخر بعيدٍ قرب الحدود التونسية مع الجزائر، وهي التي أمضت شهور حبْسها الأولى، بعد اعتقالها منذ عامين، في سجنٍ في منوبة. وهذا ظنٌّ لا صوابَ فيه، إذا ما نُظر إلى سلوك السلطة تجاه عبير موسي في التنكيل بها وهي نزيلة السجون، بحكمٍ عليها في اتهاماتٍ مصنوعة، ضمن المشهد العام في تونس، حيث الأوضاع، في ما يتعلّق بحقوق الإنسان والحرّيات العامة، تشابه ما كانت في زمني صدّام حسين وحافظ الأسد (ونجله) في العراق وسورية. فقبل عشرة أيام، أضافت محكمةٌ هناك إلى الرئيس السابق، الزاهد النظيف، المنصف المرزوقي، 22 عاماً سجناً (مع النفاذ العاجل)، ليجمع عليه 34 عاماً سجناً، بعد حكميْن سابقيْن، في سياق الإغلاق الذي تمارسه أجهزة الرئيس قيس سعيّد على كل الفضاء العام، بالتوازي مع تراجعٍ واسع في الخدمات، ومع غلاء وبطالة يرتفعان، ونقصانٍ في مواد أساسية، على ما يحدّثنا أهل تونس وزوّارها.

وحدَه الحس الأخلاقي يجعل الالتفات إلى محنة عبير موسي لازماً، وقد أشهرًت رسالةً عن "ظروف احتجازٍ غير إنسانية" تعانيها، وكذا الرفض المبدئي للتعسّف والتسلّط، ما لا يجوز أن يكون لهما صلة بالموقف السياسي، والأخلاقي ضمناً، المناهض ما تمثّله السيدة، عند من يقفون في ضفّة نبذ الاستبداد ومع أشواق الشعوب العربية في انتفاضات الربيع العربي التي دشّنها التونسيون. ومعروفٌ أن رئيسة الحزب الدستوري الحرّ من عناوين الثورة المضادّة في تونس، واشتغلت من أجل هدم منجزات الثورة التونسية، باستلهام خيارات الرئيس المنتفَض عليه، زين العابدين بن علي، كما أن حزبَها يضمّ بقايا من ناس حزبه المنحلّ، التجمّع الدستوري. وليست منسيةً مهرجاناتُها الكلامية والاستفزازية في البرلمان الذي حلّه سعيّد، وكانت عضواً فيه، فساهمت في إشاعة صورةٍ سيئةٍ عن العمل البرلماني لدى الجمهور العام. أما إساءاتها إلى شخص رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، فكانت من شواهد حربٍ معلنةٍ ضد الرجل والتيار الذي يمثله.

أجهز قيس سعيّد على كل منجزات ثورة الشعب التونسي، وأمعَن في تخريب بنيات الدولة والسلطات المؤسّسية فيها، وأعاد البلاد عقوداً إلى الخلف، ولم يوفّر في اعتقالاته من ماشوه ووالوه ولا من عارضوه، وقد ظنّت نزيلة سجن بُلاريجيا (هذا اسمُه) أن وصول هذا الرجل إلى رئاسة الجمهورية سيحقّق ما تشتهيه، القضاء على الإسلاميين وحركة النهضة، ويُحيي أنفاس بن علي في تونس، لكنه ضربَ الكل، ولم يحترم في عبير موسي "كفاحها" الذي يلتقي، في أغراضه، مع بعض أغراض الرئيس المنتخب. وعندما تطالع الاتهامات التي بنت محكمةٌ ما قضت به على السيدة، عاميْن سجناً، الشهر الماضي، تعثُر على ما يفوق الفكاهة السوداء، فلأنها تعرّضت بالنقد للهيئة العليا للانتخابات، بعد اتهامٍ سابقٍ في واقعة أخرى بـ"اعتداءٍ مقصودٍ منه تبديل هيبة الدولة". ... وعلى منوالٍ كهذا، تراكمت الاتهامات على الغنوشي ثم الأحكام عليه (إحداها 22 عاماً)، وهو حالياً نزيل السجن، وعلى قضاة وسياسيين ومحامين ومثقّفين ومدوّنين، فدواليب القضاء في الدولة يحرّكها سعيّد كما يشاء. ولا تزيّد في هذا القول، فصحّتُه يسندها قولٌ محقٌّ لرئيس جمعية القضاة، أنس الحمايدي، إن تدخّل السلطة في تونس في القضاء يوميٌّ ومستمرٌّ كالقصف الوحشي الإسرائيلي على غزّة.

... إذن، لم تبتعد السطور أعلاه عن غزّة كثيراً، وإن انشغلت بنقل عبير موسي من سجنٍ إلى آخر، قبل أيامٍ بالتوازي مع نوبة متجدّدة من أحكام بالسجن على نخبةٍ طيّبةٍ من أهل تونس، البلد الذي يغالب عتمةً ظاهرة، لا نغفل عنها ونحن منشدّون إلى غزّة وتغوّل الوحش الإسرائيلي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows