العراق على حافة العطش... تقلّص منسوب المياه في دجلة والفرات
Arab
1 week ago
share

يواجه العراق تحديات بيئية غير مسبوقة مدفوعة بتسارع آثار التغيير المناخي؛ ما ينذر بكوارث وشيكة تطاول مختلف مناحي الحياة، على رأسها توسع الجفاف، إذ يُعد العام الحالي هو الأكثر جفافاً منذ نحو ثمانية عقود، بحسب تقديرات خبراء المياه.

ومع ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، يشهد العراق انخفاضاً حاداً في منسوب المياه في نهرَي دجلة والفرات نتيجة قلة واردات المياه من تركيا وإيران المجاورتَين، واللتين تعانيان أيضاً من تأثيرات التغييرات المناخية على ينابيع المياه ومستويات الأمطار، ما يؤدي إلى تفاقم الجفاف واتّساع رقعة التصحر، في ظل ضعف البنية التحتية المائية واستمرار توترات إقليمية حول الحصص من المياه.

وتفرض الأزمة المناخية نفسها بصفتها أكبر تهديد استراتيجي للعراق خلال العقد الحالي، إذ تهدّد الأمن الغذائي، وتنعكس سلباً على الزراعة، وعلى البيئة، وتزيد من معاناة السكان في المدن والريف على حد سواء. ومع تمدّد الجفاف، يواصل المزارعون فقدان أراضيهم، ما يضع الحكومة أمام اختبار حاسم يتطلب تحركاً عاجلاً، وتخطيطاً طويل الأمد لتفادي تبعات أسوأ.

يقول الخبير الزراعي شاكر الدليمي، لـ"العربي الجديد": "المفارقة المؤلمة أن ما كان يُعرف سابقاً بـ(بلاد الرافدين) ذات التربة الخصبة والمياه الوفيرة، يشهد اليوم تراجعاً مريعاً في موارده الطبيعية نتيجة عوامل التغيّر المناخي، من زيادة حرارة الأرض، وتراجع معدلات الأمطار، وندرة الثلوج فوق جبال شمالي العراق، فضلاً عن السياسات المائية المجحفة لدول الجوار، وكلها عوامل تساهم في الإجهاز على نهري دجلة والفرات، ورغم التحذيرات المتكرّرة، لا تزال الإجراءات العراقية متأخرة، وهامشية، بينما تتراكم التهديدات".

في هذا السياق، كشف المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقية، خالد شمال، أن الوضع المائي هذا العام أسوأ مقارنة بعام 2024، مؤكداً أن العراق لا يحصل سوى على أقل من 40% من استحقاقه المائي، وقال في تصريحات صحافية، إن "الخزين الاستراتيجي للمياه تراجع إلى نحو 10 مليارات متر مكعب، في حين أنّ الحاجة الفعلية تقتضي توفر 18 ملياراً في بداية الصيف. هذا الانخفاض لم يُسجل منذ 80 عاماً. وقررت السلطات تقليص الخطة الزراعية الصيفية من أجل توفير مياه الشرب لما يقرب من 46 مليون نسمة، وسيجري الحفاظ على المساحات المثمرة، التي تعادل نحو مليون ونصف المليون دونم، من أجل ضمان الحد الأدنى من الإنتاج الغذائي".

وتفيد التقارير الرسمية بأن المساحات الخضراء تقلصت من نحو 50% من مساحة العراق إلى 17% فحسب، نتيجة تداعيات التغيّر المناخي، إلى جانب ضعف الوعي المجتمعي، فضلاً عن التقصير المؤسّسي في حماية البيئة الزراعية. ويفقد العراق سنوياً ما يقرب من مئة ألف دونم من أراضيه الصالحة للزراعة بسبب التصحر، فيما ساهمت أزمة المياه في تقليص الرقعة الزراعية بنسبة تصل إلى 50%.

ويحذر الخبير البيئي أسعد كاظم، من أن العراق ماضٍ نحو "كارثة بيئية" إذا استمرت هذه الأوضاع، ويقول لـ"العربي الجديد": "نشهد انهياراً تدريجياً في المنظومة البيئية، وهناك تراجع في التنوع الحيوي، وزيادة في انبعاثات الغبار والأتربة، وانتشار واسع لبؤر التصحر، وهذه كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم تغير المناخ المحلي".

ويصف المهندس الزراعي محمد النايف، التأثيرات الزراعية بـ"الضربة القاصمة للقطاع الزراعي"، محذراً في حديثه لـ"العربي الجديد" من أن "تداعيات الجفاف لن تقتصر على تقلص الإنتاج، بل ستجبر آلاف المزارعين على هجر أراضيهم، أو تحويلها إلى مشاريع تجارية، ما يساهم في تفاقم المشكلات، ونشهد انتشار المخازن والمستودعات في الأراضي القريبة من الطرق الرابطة بين المحافظات، وهي تستغل مساحات كبيرة من دون أي تخطيط بيئي، ما يساهم في رفع درجات الحرارة وزيادة نسبة التلوث".

وفي مواجهة هذا التدهور، أكدت وزارة الزراعة أن العراق بحاجة ماسة إلى زراعة أكثر من 15 مليار شجرة لتأمين غطاء نباتي كفيل بمكافحة التصحر واستعادة التوازن البيئي. وتُظهر تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) أن الغابات العراقية لا تتجاوز مساحتها 8250 كيلومتراً مربعاً، ما يعادل 2% فحسب من إجمالي مساحة البلاد. 

وفي هذا المناخ القاسي، يروي الفلاح عدنان جابر، من محافظة واسط (جنوب)، لـ"العربي الجديد": "كانت أرضي البالغة مساحتها 300 دونم تنتج محاصيل زراعية مختلفة، واليوم بات أقل من نصفها صالحاً للزراعة. كل عام نخسر أكثر، وإذا استمر الحال هكذا، سأضطر إلى بيع جزء من الأرض، أو تحويلها إلى مشروع تجاري مثلما فعل جيراني".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows