
أحكمت قوات الأمن الداخلي في محافظة السويداء، جنوبي سورية، صباح اليوم الخميس، إجراءاتها الأمنية المشددة حول مبنى المحافظة، بهدف منع تجمع متقاعدين عسكريين وأفراد شرطة مقالين من اقتحام المبنى، وفق ما أفادت به مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد". وذكرت المصادر أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات تضمن حق المحتجين في التعبير عن مطالبهم، مع الحفاظ على حرمة المنشآت الحكومية ومنع تخريبها.
وتعود جذور الأزمة التي فجّرت احتجاجات المتقاعدين العسكريين في السويداء إلى قرار السلطات السورية الجديدة تعليق رواتب آلاف العناصر الأمنية والعسكرية الذين كانوا في الخدمة عند سقوط النظام السابق أواخر عام 2024، بمن فيهم أولئك الذين استمروا في الخدمة ضمن جيش النظام منذ عام 2011 حتى سقوطه، ولم ينشقوا عنه. ويطالب هؤلاء بصرف مستحقاتهم المتراكمة منذ ستة أشهر، بعد وعود رسمية سابقة بإعادة دراسة أوضاعهم، ولا سيما لمن لم تُثبت إدانتهم في أي انتهاكات.
وقال أحد الضباط المتقاعدين لـ"العربي الجديد": "رفضت قتل أي سوري، وكنت أعمل في مواقع إدارية بعيدة عن ساحات القتال. يداي نظيفتان من الدم السوري، لكننا نُعاقب جماعياً"، مضيفاً: "ماذا عن فادي صقر وغيره من المتورطين في الدم السوري، الذين عادوا معززين مكرّمين؟ لماذا الكيل بمكيالين؟ لماذا يعاقب من لم يقتل ويُكرّم من قتل؟". وأكد أن المتقاعدين حرصاء على مؤسسات الدولة ولن يقوموا بتخريبها، لكنهم لن يتنازلوا عن حقهم في تأمين قوت أبنائهم.
من جانبه، أفاد مصدر أمني لـ"العربي الجديد" بأنّ المحتجين طالبوا بعقد لقاء مع أعضاء المجلس التنفيذي للمحافظة، وقد جرت بالفعل مباحثات مغلقة انتهت بتكليف المحافظ وقائد الشرطة رفع الملف إلى القيادة المركزية في دمشق. وأشار متقاعد عسكري آخر إلى أن "صمت المؤسسات يُناقض وعود المحافظ مصطفى البكور السابقة"، مؤكداً استمرار الاحتجاجات حتى تحقيق مطالبهم. وفي السياق، اعتبر الناشط الحقوقي خالد الحلبي أن "أزمة المتقاعدين تعكس إشكالية العدالة الانتقالية في سورية"، مشدداً على أنّ "تعليق الرواتب دون محاكمات يُجرّم أفراداً بذنب الولاية لا الفعل".
وفي تطور موازٍ، اقتحمت مجموعة تطلق على نفسها اسم "الهيئة العامة لحراك السويداء"، وتدّعي تمثيل الحراك الشعبي، أحد المكاتب المهجورة في مبنى المحافظة، واتخذته مقراً لتنسيقياتها. وتستخدم هذه المجموعة اسم الهيئة التي انبثقت من الحراك الشعبي عام 2023، والتي كانت قد أعلنت حلّ نفسها عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
وقال مصدر مقرّب من المجموعة لـ"العربي الجديد": "نرفض تهميش دورنا في صنع القرار. وجودنا داخل المؤسسات ضروري لتحقيق أهداف الثورة"، مشيراً إلى أن المجموعة سلّمت سابقاً مكاتب كانت تشغلها للمجلس التنفيذي الجديد مقابل الحصول على هذا المقر. في المقابل، أفاد ناشط من السويداء لـ"العربي الجديد" بأنّ هذه المجموعة طُردت قبل أشهر من مبنى المحافظة خلال تظاهرة نظمها نشطاء الحراك.
وتشهد محافظة السويداء، منذ فبراير/ شباط الماضي، تصاعداً في التحركات الاحتجاجية، تزامناً مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، في وقت يرى فيه مراقبون أن السويداء باتت تمثل نموذجاً فريداً في إدارة الصراع المجتمعي داخل المناطق الخارجة عن السيطرة المباشرة لدمشق. وتتوزع مطالب المحتجين بين المتقاعدين العسكريين الذين يطالبون بحقوقهم المالية المجمّدة منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، والتيارات السياسية التي تسعى لإضفاء شرعية على مشاركتها في صنع القرار المحلي، بينما تواصل سلطات المحافظة الرسمية محاولاتها للموازنة بين ضغوط دمشق ومطالب المواطنين والفاعلين المحليين.

Related News

