إيران الفارسية وأميركا الرومية...
Arab
1 week ago
share

وقعتُ على منشورات ومقابلات، تقطع بأنَّ حرب إيران وأميركا وإسرائيل مجرّد تمثيلية. حتى إن الحلاق، ومقصّه يغرّد في رأسي، قال لي: "انتهت التمثيلية بسرعة يا كومبوس" (يعني يا صاح).

أوقع "الأسد الصاعد" خسائرَ عظيمة في إيران: مفاعلاتٍ ذرّيةً، وعلماء نوويين، وقادةً عسكريين، ومئات الضحايا، ومذيعين. أمّا من الجانب الإسرائيلي، فقد تضرّرت بعض الأبنية، وسقط 28 إسرائيلياً، نصفهم من العرب، من دون أن يكون بينهم قائد أو مذيع (!)، نزار قبّاني: ما أصعب أن تحارب دولة ليس لها عنوان، يا ولدي. وأمّا مفاعل ديمونا، ففي الحفظ والصون. والحقّ أنَّ جموعاً من المحتلّين نزحوا تهريباً عبر الصحراء إلى ديارهم، خوفاً من زئير "الملحمة الكبرى". إسرائيل تخسر أكثر.

يسخر الناس من الحرب القصيرة بين إيران، وأميركا وإسرائيل، لاعتيادهم حروباً مثل داحس والغبراء، أو دمشق والقرداحة. وما إجماعُ الخاصّة والعامّة على وصف الحرب بالمسرحية، إلا لأنَّ الحرب خدعة، وكذلك التمثيل. لكن تمثيل الحرب يختلف عن تمثيل السينما، فدماء الحرب حقيقية. وقد اقتبسنا عنوان مقالنا هذا من عنوان كتاب الثعالبي، مع أنَّ التمثيل عنده ليس فيه كلاكيت (يا ولدي)؛ قال: "هذا كتاب ألّفته في الأمثال والتمثيلات والمحاسن واللطائف والظرف، ممّا يُستجاد في المحاضرات، ويُحتجّ به في المناظرات".

قالت إيران إنّ أميركا خانت العهد، وكانت قد أمهلت إيران أسبوعَين، فإذا بها تقصفها بعد يومَين. وهو قول لا يليق بعدوّ؛ فالحرب خدعة، والشيطان الأكبر دينه الغدر. فوقعت الواقعة بين فريقَين معصومين دينياً ونووياً: إيران، الدولة صاحبة التاج والشاهنامة، والشطرنج، والسرداب، وآيات الله العظام، وأرواح الله المعصومين، يقول الخميني: "من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل". وأمّا أميركا، فهي معصومة أيضاً، مثل ابنتها في الشرق الأوسط: لها البياض، والعلم، والثروة، والسلاح، والسلاح النووي، وطائرات الشبح، ورئيسٌ ذهبي الشعر، غربي السمات.

وأمّا نحن، فيصدُق فينا قول القهرمانة (كتاب جيل الشجاعة لنجاة قصّاب حسن)، ومعها صغيرة من بنات الخطا، إذ أخذهما أهل دوما إلى لعب "الشطرنج"، وكان لا بدّ من المرور عبر طريق حرستا، لا طريق القدس. فاندلع بين الفريقَين صراع بالنار والخناجر، فولولت الصغيرة، فأسكتتها القهرمانة، وقالت: "إن أخذنا هؤلاء صخمونا، وإن أخذنا هؤلاء صخمونا".

نال الفريقان المتحاربان جائزةَ النصر الأتمّ الأعمّ، الأكمل الأكحل، الأبلج الأثلج، مناصفة وبالتساوي. وهي جائزة تمنح في الآداب، لكنّها المرّة الأولى التي ينالها خصمان نوويان. أعلن كل فريق النصر واحتفل به، وقد غضب ترامب من ادّعاء خامنئي النصر، ومن تقارير "سي أن أن" التي شكّكت في صحّة معلومات تضرّر مفاعل فوردو.

انطلقت تحليلات موالية لإيران تقول إنّ طهران أخفت اليورانيوم المخصّب في مئة موقع، وتذكّر محللون إسرائيليون "أصحاب الشباشب"، الذين أخفوا أسراهم. وأعجزوا أعتى قوة إقليمية، في حيّز صغير قدره 360 كيلومتراً مربعاً، وهو رقم يذكّر بأيام السنة، وبدرجات الدائرة، وعلى الباغي تدور الدوائر والمربّعات التي دُوّرت تدويراً.

إن كان تمثيلاً يا كومبوس، فإنّ التمثيل خشن. وفي التمثيل السينمائي أيضاً دماء وتضحيات. ومن الأمثلة: أميتاب باتشان، الذي كاد أن يموت حين أبى استخدام بديلٍ في أداء مشاهد المخاطر، وأصرّ على تمثيل الدور بنفسه، فسقط من أعلى السلّم. وجاكي شان الذي لم يبقَ في جسمه شبرٌ إلا وفيه لطمة أو ضربة ننشاكو. وليوناردو دي كابريو، في فيلم "جانغو"، أدمى إصبعه ونزف دماً حقيقياً، لا مزيّفاً كالكاتشاب. فاذكر، يا كومبوس، قول القائل: "إن أنت إلا إصبعٌ دَمِيتِ، وفي سبيل الفنّ ما لقيتِ".

دعي الناس في الجهتَين إلى حَفْلَي النصر في الساعة السادسة مساءً، "والدعوة عامة، ودامت النيران في دياركم ساعرة".

تذكَّر كريستوف "كومبوس"، كتاب الثعالبي، وليس كتاب ستانسلافيسكي. ودماء ليوناردو دي كابريو، "الأسد ذو الكبرياء"، في فيلم "جانكو"، وقال: "احتاجت إسرائيل إلى التضحية بمفاعل نووي لم يجاوز الفطام، لغسل عار معركة "ذات الشباشب".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows