نكبة زراعية في تركيا.. المحاصيل تحترق والمواشي تمرض
Arab
1 week ago
share

تتوالى الأزمات الزراعية، بشقيها النباتي والحيواني، على تركيا هذا العام، ما دق ناقوس الخطر واستدعى تدخل الحكومة لإجراءات إسعافية، كمنح القروض وزيادة فترة الأقساط، وتقديم سبل انتشال البلاد من "كارثة" بعد تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعارها بالسوق المحلية واتساع رقعة الجفاف وتأثيره، لتكتمل دائرة "المصائب" قبل يومين، جراء الحرائق وإصابة المواشي بالحمى القلاعية، ما أغلق أسواق الأغنام والأبقار بجميع الولايات التركية.

ويأتي الجفاف بمقدمة أسباب كارثية الزراعة التركية لهذا العام، بعد أن شهدت تركيا، بين أكتوبر/تشرين الأول 2024 ومارس/آذار 2025، أدنى معدل "موسم هطول" أمطار منذ 65 عاما، ما أدى إلى أزمة جفاف ضربت "السهل العميق" في ولاية هاتاي، إحدى أكثر المناطق الزراعية خصوبة في البلاد. ونتيجة الجفاف، تراجعت سنابل القمح في "قوملو" و"ريحانلي" عن النضج اللازم للحصاد، مع توقعات بانخفاض الإنتاج بنسبة تصل إلى 7%.

ولا تقتصر تداعيات الجفاف، برأي خبراء، على تراجع حصة المياه للفرد ( نصيب الفرد من الماء فيها 1.346 متر مكعب سنويا)، بل تطاول المواسم الزراعية، من انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة أسعار المواد الغذائية، ولما لذلك من انعكاسات سلبية على دخل الأتراك، ومستوى معيشتهم أو حتى الهجرة من الريف إلى المدينة.

ولعل موجات الصقيع التي ضربت الولايات المنتجة للفواكه زادت من قلة العرض وغلاء الأسعار، بعد تراجع إنتاج الفاكهة في تركيا من 28 مليون طن إلى 20 مليون طن هذا العام، واستمرار انخفاض الإنتاج خلال العام المقبل بسبب الأضرار التي لحقت بالأشجار، ما أوصل سعر الدراق إلى 160 ليرة، والمشمش 140 ليرة، والكرز 400 ليرة، وهي أسعار تفوق قدرة الأتراك الشرائية بعد ارتفاع تكاليف المعيشة وفق اتحاد نقابات العمال الأتراك (TÜRK-İŞ) خلال تقريره الشهري حول تكاليف المعيشة لشهر يونيو/ حزيران 2025، وارتفاع خطي الجوع والفقر لأسعار الغذاء والخدمات الأساسية، ما يُنذر بتفاقم الأعباء على الأسر ذات الدخل المحدود في البلاد، بعد أن سجل حد الجوع 26,115 ليرة تركية شهريًا، وحد الفقر 85,066 ليرة تركية شهريًا، في حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 22 ألف ليرة تركية.

وبدأت آثار الجفاف والصقيع تنعكس على أرقام الإنتاج الزراعي التركي. فبحسب رئيس اتحاد غرف الزراعة في تركيا (TZOB) شمسي بيرقدار، تسبب الجفاف والكوارث المناخية، مثل الصقيع والبرد والفيضانات، في شلل شبه تام للإنتاج الزراعي، خاصة في مناطق جنوب شرق ووسط الأناضول. ويكشف رئيس غرف الزراعة التركية أن البيانات الواردة من غرف الزراعة في الولايات المختلفة تؤكد خسائر مرتفعة بشكل غير مسبوق في محاصيل القمح والشعير والعدس. ففي ديار بكر، انخفضت غلة القمح الجاف بنسبة 48%، والقمح المروي بنسبة 10.8%، والشعير الجاف بنسبة 63%.

وفي ماردين، تضرر القمح بنسبة 20%، والشعير بنسبة 50%، والعدس بنسبة 55%. أما في قونية، فقد تراوحت غلة الشعير بين 50 و150 كلغ للفدان بدلًا من المتوسط المعتاد البالغ 250-300 كلغ. وحول آثار الصقيع، يشير بيرقدار أن الولايات التي نالت هطولات مطرية جيدة لم تسلم من الصقيع هذا العام. ففي أكسراي، وعلى الرغم من الأمطار الجيدة، إلا أن الصقيع في إبريل تسبب في توقعات بانخفاض المحاصيل بنسبة 20%. و في كارامان، تعذر الحصاد في 400 ألف فدان من أصل 670 ألفًا بسبب الجفاف والصقيع الزراعي. ونال الصقيع من إنتاج ولاية قيصري بنحو 50%، وطاولت خسائر الصقيع نحو 90% من إنتاج ولاية كيرشهير الزراعي.

لكن ولاية هاتاي الحدودية مع سورية نالت النصيب الأكبر من خسائر إنتاج القمح، بحسب بيانات وزارة الزراعية، إذ بلغت خسائر القمح 100% في قضائي بيلين وإسكندرون، و60% في ألتينوزو، و50% في كوملو، و42% في إرزين، و40% في كيريخان وباياس ودفنه وريحانلي، و35% في أنطاكيا، و30% في سامانداغ، وأرسوز، وهاسا. وانخفض الإنتاج بولاية كليس بين 70و80%. وقبل أن تضمد الحكومة التركية جراح المزارعين جراء تراجع الإنتاج والخسائر، بدأ شبح الحرائق يلاحق المساحات الخضراء وتعب الفلاحين. فنشبت حرائق بولايات تركية عدة، كانت أكثرها اتساعاً بسبب الرياح بولاية هاتاي ( منطقة كاراعلي)، لتصل إلى مناطق أوغلاكورين وألازي وأوشغديك، ما دفع وزير الزراعة والغابات التركي، إبراهيم يوماقلِي، لزيارة مواقع الحرائق والوقوف على أعمال إخماد حريق كاراعلي، بعد تفقده حرائق ولايات عدة، مندريس وسفريحصار في إزمير، وأخيسار، كولا، وساروهانلي في ولاية مانيسا.

ولم يكن الشق الحيواني بالقطاع الزراعي بتركيا في مأمن عن تداعيات الجفاف وارتفاع الحرارة وغلاء الأعلاف، بل تأثرت تربية المواشي وإنتاج الحليب واللحوم، بسبب الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف، ما رفع أسعار لحوم الأبقار للمستهلكين بين 700 و750 ليرة للكيلو، قبل أن تعلن تركيا، أول أمس الثلاثاء، عن تفشي جائحة الحمى القلاعية، وتقرر وزارة الزراعة والغابات التركية إغلاق جميع أسواق المواشي بالولايات التركية الواحدة والثمانين، بعد إرسال المديرية العامة للأغذية والرقابة بالوزارة خطاباً عاجلاً للمديريات، ما ينذر، إضافة للجفاف وتراجع عرض الأعلاف وغلاء سعرها، بارتفاع أسعار اللحوم وخسائر المربين.

ودفع هذا الواقع حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان للتركيز على الشق الحيواني بدعم إضافي وتقديم قروض استثمارية تصل لنحو 5 ملايين ليرة، بأجل يصل إلى 7 سنوات، بينها عام كامل من الإعفاء من سداد أصل الدين. وتُمنح هذه القروض دون الحاجة إلى رأس مال أسهم، بهدف دعم المؤسسات التي تسعى لزيادة طاقتها الإنتاجية. وأعلن الرئيس التركي، خلال مؤتمر النظام البيئي الزراعي الذي استضافه مركز "خليج" للمؤتمرات في إسطنبول قبل أيام، عن رفع سقف القروض في إطار مشروع توطين السكان بقراهم ودعم المشاريع الزراعية الصغيرة "لديّ أسباب كثيرة للعيش في قريتي"، المُنفذ بالتعاون بين وزارة الزراعة وبنك زراعات، من 600 ألف ليرة تركية إلى مليون و200 ألف ليرة تركية.

وأكد الرئيس التركي أن هذا التمويل سيُسهم في تطوير تربية الماشية الصغيرة وزيادة الثروة الحيوانية في الأرياف، واعداً أن الحكومة ستواصل تقديم فرص ائتمانية مغرية تُمكّن المواطنين من البقاء في قراهم والاستثمار في أراضيهم، بما يعزز الأمن الغذائي ويعطي دفعة قوية للاقتصاد الزراعي في البلاد. وتتابع الحكومة التركية تطويق خسائر الفلاحين وتلافي أضرار عام الكوارث الزراعية، بعد نداءات عدة من الفلاحين وأعضاء البرلمان الذين عقدوا جلسة للوقوف على آثار الجفاف ونتائجه، وما يمكن أن تنعكس على مستقبل الإنتاج الغذائي في تركيا وتؤثر على منسوب المياه الجوفية التي زاد استخدامها، بسبب قلة الأمطار والجفاف، خاصة لموسم زراعة القمح وبمقدمته الذرة.

وأعلن الرئيس التركي أردوغان عن حزمة تسهيلات ائتمانية واسعة للمزارعين، تشمل مشاريع البيوت البلاستيكية وتربية الأبقار الحلوب والماشية الصغيرة، واعداً بحزمة قروض بفترة سداد طويلة الأجل وقرارات تأجيل تسديد للقروض السابقة، تخفف عن المزارعين خسائرهم لهذا العام، مضيفاً خلال الاجتماع الرابع للبنك الزراعي حول النظام البيئي الزراعي أن بنك "زراعات الحكومي" أعد حزمة قروض تتماشى مع احتياجات المزارعين، وتخصيص قروض تصل إلى 10 ملايين ليرة تركية ( الدولار يعادل حوالي 40 ليرة) للراغبين في إنشاء بيوت بلاستيكية لإنتاج الخضروات والفواكه، بفترة سداد تمتد حتى 10 سنوات، تتضمن إعفاءً من سداد أصل الدين لمدة عام للمشاريع التي تقل مساحتها عن 10 فدادين، وأن نسبة رأس المال المطلوبة للاستثمار ستحدد بـ20%، في حين تنخفض إلى 10% للشباب والنساء.

ويقول مدير أكاديمية الفكر للدراسات الاسترايجية بإسطنبول، باكير أتاجان، إن ملامح الجفاف تتعاظم على تركيا التي تدرج ضمن الجيل الثاني للجفاف، غير مستبعد دخولها الجيل الأول، بعد عقدين من الزمن، إن استمرت بالطرق القديمة بالري والتخزين وعدم استثمار المياه، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن المياه المستخدمة للري تقدر بنحو 70% من المياه الكلية، لكنها تبدد ولا يستفاد منها كاملة، إذ يذهب جلها للبحار. وفي حين يرى أتاجان أن أزمة نقص المياه وزحف الجفاف شبه عالمية، يؤكد على حسن استثمار مياه نهري "الفرات ودجلة" التي تتشاطر مع تركيا فيهما سورية والعراق، والحفاظ على أحواض المياه، خاصة بالنسبة لنوبات الجفاف هذه التي أصبحت أكثر حدة وطويلة الأمد.

وحول ما يمكن تلافيه هذا الموسم، يضيف الباحث التركي أن الحكومة بادرت، ولابد من المزيد، على صعيد القروض والتسهيلات الائتمانية للفلاحين، وتحمل جزء من الخسائر، إلى جانب خطة شاملة للتحول بطرق الري وحسن استخدام المياه. وإلا فإن الجفاف يمكن أن يتحول ببعض الولايات لتصحر، ما يزيد من الفقر والغلاء والبطالة، لأن 20% من الأيدي العاملة بتركيا تعمل بالزراعة، ويتأثر إنتاج تركيا الزراعي بعد أن تبوأت مراكز متقدمة على الصعيد الأوروبي، بالإنتاج والتصدير. وتحتل تركيا اليوم المرتبة الأولى أوروبياً والثامنة عالمياً بالإنتاج الزراعي والرابعة بإنتاج الخضر والفواكه، بعد أن بلغت قيمة الإنتاج الزراعي فيها، بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) والبنك الدولي، 68.9 مليار دولار في 2023، قبل أن يزيد الإنتاج بأكثر من 3% العام الماضي.

وبحسب بيانات جمعية المصدرين الأتراك (TIM)، ارتفعت صادرات تركيا الزراعية العام الماضي إلى 36.2 مليار دولار بنسبة زيادة 3.3% عن صادرات عام 2023. لتبلغ أعلى قيمة بتاريخ الجمهورية التركية، بعد أن سجلت صادرات الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومنتجاتها نحو 12 مليار و378 مليون دولار العام الماضي. فيما بلغت صادرات الخضروات والفواكه الطازجة 3 مليارات و492 مليون دولار، والفواكه المجففة ومنتجاتها مليار و610 ملايين دولار، والزيتون وزيت الزيتون 871 مليون دولار، إضافة إلى منتجات أخرى.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows