
عادت قضية الحريات الإعلامية في لبنان إلى الواجهة مجدداً، مع استدعاء مكتب المباحث الجنائية لرئيس تحرير صحيفة الحرة الإلكترونية الصحافي بشارة شربل ومديرة التحرير كارين عبد النور، في خطوة أثارت موجة من الاستنكار، وسط تشديد من هيئات إعلامية وحقوقية على ضرورة احترام قانون المطبوعات الذي يحصر ملاحقة الصحافيين بمحكمة المطبوعات دون سواها.
في بداية الأمر، لم يكن سبب الاستدعاء واضحاً، إلا أن المعلومات المتوافرة لاحقاً أشارت إلى أن الأمر يرتبط بمانشيت نشرته الصحيفة، تضمّن إشارات إلى خلاف بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول ملف التعيينات، لا سيما في ما يتعلق بمنصب نائب حاكم مصرف لبنان وتعيين القاضي زاهر حمادة مدعياً عاماً مالياً. وذكرت الصحيفة أن الاقتراح تضمن شرطاً مسبقاً يقضي بالتزام حمادة بفتح "ملفات منيّمة"، كما وردت في المادة إشارة إلى أن القاضي علي إبراهيم "يتلقى الأوامر على الهاتف"، ما اعتبرته السلطات "إهانة للقضاء".
وتبعاً لذلك، توجه عناصر من قوى الأمن الداخلي إلى منزل شربل، وأبلغوه بموعد جلسة استجواب كانت مقررة في الأول من يوليو/تموز الحالي، إلا أنه اعتذر عن الحضور بسبب وجوده خارج البلاد، ومنذ ذلك الحين لم يُعد التواصل معه.
أما مديرة التحرير كارين عبد النور، فقد حُدد موعد لاستجوابها الاثنين الماضي، لكنها رفضت المثول أمام مكتب المباحث الجنائية، وقدّمت بواسطة وكيلها القانوني مذكرة إلى النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، أكدت فيها عدم قانونية الاستدعاء، انطلاقاً من صراحة قانون المطبوعات. ووفق معلومات "العربي الجديد"، ارتأى القاضي حجار اعتبار عبد النور المسؤولة عن المادة المنشورة، فتوقف الملف عندها من دون استدعاء شربل مجدداً.
رغم المذكرة القانونية، عادت السلطات وحددت موعداً جديداً لاستجواب عبد النور غداً الخميس. لكن عبد النور جددت لـ"العربي الجديد" تمسّكها بموقفها الرافض، قائلة: "التزاماً مني بقانون المطبوعات، وبالبيان الصادر عن نقيب المحررين، وبنصيحة نقيب المحامين، لن أمثل أيضاً الخميس. أنا أرفض لأنني أطبّق القانون، ولأنني تحت القانون". ورجّحت أن يفتح تكرار رفضها الباب أمام ثلاثة احتمالات: إصدار بلاغ بحث وتحرٍ بحقها، أو تحويل الملف إلى محكمة المطبوعات، أو طيّه نهائياً. لكنها تستبعد الخيار الأخير. وأضافت: "ما يحصل مؤسف ومخزٍ. الحريات حق مقدّس. رأينا كيف رُفع سقف خطاب القسم في مشهد استعراضي يوم تعيين الرئيس جوزاف عون، حين كان يحيّي الصحافيين. أما اليوم، فالصحافة لا تطلب من رئيس الجمهورية شعارات فولكلورية، بل حماية فعلية لحرية الرأي والتعبير، بالأفعال لا بالشعارات الشعبوية (...) القضية اختبار لهذا العهد. وإذا سقطت هذه القضية، فهذا يعني أن العهد سقط معها، لأن ما يجري يعكس توجهاً مخالفاً كلياً لما وعد به خطاب القسم".
يُذكر أن بشارة شربل، الذي تولّى سابقاً رئاسة تحرير صحيفة نداء الوطن، أطلق في إبريل/نيسان الماضي صحيفة الحرة الإلكترونية، التي ترفع شعار "الدولة السيدة المحايدة"، وتدافع عن "العدالة الاجتماعية بما تتضمنه من محاربة الفساد، واستعادة حقوق الناس وودائعهم، ومحاسبة سارقيهم مهما علا كعبهم وتضخمت حساباتهم، ولجأوا إلى التهويل والترهيب"، بحسب ما ورد في بيان انطلاقتها. كما تعلن الصحيفة عن "تقديس حرية القول والكتابة ضمن قوانين لا يجرؤ على خرقها متنفّذ، ولا يستغل هوامشها قاضٍ".

Related News

