
استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الأحد الماضي في مدينة العلمين، كلاً من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في لقاءين منفصلين لكن متزامنين، في محاولة مصرية لإعادة ضبط دورها الإقليمي بين السودان وليبيا. وكشفت مصادر مصرية خاصة لـ"العربي الجديد" أن إدارتي الأزمة في مؤسستي الرئاسة والمخابرات العامة تعملان حالياً على إعداد تصوّرين جديدين لإدارة الأزمتين السودانية والليبية، ضمن مقاربة أكثر توازناً، تأخذ في الاعتبار التحوّلات العسكرية على الأرض، وتزايد أدوار القوى الإقليمية المنافسة، والأهم التداخل بين الملفين.
دعم حفتر والبرهان
وتؤكد القاهرة دعمها الثابت للبرهان باعتباره القائد الشرعي للقوات المسلحة السودانية، وتُبدي استعدادها الكامل للمساعدة في استعادة وحدة السودان واستقراره. وفي الخلفية، يتواصل دعم مصر لحفتر، الذي تشير تقارير موثقة إلى تورط وحدات تابعة له، أو مدعومة منه، في دعم قوات الدعم السريع المناوئة للبرهان، سواء عبر طرق تهريب السلاح، أو السماح بتحركات ميدانية على حدود ليبيا الجنوبية. وتصاعد هذا التناقض إلى الواجهة خلال الأيام الماضية، بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا، في تطور ميداني بالغ الحساسية بالنسبة للقاهرة، التي ترى في هذا المعبر الصحراوي نقطة تماس استراتيجية لا يمكن التفريط بها.
مصادر مصرية: القاهرة تعمل على إعداد تصورين جديدين لإدارة الأزمتين السودانية والليبية، ضمن مقاربة أكثر توازناً
وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" إن مصر طرحت خلال لقاء السيسي بحفتر هذا الملف تحديداً، وعبّرت عن انزعاجها من توسّع نفوذ "الدعم السريع" في المناطق الحدودية، مؤكدة ضرورة ضبط مسارات الدعم غير المباشر، وعدم السماح باستخدام الأراضي الليبية في تهديد الأمن القومي المصري أو تقويض موقف حليفها البرهان. لكن القاهرة، بحسب المصادر ذاتها، لم تتخذ موقفاً قاطعاً ضد حفتر في هذا الملف، إدراكاً منها لحجم النفوذ الذي يتمتع به في الشرق والجنوب الليبي، وحاجة مصر إلى استمرار التعاون معه في ملفات أخرى، مثل تعيين الحدود البحرية، وتأمين سلاسل الإمداد وطرق التهريب.
وفي سياق موازٍ، ناقش السيسي مع حفتر، بحسب المصادر، ملف تعيين الحدود البحرية بين مصر وليبيا، قبيل زيارة مرتقبة لوفد يوناني إلى ليبيا، ما يكشف عن سعي مصري لتحصين مصالحها في شرق المتوسط، وضبط التوازن مع الاتفاقيات السابقة التي أبرمتها حكومة طرابلس مع أنقرة، والتي ترفضها القاهرة. وقالت المصادر إن مصر تسعى إلى إبرام تفاهم رسمي مع حفتر يقضي بتعيين المياه الاقتصادية بين البلدين، بما يضمن لمصر عمقاً استراتيجياً في شرق المتوسط، ويضع حداً للفراغ القانوني الذي يمكن أن تستغله تركيا أو أطراف أوروبية في المستقبل.
على الجانب السوداني، أكدت مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" أن البرهان طلب من السيسي تشديد الضغط على حفتر لضبط نشاط وحداته في الجنوب الليبي، والتوقف عن دعم قوات الدعم السريع، أو السماح بتهريب السلاح إلى غرب السودان، وهو الطلب الذي لم يتلقَّ إجابة واضحة، لكنه قوبل بتأكيدات مصرية على "الحرص على وحدة السودان واستقراره وعدم التدخل في مسارات الصراع الداخلي". وفي هذا السياق، قالت المصادر إن القاهرة بدأت بالفعل مراجعة صامتة لموقفها في السودان، إذ تخلّت عن الانحياز الكامل للبرهان، وبدأت بالانفتاح على المبادرات الإقليمية لتشكيل حكومة مدنية انتقالية، مع الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية في إطار حماية مصالحها الحدودية وأمنها المائي.
أكثر من مصادفة؟
وعن ذلك، قال السفير المصري السابق في السودان، حسام عيسى، لـ"العربي الجديد"، إن زيارة البرهان إلى مصر "أمر طبيعي للغاية في ضوء العلاقات الوثيقة والممتدة بين الدولة المصرية ونظيرتها السودانية، فضلاً عن قوة العلاقة الشخصية بين القائدين، والتي تعزز التنسيق المستمر بين البلدين". وأضاف أن تزامن زيارة حفتر مع زيارة البرهان قد لا يكون مصادفة بالكامل، مضيفاً: "قد يكون هناك تحرك مصري يهدف إلى التنسيق بين حليفين موثوقين، ومحاولة معالجة أي توترات قد تكون نشأت أخيراً، خصوصاً بعد ما تردد عن دور لحفتر في السيطرة التي قامت بها قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا". وأضاف: "ربما سعت القاهرة من خلال اللقاءين إلى احتواء أي نقاط خلافية، والوصول إلى صيغة تفاهم تحفظ مصالح جميع الأطراف في لحظة دقيقة تمر بها المنطقة".
حسام عيسى: تزامن زيارة حفتر مع زيارة البرهان قد لا يكون مصادفة بالكامل
من جهته، قال الخبير العسكري والاستراتيجي عبد القادر معتصم، لـ"العربي الجديد"، إن "التهدئة الدولية للصراع في السودان" باتت ملموسة من خلال سلسلة من المؤشرات، من بينها استقبال البرهان في مؤتمر التنمية بمدينة إشبيلية الإسبانية، وتكثيف الاتصالات الأممية، وزيارات رفيعة المستوى إلى بورتسودان من مسؤولي مخابرات من تشاد وإثيوبيا وأطراف دولية أخرى. وأكد معتصم أن المكاسب الميدانية التي حققتها القوات المسلحة السودانية، خصوصاً السيطرة على الخرطوم، والولايات الوسطى، أدت إلى "ميل الكفة السياسية والعسكرية داخلياً وخارجياً لصالح الجيش"، مضيفاً: "الدول تتعامل مع من يملك السيطرة الفعلية على الأرض، وهذا ما تحقق للجيش أخيراً". وختم بالقول إن "الجيش السوداني بات يتفوق ميدانياً بشكل واضح، خصوصاً بعد إدخال الطائرات المسيّرة التي تستهدف بدقة مراكز الدعم السريع في دارفور وكردفان، بينما تقلص استخدام المسيّرات لدى المليشيا".

Related News

