الكنيسة الرسولية في مرمى نيران سلطات أرمينيا
Arab
1 week ago
share

تعيش أرمينيا منذ عدة أسابيع حالة من الانقسام العميق بين السلطة والكنيسة الرسولية التي تتعرض لملاحقات وصلت إلى حد اعتقال رئيس الأساقفة، ميكائيل أجاباخيان، في 27 يونيو/حزيران، ووضعه رهن الحبس لمدة شهرين بتهم من بينها الدعوة إلى "الاستيلاء على السلطة" و"التخلي عن السيادة" و"انتهاك وحدة أراضي البلاد"، وقبلها اعتقال زعيم حركة "النضال المقدس"، باغرات غالستانيان، بتهم "الإرهاب" و"تنظيم أعمال الشغب" ومحاولة "اغتصاب السلطة".
وطالبت الكنيسة الأرمينية بالإفراج عن رئيس الأساقفة أجاباخيان، معتبرة أن قرار حبسه نتيجة مباشرة للسياسات المعادية للكنيسة و"تصريحات العداوة والكراهية حيال القيادة الدينية" من قبل رئيس الوزراء نيكول باشينيان، وغيره من كبار رجال الدولة. 
وحين تدخل الملياردير الأرميني الروسي، سامفيل كارابيتيان، في الخلاف، مندداً بأعمال السلطة، اعتقل هو الآخر، على خلفية اتهامه بالدعوات إلى "القفز على السلطة". ويعرف عن كارابيتيان أنه مالك لمجموعة شركات "تاشير" التي اشتق اسمها من اسم مدينة تاشير الأرمينية.
وأسفرت المداهمات عن اعتقال أكثر من عشرة أشخاص في قضية محاولة انقلاب، فيما جرت أكثر من 90 عملية مداهمة أسفرت عن مصادرة أسلحة وذخيرة وما اعتبر "قوائم المتآمرين"، وفق الرواية الرسمية الأرمينية.
وتأتي حملة الاعتقالات هذه بموازاة تفاقم الخلافات بين الكنيسة وباشينيان، والذي أعلن في وقت سابق، إحباط محاولة انقلاب كانت "القيادة الدينية" ضالعة فيها، وقبل ذلك، اتهم رئيس الوزراء رئيس الكنيسة، الكاثوليكوس غاريغين الثاني، بانتهاك التعهد بعدم الزواج، مطالباً إياه بالتنحي، واقترح تعديل نظام انتخاب الكاثوليكوس مع منح الدولة الدور الحاسم في هذه العملية. لكن الكنيسة ردت بالتأكيد على أن مثل هذه المسائل يتم البت فيها داخل الكنيسة، ولا تقع ضمن اختصاص رجال الدولة أو السياسة.
ويرى كبير الباحثين في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عالم الأديان رومان لونكين، لـ"العربي الجديد"، أن "جوهر الأزمة الكنسية الأرمينية يكمن في أن قادة الكنيسة يدعمون معارضي السلطة. الكنيسة لديها علاقة وطيدة بالشعب، وبالوطنية والهوية، وبتاريخ نجاة الدولة الأرمينية الواقعة على تقاطع طرق بين القوى العظمى، وعلى رأسها صراع الإمبراطوريتان الروسية والعثمانية". 

ويقول لونكين: "رؤساء الكنيسة يدعمون الخصوم السياسيين لرئيس الوزراء باشينيان، ووصل الأمر إلى أن الأسقف باغرات غالاستنيان قاد تظاهرة ضد السلطة الحالية، وقد أصبح مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء عن المعارضة، ثم اعتقل للاشتباه بالتحريض على إسقاط السلطة بالقوة، وأثناء اقتحام مقر رئيس الكنيسة، اعتقل رئيس الأساقفة ميكائيل أجاباخيان، وهو داعم لباغرات. الخلاف بين الكنسية والسلطة يجمع في طياته بين أبعاد سياسية وأخرى أيديولوجية، إذ يوجه قادة الكنيسة انتقادات لنهج باشينيان الرامي إلى التقارب مع أوروبا، واعتماد القيم الغربية، وتسليمه إقليم ناغورنو كاراباخ لأذربيجان".
ويذكّر عالم الأديان الروسي بأن أنصار باشينيان طلبوا منذ وصوله إلى سدة الحكم فوق موجة "الثورة المخملية" في عام 2018، بتغيير قيادة الكنيسة، وهاجموا الكاثوليكوس في مقره، بينما من الرؤية الأيديولوجية، فإن باشينيان يعتمد الأيديولوجية الليبرالية الجديدة القاضية باستئناس الدين في حال كان يعرقل مسار تعزيز السلطة، شأنه شأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والذي يسجن رؤساء الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية.
ويخلص لونكين إلى أن "تلك أعراض للعولمة التي تفضي بإزالة المؤسسات التقليدية والهوية الوطنية في دول غير غربية حتى تنضم إلى صف الغرب في الصراع الدائر بين الليبرالية الغربية وأنصار الهوية التقليدية". 

وتعيش عدد من الجمهوريات السوفييتية السابقة انقسامات بين المحافظين والليبراليين من السكان، وبين الموالين لروسيا والموالين للغرب، ويفضي ذلك في بعض الأحيان إلى انشقاقات أو نشوب أزمات، لعل من أبرزها انقسام الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إلى كنيسة تابعة تاريخيا لبطريركية موسكو، وكنيسة ثانية موالية للسلطات في كييف.
ويثير تطور الأحداث في أرمينيا قلق موسكو، إذ أعرب الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، عن تعامل بلاده مع الأحداث في أرمينيا على أنها شأن داخلي لا تريد التدخل فيه، مكتفياً بالقول إن "موسكو تتابع الوضع بألم. أرمينيا بلد قريب للغاية إلينا، ولا ننسى أن هناك بضعة ملايين من الأرمن يحملون الجنسية الروسية، وهم بالطبع يتألمون عند متابعة هذه الأحداث".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows