"الستة من موريا"... المخيم يحترق وتتكثّف فوقه سُحُب الصمت
Arab
1 week ago
share

مخيّم موريا أسوأ وأشهر مخيمات اللاجئين من سورية وأفغانستان ودول الشرق الأوسط الأخرى على أراضي الاتحاد الأوروبي. يقع في الجزيرة اليونانية ليسبوس. في الثامن والتاسع من سبتمبر/أيلول عام 2020، تعرّض لحريق دمّره كاملاً. يروي الفيلم الوثائقي، "الستة من موريا" (Moria Six)، قصّة ستة لاجئين شباب يعيشون في السجن بعد الحريق المدمّر، بانتظار صدور أحكامٍ عليهم.
انطلقت المخرجة الألمانية جينيفر مالمان (Jennifer Mallmann) من دهشتها لسيادة صمت مريع، أعقب دمار المخيّم، ليس محلياً فقط، بل في الخطاب العام أيضاً. لم يبدُ العالم مُهتماً بالظروف اللاإنسانية في المخيمات الأخرى، على الحدود الخارجية لأوروبا، أو بعمليات الإعادة القسرية التي لا تُحصى في البحر الأبيض المتوسط. لم يُثر اعتقال ستة مراهقين، مُتّهمين بإحراق المخيّم عمداً، أيَّ صدىً يُذكر، مع أن نظرة ثانية على ملابسات التحقيق والإجراءات الجنائية كشفت عن مخالفات وشكوكٍ في نظام العدالة اليوناني، فضلاً عن سياسة اللاجئين الأساسية للاتحاد الأوروبي. تُمثّل الإدانة، والإشكالية المريبة، للمراهقين الستة في الحريق، بداية بحثٍ مؤثر عن الإنسانية، كاشفةً عن الجوانب المظلمة لنظامٍ قمعي، ولاإنساني أحياناً كثيرة. نظرة على نظامٍ قضائي، تُمثّل فيه العدالة نفسها مصلحة واحدة فقط من بين مصالح كثيرة.
في العام الماضي، أظهرت مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية، في فيديو مُفصّل (24 دقيقة)، أنّه لا يُمكن أنْ يكون كل شيء حدث كما وصفه الشاهد الرئيسي، الذي لم يمثل أمام المحكمة قطّ، لكنّه قدّم أساس الإدانات بشهادته الكاذبة. لا يشارك "الستة من موريا" هذا الاهتمام الاستقصائي، رغم أنّه يتناول أيضاً الفضيحة القضائية، بل تهدف مالمان إلى أن يُنظر إلى فيلمها بوصفه بادرة تضامن، لمواجهة الصمت السائد منذ ذلك الحين، ولخلق نوع من الوعي، لتجنّب كوارث أفدح.
بُنيت مخيّمات جديدة، وارتفعت الأسوار أكثر، وأصبح الدخول والخروج محكوماً ببصمات الأصابع، ونادراً ما يُسمح للمحامين ومراقبي حقوق الإنسان والصحافيين بالدخول. وصلت مالمان وفريقها إلى أحد هذه المعسكرات الجديدة، وسُمح لهم بدخول مركز القيادة، المزوّد بشاشات مراقبة عدّة، كلّها أنيقة وواسعة ولامعة. تجرؤ مالمان على إلقاء نظرة ثانية بفيلمها هذا. في قلبه مراسلاتها مع حسن، أحد الشباب المُدانين، الذي يُخبرها عن حياته اليومية، ورغباته ومخاوفه من السجن. صورٌ هادئة مُؤطَّرة بدقة، تُوثِّق "الحياة الطبيعية" على أطراف القلعة الأوروبية. تُظهر الصور كيف يُؤثّر العزل الاستراتيجي، وما يترتّب عليه من إقصاء هيكلي مستمرّ.
عبر هذا النهج الشخصي، يمنح الفيلم حسن صوتاً ليروي يومياته، عالقاً بين الأمل واليأس. في صور هادئة ومؤثّرة، يتحدّث الشباب عن ماضيهم وأحلامهم وعزيمتهم، ودائماً في ظلّ مستقبل غامض. يستكشف الفيلم بعمق مواضيع كالهجرة والفَقْد والهوية والصمود. ويرفع مستوى الوعي بالمصائر التي غالباً ما تُغفل وراء مصطلحات مجرّدة، كـ"أزمة اللاجئين"، أو تغدو أرقاماً متكرّرة في نشرات الأخبار. تمثّل مراسلات مالمان وحسن نقطة انطلاق للمستويين الشخصي والعاطفي للفيلم. في الوقت نفسه، تُدلي شخصيات أخرى برأيها، كما تُتناول مواضيع أخرى، ما يفتح آفاقاً متعددة الجوانب للحياة في موريا، وما بعدها.

بمونتاج هادئ ولقطات للمناظر الطبيعية والمباني والأشياء اليومية للاجئين، تُترجم مالمان انتظارهم الطويل، ولايقينهم بالمستقبل، إلى لغتها البصرية الخاصة. مع ذلك، تبدو هذه الاستراتيجية مُملّة أحياناً للمُشاهدين. في المقابل، هناك صور وثائقية تلتقطها كاميرا متحرّكة، تحملها مالمان بنفسها. يُبرز هذا التباين التوتّر بين الأحداث الدرامية، الكارثية أحياناً كثيرة، في حياة اللاجئين ويومياتهم الرتيبة في مركز الاستقبال.
إذا أراد المشاهد معرفة كيف يتخيّل مجتمعنا الدولي مستقبله، فليُلقِ نظرة على المعسكرات الأمنية المتطوّرة، المبنية حديثاً، إذ يُعامَل الوافدون الجدد بوصفهم مجرمين عتاة، يُخشى اندفاعهم خارج أقفاصهم، في ترجمة أمينة لآليات سياسة العزل الأوروبية، التي تُعامل الناس كالمجرمين، وتحبسهم في معسكرات مستقبلية شديدة الحراسة.
أيضاً، يُظهر "الستة من موريا" تأثير القرارات السياسية على حياة الأفراد. بذلك، يُشجّع على التفكير في حقوق الإنسان، والمسؤولية الأوروبية، ويمكن أنْ يُشكّل نقطة انطلاق لمناقشات عن المجتمع المدني والعدالة والكرامة الإنسانية. لا يعكس الفيلم وجهة نظر اللاجئين أنفسهم فقط، بل يُتيح أيضاً مساحة لأصوات أخرى: محامون وسكّان الجزيرة ومدير المخيّم. يسمح هذا النهج متعدّد المنظورات برؤية دقيقة للوضع.
ما تأثير هذا السرد على المشاهدين؟ كونه فيلماً وثائقياً صحافياً، يستخدم "الستة من موريا" مواد متنوعة: صُور كاميرات المراقبة، وتسجيلات الهواتف المحمولة. ينجح التحرير والبنية السردية في تقديم صورة متناغمة ومحترمة لموضوع بالغ الحساسية، رغم تنوّع المصادر.
"الستة من موريا" يُثير إعجاباً وغضباً، باستكشافه مدى ظلم الإدانة، ومحاولته الإجابة عن سؤال ما سيحدث لاحقاً. مع ذلك، يشاهد المرء أيضاً مواقف مختلفة في الجزر اليونانية، حيث تتناوب المحادثات مع محامي المدانين مع لقطات تُظهر إنشاء مخيم جديد. مع هذه الانطباعات المتنوعة، مصحوبةً بأجواءٍ هادئة للغاية، ينقل الفيلم مشاعرَ كثيرة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows