
فتح انقطاع الغاز الطبيعي عن الأردن الذي يحصل عليه من إسرائيل في أعقاب عدوانها على إيران في الثالث عشر من يونيو/ حزيران الجاري وتبادل الضربات بين الجانبين لنحو 12 يوماً، الباب مجدداً أمام مطالبات أردنية بالبحث عن بدائل آمنة للإمدادات وإعادة النظر في اتفاقية استيراد الغاز من الكيان المحتلّ والعمل على إلغائها.
وقد أوقفت إسرائيل ضخّ الغاز إلى الأردن خلال عدوانها على إيران، ما اضطر الجانب الأردني للتحول لاستخدام الوقود الثقيل لإنتاج التيار الكهربائي بكلف مرتفعة، والحصول على كميات من الغاز من مصر لإدامة توفر الكهرباء لمختلف الاستخدامات، كما أوقفت الحكومة تزويد المصانع بالغاز الطبيعي بسبب تلك الأوضاع، ليتم بعد وقف الحرب استئناف الإمدادات، وفق شركة الكهرباء الوطنية الأردنية المملوكة بالكامل للحكومة. وتعهّدت الحكومة الأردنية بتحمّل أي كلف إضافية لتوليد الكهرباء بسبب انقطاع الغاز الإسرائيلي حينها وعدم زيادة الأسعار لتغطية الفروقات المالية اللازمة لعمليات التوليد.
وكانت اتفاقية الغاز مع إسرائيل قد جوبهت بمعارضة شعبية ونيابية ونقابات مهنية وأحزاب وغيرها في الأردن، للضغط باتجاه عدم توقيعها، لكن الحكومة رأت فيها مصلحةً اقتصاديةً وذهبت لإتمامها. وأكد خبراء ومختصون أهمية اعتبار ما حدث من توقف لضخ الغاز من قبل سلطات الاحتلال وقفةً لمراجعة واقع الطاقة في الأردن وتعزيزه وعدم البقاء عرضةً لاحتمالات انقطاع الغاز، وربما تعمد الكيان المحتل ذلك مستقبلاً، في إطار ممارساته غير المشروعة بشكل عام في المنطقة.
الخبير في قطاع الطاقة والنفط هاشم عقل قال لـ"العربي الجديد" إنه في ظل التحديات الإقليمية والتقلبات السياسية، باتت مسألة أمن الطاقة في الأردن أولوية وطنية لا يمكن تجاهلها، خصوصاً مع تكرار انقطاعات الغاز الطبيعي، الذي يشكّل أحد الأعمدة الرئيسة في توليد الكهرباء.
وبين الاعتماد على الواردات الخارجية وضعف الإنتاج المحلي، يقف الأردن أمام معادلة صعبة تتطلّب استراتيجيات مدروسة لضمان أمن التزود بالطاقة واستقرار الأسعار، وفق عقل، مشيراً إلى أن الأردن لا يزال يعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد عبر خطوط أنابيب إقليمية، ما يجعله عرضة لمخاطر سياسية أو فنية مفاجئة.
وأكد أن تنويع المصادر بات ضرورة، عبر توقيع اتفاقيات مع دول منتجة، مثل قطر أو الجزائر، إضافة إلى تعزيز استيراد الغاز المسال عبر ميناء العقبة، ما يتيح مرونة واستقلالية في إدارة الإمدادات. وأضاف أن الأردن يعوّل على تطوير حقل الريشة وزيادة إنتاجه من الغاز الطبيعي، لكن التقدم لا يزال محدوداً. وقال: "المطلوب اليوم هو تسريع أعمال التنقيب وجذب استثمارات جديدة من الشركات العالمية لتوسيع نطاق الإنتاج المحلي، ما يقلل من التبعية ويمنح الأردن قدرة تفاوضية أكبر، ومع ارتفاع كلف الوقود التقليدي، تتجه الأنظار إلى الطاقة المتجددة كمصدر آمن".
بدوره، قال المدير العام الأسبق لشركة الكهرباء الوطنية الحكومية عبد الفتاح الدرادكة إن الأردن شهد في 13 يونيو/ حزيران واحدة من أبرز الأزمات التي تعرّض لها قطاع الطاقة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت بانقطاع الغاز الطبيعي القادم من شرق البحر المتوسط، والذي انعكس مباشرة على كلفة إنتاج الكهرباء، وأثار العديد من التساؤلات حول مدى جاهزية النظام الكهربائي الوطني لمواجهة مثل هذه التحديات.
وأضاف الدرادكة في تحليل له حول حادثة انقطاع الغاز الإسرائيلي أنه رغم التقدّم المحرَز في تنويع مصادر الطاقة، فإن هذه الأزمة جاءت لتؤكد الحاجة المُلِحّة إلى تعزيز أمن التزوّد بالطاقة، وإعادة تقييم البنية التحتية الحالية، والتسريع بتنفيذ المشاريع الاستراتيجية.
وأشار إلى أن هذه الأزمة جاءت في وقت حرج، إذ كانت الباخرة العائمة الخاصة بتخزين وتغييز الغاز الطبيعي المسال (FSRU)، والتي تعتمد عليها المملكة الأردنية منذ عام 2015، قد غادرت المياه الأردنية بعد انتهاء عقد استئجارها. وكانت هذه الباخرة تُمثل ركيزة أساسية في استقبال شحنات الغاز المسال وإعادة تحويلها إلى الحالة الغازية لتغذية محطات الكهرباء، وذلك قبل سريان اتفاقية الغاز مع شركة "نوبل إنرجي" الإسرائيلية حيث أصبحت بعد ذلك ومنذ عام 2020 تمثل احتياطياً استراتيجياً لانقطاع الغاز من شرق البحر المتوسط ولغاية تاريخ انتهاء عقدها هذا العام.
وأضاف الدرادكة أن غياب الباخرة الأولى قبل جاهزية البديلة والوحدة الشاطئية، خلق فجوة حرجة في سلسلة التوريد، ما ساهم في حدوث هذه الأزمة، بالتزامن مع انقطاع الغاز المستورد من البحر المتوسط. وأشار إلى أنه يجرى العمل حالياً على استئجار باخرة بديلة بنظام التأجير التمويلي لمدة عشر سنوات، بحيث تنتقل ملكيتها لاحقاً للحكومة، وفي الوقت ذاته، يتم إنشاء وحدة تغييز شاطئية في ميناء العقبة (جنوب الأردن)، من المقرر الانتهاء منها في عام 2026، لتكون البنية التحتية الأساسية الدائمة لاستقبال الغاز المسال.
وبحسب التقديرات الرسمية، أدى انقطاع الغاز إلى زيادة الكلف اليومية لإنتاج الكهرباء بمعدل 1.8 مليون دينار (2.53 مليون دولار)، رغم الإجراءات السريعة التي اتخذتها والحكومة للتخفيف من الأثر، مثل استيراد نحو 100 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز المصري، في وقت تُعاني فيه مصر نفسها من شح الغاز المحلي.
ولعبت الطاقة المتجددة دوراً كبيراً في امتصاص حدة الأزمة، إذ بلغت مساهمتها نحو 27% من إجمالي توليد الكهرباء، إضافة إلى 16% من النفط الصخري. هذا التنوع في المصادر أسهم في تجنّب تكرار السيناريو الكارثي لعام 2011، حين انقطع الغاز المصري وكانت مساهمته تفوق 80%، ما أجبر الأردن على استخدام الديزل والوقود الثقيل، بكلفة تجاوزت عشرة أضعاف كلفة الغاز، مما تسبب حينها في خسائر يومية بلغت 4 ملايين دينار، وتراكم ديون وصلت إلى 4.75 مليارات دينار (6.69 مليارات دولار) في نهاية عام 2015.
وقال الدرادكة إن هذه الأزمة كشفت عن نقاط ضعف لا يمكن تجاهلها، وأظهرت في الوقت ذاته أهمية الاستمرار في إصلاحات قطاع الطاقة. ومن أبرز الدروس المستفادة أهمية التخطيط المسبق لمرحلة انتقالية بين مغادرة الباخرة العائمة ASKEMO ووصول الباخرة الجديدة والتي ستستعمل كخزان للغاز المسال واستكمال وحدة التغييز الشاطئية. كذلك تبرز الحاجة إلى وجود احتياطي تشغيلي دائم من الوقود البديل (ديزل وزيت وقود ثقيل) في محطات التوليد ومرافق الشركة اللوجستية، وأهمية الربط الكهربائي الإقليمي، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية التي تمتلك قدرة إنتاجية هائلة يمكن أن تساند الأردن في حالات الطوارئ، وفق الدرادكة.
وأكد أن ضمان استمرارية التيار الكهربائي ليس مجرد شأن فني أو تقني، بل هو عنصر أساسي في الأمن الوطني والاقتصادي والاجتماعي، وكلما كانت الخطط الاستراتيجية أكثر شمولاً واستباقية، كلما تمكن الأردن من مواجهة التحديات بثقة وكفاءة.

Related News




