أثبت نادي مولودية الجزائر علوّ كعبه على الساحة المحلية، بعد أن تُوّج بلقب الدوري الجزائري  لكرة القدم لموسم 2024-2025 وللمرة الثانية توالياً، مُعززاً رصيده التاريخي بتسعة تتويجات. وجاء هذا اللقب تزامناً مع مباراة الأسبوع الـ30 والأخيرة من المسابقة، والتي لعبت، اليوم السبت، ضد نجم مقرة بملعب الخامس يوليو 1962 بالعاصمة، وانتهت بنتيجة التعادل السلبي (0-0)، كان كافياً لرفقاء الحارس عبد اللطيف رمضان (24 عاماً) لتحقيق هذا اللقب.

ويقف وراء تتويج نادي مولودية الجزائر جملة من العوامل التي أسهمت في كتابة صفحة جديدة في تاريخ الكرة المحلية، حيث لم يكتفِ أصحاب اللونين الأحمر والأخضر بالظفر باللقب، بل فرضوا تفوقهم على أندية عريقة مثل شبيبة القبائل، الذي اكتفى بمركز الوصافة، إلى جانب منافسين تقليديين على غرار شباب بلوزداد، اتحاد العاصمة، ووفاق سطيف. وفيما يلي، يستعرض "العربي الجديد" أبرز الأسباب التي صنعت هذا الإنجاز المتجدد للنادي العاصمي.

جهاز فني يقوده بن يحيى أعاد التوازن

رغم البداية المقبولة التي سجلها نادي مولودية الجزائر في الموسم، إلا أن الفريق دخل في أزمة فنية منتصف الطريق، سبّبت إقالة المدرب الفرنسي باتريس بوميل (47 عاماً) خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وذلك عقب الخسارة المفاجئة داخل الديار أمام الهلال السوداني ضمن منافسات دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم، إلى جانب تزايد حالة الغضب الجماهيري بسبب تراجع الأداء وغياب الإقناع الفني. ولخلافة بوميل، لجأت إدارة النادي إلى اسم مألوف داخل البيت العاصمي، وهو المدرب التونسي خالد بن يحيى (65 عاماً)، الذي عاد إلى تولي المهمة بعد تجربته السابقة مع الفريق في موسم 2021/2022. هذا القرار شكّل نقطة تحوّل حاسمة في مسار الموسم، حيث استطاع بن يحيى إعادة التوازن الفني سريعاً، ونجح في قيادة الفريق نحو سلسلة من النتائج الإيجابية المتتالية، مستفيداً من معرفته الدقيقة بأجواء النادي.

لغة الأرقام تُنصف مولودية الجزائر

تُظهر إحصائيات الموسم أن تتويج مولودية الجزائر بلقب الدوري لم يكن محض مصادفة، بل نتيجة منطقية لأداء متوازن وثابت طيلة الموسم. فقد حقق الفريق خمسة عشر انتصاراً مقابل ثمانية تعادلات، وتعرض لهزيمتين فقط، ليكون بذلك الأقل خسارة بين جميع فرق البطولة. وعلى الرغم من أن خط الهجوم لم يكن الأقوى، إذ سجل الفريق تسعة وثلاثين هدفاً فقط، خلف شبيبة القبائل التي سجلت 42 هدفاً وشباب بلوزداد بـ44 هدفاً، إلا أن قوة الفريق الحقيقية ظهرت في الخط الخلفي، حيث كان صاحب أقوى دفاع في الدوري، بعدما استقبلت شباكه 19 هدفاً فقط. هذه الأرقام تعكس مدى استحقاق النادي للتتويج، وتُثبت أن النجاح لم يكن مجرد مصادفة، بل ثمرة عمل منضبط وجهود جماعية واضحة.

لاعبون صنعوا المجد وأسماء قدمت الإضافة

من الأسباب التي أسهمت في نجاح مولودية الجزائر في هذا الموسم الكروي وحسم لقب الدوري لصالحه، الصفقات المميزة التي أبرمتها إدارة الرئيس حكيم حاج رجم منذ فترة الانتقالات الصيفية الماضية، رغم أن هناك من فشل في تقديم الإضافة المطلوبة، أبرزهم المخضرم أندي ديلور (33 عاماً)، الذي غادر منتصف الموسم عائداً إلى مونبلييه الفرنسي، لكن هناك أسماء تركت بصمتها بشكل كبير، على غرار لاعب خط الوسط أكرم بوراس (23 عاماً)، وكذلك زكريا دراوي (31 عاماً) بطل العرب مع منتخب الجزائر عام 2021 وهو حال الطيب مزياني (29 عاماً)، الذي سبق أن تقمص ألوان فرق عريقة مثل لوهافر الفرنسي والترجي والأفريقي في تونس، وصولاً إلى الموهبة أمين مسوسة (20 عاماً)، القادم من ليل الفرنسي، أما الصفقة الأبرز فقد أبرمها الفريق في الميركاتو الشتوي الأخير، عبر ضمه الهداف الغيني المتألق ساليسو بانغورا (20 عاماً)، الذي سرعان ما تأقلم مع الأجواء وتألق في خط الهجوم، ليتوج لاحقاً بجائزة أفضل لاعب في المسابقة لشهر يونيو/ حزيران، باختيار من الرابطة المحترفة.

دعم الجماهير كان كلمة السر

كما كان الحال في المواسم السابقة، واصلت جماهير مولودية الجزائر لعب دورها المحوري في مسيرة الفريق نحو التتويج، من خلال مساندتها المستمرة في أصعب الظروف، سواء بالتنقل خلف الفريق في المباريات خارج الديار، أو من خلال الحضور المكثف إلى ملعب الخامس يوليو خلال المباريات المحلية. وقد تجلّى هذا الدعم بأبهى صوره في المباراة الختامية أمام نجم مقرة، حيث امتلأت المدرجات عن آخرها بـ"الشناوة" كما يُلقبون، الذين رسموا لوحات فنية مميزة، وأطلقوا أهازيج استمرت طيلة التسعين دقيقة، في صورة تعكس العلاقة الفريدة بين الفريق وجماهيره. ورغم أن الأداء الهجومي لم يكن في أفضل حالاته خلال المباراة الختامية، لكن الجماهير أظهرت نضجاً كبيراً ووعياً بأهمية اللحظة، حيث تفهّمت أن النتيجة هي الأهم في مثل هذه اللقاءات، وقد كان لها ما أرادت، وهو تتويج غالٍ وجديد.